محمد يوسف الألومي – أم الفرج
محمد يوسف الألومي من قرية أم الفرج قضاء عكا، مواليد 1936.
أذكر أم الفرج، هناك طريق رئيسي من حجارة مرصوصة جيداً، وعندما تنزل من هذه الطريق، يكون الجامع، ثم ينتهي الطريق لتجد ساحة كبيرة بين دار الحاج موسى ودار ستيتة ودار المختار. في هذه الساحة تُقام الأعراس..
مختار أم الفرج إسمه حسين سالم، أما المختار السابق فهو من دار الحاج موسى ولكني لا أذكره. وكان عند أبو حسين مضافة بالبلد.
كان الجامع له قيمته، وأمامه دونم ونصف مزروعة ليمون. وعندما كنا صغار كنت أنا وإبراهيم صبري نسقي الأرض، ومؤذن الجامع هو أبو الفضل الحاج موسى، المسجد ليس له مأذنة..
لم يكن هناك مدرسة في القرية، القرية كان فيها 400 شخص.. المدرسة كانت بالحميمية تبعد عن أم الفرج مسافة كبيرة، كنا الطلاب من أم الفرج والنهر يذهبون الى تلك المدرسة، مع أنه الحميمية عبارة عن 6 – 7 بيوت فقط.
أنا درست بالمدرسة ولكن عندما توفي أبي خرجنا من المدرسة. عائلات المدرسة كلها مسلمة، كنا نروح على المدرسة مشياً..
ووسائل المواصلات كان باص يأتي من ترشيحا، الغابسية، الشيخ داوود، الكابري، النهر أم الفرج، كل هذه القرى على باص واحد (باص ترشيحا).
كان عندنا أملاك وبساتين كثيرة.. أنا عند وفاة والدي إشتغلت عند دار الحاج موسى، كنت أنقل نقليات على الدواب من البستان الى الشارع العام...
وبالنسبة للطبابة، كانت الناس تذهب الى نهاريا (الدكتور نتان والدكتور كيوي)، أنا أخذت مرة أمي لأحكمها هناك..
أما بالنسبة للجبار، كان عنّا جبار عربي.
كان عنا دكان لنعيم الحسن، وللعبد خالد سالم وحسين المختار. وأيضاً كان هناك لحام، بالجمعة مرة، كان الخربيطي يذبح جمعة، وخالد حسن يذبح جمعة.
كان في القرية فرن لدار الخربيطي، ولكن أكثر الخبز يتم خبزه على الصاج.. الفرن يفتح عادة وقت العيد، لمن يريد أن يصنع الكعك، فيتم خبز الكعك فيه..
رجال القرية كانت تحلق عند الحلاق أبو غانم الحاج موسى، كان دكانة الحلاقة موجودة مقابل المقبرة عند السدرة.
البيوت كانت من قناطر وباطون.. وتُنار البيوت بالسرج على الكاز.
من الرجال المشهورة، حسين أبو السعد، يحل المشاكل، ومن دار الحاج موسى حسين أبو سعيد، وأبو حسين المختار سالم، ويوسف عبد العال، هؤلاء كانوا يتدخلوا لحل كل مشاكل القرية..
أما ماء القرية كانت من النهر، هناك بركة كبيرة تسقي كل بساتين بلدنا (بركة النهر) تأتي من قرية النهر. وفي النهار المبكر قبل أن تتسخ المياه، كانت تأتي وتملئ مياه للشرب. ولكن الجلي والغسيل كله يتم على قنوات المياه.
أما الأعراس، كانت جميلة، سحجة، ويأتي الحداي الريناوي، الرجال تصف صف للسحجة، "حَوَلُّومو"، وسيف الدين الحاج أمين.. الريناوي يأتي من مجد الكروم.. وهناك حدى إبن سعود، كانوا يأخذوا أجرهم عالأعراس، اليومية بليرة واحدة فلسطينية.
الأعراس كانت 3 – 4 ايام، وكانت تطبخ الطعمة.
كان يأتي الغجر ويحضرون صندوق الفرجة، والناس كلها تذهب لترى من خلاله، أما اللعب.. فكنا على أيام مصطفى حجاب هو أكبر منا، فكنا بالليل أنا والأولاد نتجمع عند الجامع، فيأتي مصطفى حجاب يلعبنا، فيقول لنا قفوا كنا نقف، إجلسوا كنا نجلس..
وكنا نلعب الغميضة.. ونختبىء..
لم يكن هناك فريق لكرة القدم.. ولكن سنة النكبة قبل الخروج، عملوا مدرسة حكومية بالبلد خلف الجامع، فكان هناك أستاذ إسمه الأستاذ جمال كان يلعب الكرة بالمدرسة.
وكان عنا مقبرة خاصة بالقرية، أبي مدفون فيها هناك.
وكان يذهب الناس للحج، أذكر الحاجة أم صبري، الحاج زمزم، الحاج أبو عبدالله الهويدي،... كان الحجاج يذهبون على الجمال.. تزيّن الجمال ويذهبوا عليها.. وعند الرجعة من الحج كانوا ينتظروهم ويحتفلوا بهم..
شهر رمضان بأم الفرج.. كانت الناس تصلي صلاة.. وليس هناك تراويح والمسحّر إسمه أحمد هويدي... كانت أيام رمضان حلوة.. والناس تصلي..
في ثورة 1936، كنت صغيرا.. ,لا أذكر شيء عن تلك الأيام..
ولكن في 1948.. كانت هناك معارك ومناوشات مع اليهود، ولكن أذكر معركة الكابري.. كان هناك قلعة جدّين فيها اليهود، كانت قلعة متينة، جاء اليهود ليعطوا الطعام لليهود الذين في القلعة، وعند العودة أنشأ الثوار كمين لهم عند بركة النهر، وتم إطلاق النار على بعض.. ويومها ذهب فوق الـ50 قتيل لليهود.. وسمعنا بمجزرة دير ياسين وتأثرنا كثيراً..
لم يتم الهجوم على البلد .. ولكننا طلعنا من مجرد سماع أن الناس في القرى الأخرى تخرج من القرى، فطلعنا من أم الفرج ولكن بقيت بعض العائلات مثل دار أصلان ودار حميدة، وأبو قاسم عبد العال.. ومحمد مرعي، وهويدي..
قبل الخروج.. كانت تقام دوريات وحراسات ليلية، وكان كل بيت فيه سلاح وكان العبد مرعي بالجيش البريطاني وهرب منه وكان معه (بِريه)، وكل أولاد البلد.. عليهم الحراسة بأخر المدة..
وعند خروجنا من أم الفرج أخذنا معنا فراش وطناجر.. كان جيش الإنقاذ يقول لنا أخرجوا وبعد جمعة بترجعوا.. فصدقناهم.. وخرجنا، وخرجنا الى بنت جبيل، بقينا شهرين وندفع إيجار البيت ليرة فلسطيني،
ثم سكنّا بالمعشوق.. وعند خروجنا لم يكن هناك حواجز إسرائيلية، كانت الدنيا صيف.. وبالمعشوق كانت البيوت مهجورة، والحياة كانت صعبة، لم يكن هناك مياه، كنا ننزل الى البساتين لنملئ الماء.. بقينا فيها مدة طويلة ولي أخوة ما زالوا هناك، عمّروا بيوت وسكنوا.
لم يكن ببادىء الأمر مدارس، وبقينا حتى عمّرت الأنروا مدارس.. ومن كان معه قليلا من الاموال، ظل يصرف منها حتى تنتهي، وكنا نعمل بإيجار ليرة لبناني..
أنا تزوجت بالمعشوق، ولكن الحياة كانت صعبة كثيراً، فقررنا الخروج للبص. كانت بيوت الأرمن هناك، فإشتريت بيت بـ 25 ليرة.. غرفة ومطبخ.
أطلب من الله أن أموت بفلسطين.. أنا لي أبناء مسافرين وعمّرت بيت بالبص كلفني 80 ألف دولار.. ولكن هلأ هلأ بتركه وبترك ملابسي وبرجع الى فلسطين.. لا أقبل بالتعويض أبداً.
من يعرف فلسطين يبكي عليها دم.. بلدنا مشهورة بالبساتين والزيتون والتين.. بالنهار كانت كل الناس تحمل سلال لتحويش التين، لا أحد يسأله الى أين تذهب ومن أين أتي ت..
كان عندنا معصرة زيتون صاحبها من دار زمزم، عندهم زيتون كثير فأنشأوا معصرة وكان الأجر زيت..
لم أرجع لفلسطين ولم أزر أم الفرج.. لا أقبل بتعويض عن فلسطين وأتمنى أن أموت بفلسطين.