احتل آل الخالدي، الملقبون بالديري سابقاً مكانة مهمة بين علماء القدس وأعيانها خلال أجيال متتالية، وكان مصدر نفوذ أبناء هذه الأسرة على الدوام عملهم في المحكمة الشرعية، كتاباً ورؤساء لكتاب المحكمة (باشكاتب) ونواباً للشرع. وصارت وظيفتا الافتاء ونقابة الاشراف حكرا على أبناء عائلة الحسيني بصورة عامة، لكنهما ظلتا تنتقلان من حين إلى آخر إلى آخرين من علماء القدس وأعيانها. أما آل الخالدي فلم يكونوا بين المتنافسين في شأن الافتاء أو النقابة، لكنهم، في الوقت نفسه، نجحوا في صيانة وظائف المحكمة الشرعية لأبناء عائلتهم. ومن خلال العمل في سلك القضاء، نجح بعضهم في تسلق سلم الوظائف، فعُين لنيابة الشرع أو حتى لحكم الشرع في القدس وأماكن أخرى. وعلى الرغم من الصعود والهبوط الذي أصاب مكانة آل الخالدي خلال العهد العثماني، فإن الأمر البارز في تاريخ هذه العائلة أنها حافظت على دورها في المحكمة الشرعية، ومن خلالها أقامت نفوذها الاجتماعي.
عُرف أبناء عائلة الخالدي، في أوائل العهد العثماني، بكنيتهم "الديري"، نسبة إلى قرية الدير في لواء نابلس. وحتى قبل العصر العثماني، فان بعض أبناء هذة العائلة، التي استوطنت القدس، برز منهم علماء مشهورون، بينهم شمس الدين محمد بن عبد الله الديري. ويبدو أن هذا القاضي كان أول من سكن القدس، واسس فيها عائلة من نسله، عرفت فيما بعد بالخالدي، نسبة إلى خالد بن الوليد. وقد لازمت كنية الديري أبناء هذه العائلة حتى القرن الثامن عشر، ثم سقطت بالتدريج، وزاد التشديد على الخالدي.
بخلاف العديد من عائلات القدس، فان آل الخالدي لم ينتسبوا إلى سلالة الرسول، وظلوا بعيدين عن المنافسة في شأن نقابة الأشراف. كما أنهم، على الرغم من انتمائهم إلى المذهب الحنفي منذ بداية العهد العثماني، لم يحاولوا الحصول على وظيفة افتاء الحنفية في المدينة، وبقوا بعيدين عن صراعات القوى فيما يتعلق بتلك الوضائف المهمة. وقد برز من أبناء هذه العائلة في القرن الثامن عشر محمد صنع الله الخالدي، الذي شغل وظيفة باشكاتب المحكمة الشرعية. وبعد وفاته في سنة 1140 هــ/ 1727 – 1728 م، ورث مكانته ووظائفه ولداه خليل ثم ابراهيم حتى وفاتهما، فانتقلت إلى آخرين من أبناء الأسرة.
آل الحسيني وآل الخالدي لم يتنافسوا في شأن الوظائف نفسها، وإنما حافظوا على علاقات التنسيق والتعاون. فبينما حاولت عائلات مقدسية، مثل آل العلمي وجار الله والجماعي وأبو السعود وغيره، منافسة آل الحسيني في شأن إفتاء الحنفية ونقابة الأشراف، ظل آل الخالدي بعيدين عن هذه الصراعات، كما ذكرنا سابقاً. وقد توثقت العلاقات بين العائلتين وتعززت ايضاً عن طريق المصاهرة في أوائل القرن التاسع عشر.
لواء القدس في أواسط العهد العثماني
عادل مناع
(بتصرف)