أنا حسن عبد الكريم حسون، مواليد 1936، من قرية سحماتا في فلسطين.
جدي هو إبراهيم حسون عند ولادتي لم يكن حياً، أما والدي فكان فلاح يعمل في الزيتون والزراعة بالبلد.
كان منزلنا يقع بجانب المدرسة، وكان من جيراننا دار عزام، وثم الجامع ونحن كنا أول بيت بسحماتا عند دخول البلد. كان يسكن بالبيت والدي وجدتي معنا... ولكن إخوة والدي (أعمامي) كانوا متزوجين ويعيشون خارج البيت في بيوت مستقلة.
والدي كان يقضي يومه بالعمل...كان والدي عنده أراضي كثيرة، فكان يعمل في معظم الأراضي هنا وهنا وهناك.
كان لنا أرض بجانب البلد (هناك تين وزيتون حولوها) على مشارف مدخل القرية (منطقة مغارة حلال). ولدينا جيراناً هناك هما بيت كامل سليم، أحمد زغلولة، ومن خلف الشارع كان عندنا أرض نصبها أبي ودار عبد اسلام قدورة زيتوناً، وهذه الأرض لم تقسم بينهم. وكان عندنا بئر في الكوربة لنا ولدار خليل سليم (عائلة مسيحية)، وابنته متزوجة المختار جرجس. وهم خرجوا معنا الى بعلبك لاحقاً.
أما بالنسبة الى الزيتون، كان عندنا معصرة (موتير) وعند خروجنا تركنا براميل زيت بالغرفة والموتير ركبه شخص إسمه عزام من فلسطين، وجاء اليهود وفكّوه، هذا الموتير رُكب قبل الخروج بثلاث سنوات، كنا نعصر عليه للبلد كلها.
كنا نعصر لـ10 زبائن يومياً، وكان يأتي ناس من خارج القرية من الدير. كان يعمل على الموتير شغيلة من البلد.
أنا درست بالمدرسة الفوقا بسحماتا، وبقيت للصف الرابع فيها، كان يأتي الأستاذ خالد القاضي من ترشيحا، وأحمد سعيد أيضاً ومن رفاقي أذكر زكي وعادل وحسن والأستاذ فاعور.
أنا أعرف البلد كلها، وأعرف طرقها، وقلت لأهلي إذا تحررت فلسطين سأذهب مشياً، أذكر الأراضي حجر حجر، وأذكر مغارة قلما، وبيتنا كان كبيراً فيه غرفتان منها غرفة لجدتي رحمة الله عليها.
البركة كانت كبيرة ولها سطح الأولاد كانوا يسبحون فيها من الشاطئ للشاطئ. نحن خرجنا سنة إلى الصفصاف في 1936 فلا نذكر ما كان يفعله الإنجليز، ولكن سمعنا أنهم كانوا يكسروا البيوت ويكبوا الزيت بالشارع.. ويخلطوا الشعير والقمح والحبوب.
حسن حسون عنده ولدان خليل ومحمد.. هم لم يكونوا بسحماتا سنة 1948، كانوا بـقرية «صلحة»، محمد حسون كان معتقل وعندما أفرج عنه تزوج وسكن بصلحة، محمد كان أسيراً بألمانيا أيام الحرب.
في إحدى الأيام خرجنا لعندهم مع والدي وحبر وأخذنا معنا ذبيحة من شوق الحبش وطلعنا وذبحوه وأكلناها ثم عدنا، طلع معنا جميل عبد الله وأحمد غزالة.. سنة 1944 و1945. طلعنا الى الجش ماشيين ومن الجبش الى صلحة ماشيين أيضاً، لم يكن هناك سيارات آنذاك.
سنة 1948، ولكن قبل ما تطلع الناش من سحماتا، كان يأتي الناس من خارج القرية ثم تطلع الناس وراء بعضها ولكن نحن طلعنا أخر شي بقينا 7 أيام تحت الزيتون بأرض البلد، طلعنا على المريجات وطلعنا بالليل وحاملين بعض الأغراض، نمشي ونرتاح حتى وصلنا على الرميش ثم تنقنا على بنت جبيل.
ونحن بسحماتا، جاء الطيران وقصف البلد كنا بأشغالنا.. وعندما قررنا الخروج كنت مع أهلي (أبي ومحمد عبد الرحيم ومحمود الحاج)، وعماتي كانوا يطلعوا مع عائلاتهم.. ثم نقلونا الى صور قرب المخيم 4-5 أيام أخذونا الى بعلبك بالكاميونات (الشاحنات).. وهناك لم يحصل الشخص على 1 متر مربع، في ناس قعدوا بالأواويش.. نحن كنا بالأواويش وهناك من سكن غرف لا يروا الشمس إلا بالشارع.. كان جارنا أسعد محمد سعيد، تزوج وأنجب أولاده كلهم ببعلبك.. عند خروجنا تركنا كل شيء. رجع والدي ليحضر أوراق الملكيات، وحاول أن يحضر أي شيء يمكن بيعه.. ولكن أبي لم يستطيع أن يحضر الأوراق.
في سحماتا سنة 1948.. كانوا يُجرون دوريات حراسة.. أبي كان معه بارودة وأخذها اليهود منه لكي يبقى ببيته، فكان اليهود يقولون من يُسلم بارودته يمكن له البقاء ببيته.. فصدمت الناس.. مصطفى علي أحضر بارودته والمخبأة وبارودة ابن عمه سلمهم إياها. ونحن طالعين من البلد ليلاً، لم نرى أي أحد مصاب.
بقينا بالمريجات لمدة أسبوع ولما قطعنا الأمل عرفنا الخروج.. أخذوا منا البقرات.. الناس خرجت على أساس أسبوع وتعود بعدها.. ولكن للأسف لم يبقى حجر على حجر.
ولكن ما زالت الصورة القديمة للبلد موجودة ومحفورة بالذاكرة، أريد العودة عالى سحماتا وكما ذكرت لأرجع ماشياً.
خالي علي أذكره جيداً، كان يسكن تحت المدرسة قريب مناً، كان عنده حديقة وراء السور.. وكان عنده مغارة فيها سمك.. كانت هوايته صيد الاسماك بداخل البلد.. (هو لقبه علي النسر)، لأنه كان هوايته الصيد. كان مرة على طريق الشقيف.. صعد ولكنه لم يستطيع النزول وجاء الناس ينزلونه بالخشبة.
كانت الناس تذهب خارج البلد مثل الكابري، وكانوا يعملون بالفلاحة أيضاً. خالي كان عنده أرض وبقر.. كان عنده أرض بقرحاتة.. وعندما خرج وصل حلب وماتت بنته قطف بحلب، وإلتقينا معه بلبنان، جاء الى طرابلس وسكن فيها، جاء الينا في بعلبك ونحن ذهبنا لعنده على طرابلس.
قبل الخروج من سحماتا بيومين.. كل الناس تفرقت.. منهم من ذهب الى الشام ومنهم الى لبنان..
أبو خليل كان جمَال وكان يعمل عند دار الحاج أسعد، نزلوا الى سوق الجش ليشتروا جمل، فجاء رجل ومعه دب، فتحداهم..
فجاء أبو خليل صارع الدب ورماه أرضا ومعه خنجر، فقال لصاحبه بدي أذبحه، ولكن أعطوه نقود حتى وافق على ترك الدب.
أنا خرجت ابن 20 سنة من سحماتا، أذكر كنا نفلح حملت العود والسلة فيها وروحت من باب الجبل حتى أصلي بالجامع، بيتنا قريب من الجامع، لألحق صلاة المغرب.
بالجامع، كان الشيخ شحادة الحبشي يؤم بنا، كنا نقرأ عند الشيخ عبد الله.. من كان يختم القرآن يعطوه شهادة ويدوروا بالبلد لإعلام الناس.. كان كل واحد بشتغل بدخانه.. كان الفلاح وكل عائلته تساعده.. كل شغل الدخان صعب.. الزرع صعب.. ونقله وحصاده والشك وأخذه للشركة، ومن كان يقول عندي الدخان يعتبرونة شخص غير جيد، كانوا يجبروا صاحبه أن يحرق دون التعويض له.
أول قذيفة طيران، كانوا بالمخيم بالراشدية، إستشهد خالي فيها، هو وعائلته، خالي علي وزوجته زهية وبيت أحمد وأولاده.
في بعلبك.. كانت العيشة صعبة، كنا 3000 نسمة ندخل من بوابة واحدة، والدرك على البوابة. صارت الناس تشتغل بأية عمل، إبراهيم عمل بالفرن. كان الشخص له 3 أرغفة، ملعقة دبس و5 حبات تمر وكانوا يطبخون معكرونة.
أنا لم أدرس بلبنان.. وأول عمل لي كان بالحقلة.. نحلش.. ندرس حبوب.. أذكر درست عند واحد من عائلة الساتر. نعمل كل السنة حتى يأتي المختار ويحدد الإجرة. ولا يعطوا العامل نقوداً ولكن بدل من الغلة.
الوكالة هي من نقلنا الى الراشيدية بسبب أزمة السكن ببعلبك والبرد.. كان عندي حسان وعدنان، وأخذت بيت لي ولعائلتي.
«على الله» ليس هناك شيء بعيد.. أتمنى العودة.. والإتكال على الله.. ولا أمل ولا إتكال على الدول العربية..