رام الله- عربي21- فيحاء شلش
كلما ذُكر المسجد الأقصى المبارك والرباط فيه لا بد أن تقفز صورة المعلمة هنادي الحلواني وأخواتها إلى المخيّلة، فتلك الحالة من التعلق بالمسجد أثارت استفزاز الاحتلال وأركانه المختلفة لتنفذ بشكل فعلي عقوبات امتدت منذ أعوام عليهن.
وفي كل يوم اعتادت الحلواني منذ صغرها أن تستيقظ لتملأ وجهها بمشهد قبة الصخرة المشرفة والتي تظهر جلياً من نافذة منزلها، ثم تحضّر نفسها وتتوجه للصلاة في الأقصى وتعتبر ذلك بداية ليومها، ولكنها الآن تكتفي بالنظر من بعيد إليه بسبب قرارات الاحتلال بإبعادها عنه مرة تلو الأخرى.
رسالة القدس
الحلواني ولدت وعاشت في حي واد الجوز القريب على المسجد الأقصى، ونتيجة هذا القرب تمكنت من البقاء في أركانه ومصلياته طفلة وفتاة ومعلمة، فهي تزوجت في سن السابعة عشرة ولم تكن قد أكملت تعليمها، ثم شجعها زوجها على إكمال دراستها في مجال الخدمة الاجتماعية والأسرية.
وتقول لـ "عربي21" بأنها حين تزوجت بقيت في حي واد الجوز الذي تحبه ونشأت فيه، ورغم دراستها للخدمة الاجتماعية إلا أن حبها لتعليم القرآن الكريم كبر داخلها وأصبح شيئا لا غنى عنه.
وتضيف: "حين كنت صغيرة كنت متعلقة بجدتي كثيرا وهي كانت تستمع لإنشادي ثم شجعتني على أن أكون معلمة للقرآن في الأقصى حين أصبحت فتاة، فتحول الأمر من حلم إلى حقيقة وبالفعل انتظمت في حلقات التحفيظ".
الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل بقيادة شيخ الأقصى رائد صلاح أنشأت مشروعا هاما أسمته "مصاطب العلم"، ويتضمن إنشاء حلقات من المصلين يتدارسون فيها كتاب الله على يد معلمين ومعلمات كانت من بينهن الحلواني، ولكن قرار الاحتلال بحظر الحركة أنهى هذا المشروع وتعرض المعلمون والمشاركون فيه للاعتقال والإبعاد عن المسجد مرات عديدة.
وتضيف: "كنت أشارك في مصاطب العلم ومشاريع أخرى كالمخيمات الصيفية والنشاطات الرمضانية حتى تنبّه الاحتلال لدوري في الأقصى فكان أول استدعاء للتحقيق معي عام 2012 وبعدها كان أول إبعاد عن الأقصى في العام ذاته، وبعدها توالت قرارات الإبعاد والاعتقال والاستدعاء إلى الآن، وأصبحت أُحرم من دخول الأقصى في معظم أيام السنة إن لم تكن جميعها".
وتعتبر الحلواني بأن رسالة المسجد الأقصى المبارك لا تتوقف بالحظر ولا الإبعاد ولا الاعتقال، "بل هم يستطيعون إبعاد جسد هنادي عن الأقصى ولكنهم لا يتمكنون من إبعاد روحها وتعلقها فيه" كما تقول.
المرابطة الأم
المعلمة هنادي هي أم لأربعة أبناء؛ لم تغفل دورها تجاههم رغم حرب الاحتلال عليها وعلى كثير من المرابطات اللواتي تتشابه حكايتهن مع حكايتها.
وتتحدث المعلمة عن حياتها في ظل تهديدات الاحتلال المتكررة، فلا يكاد يمر أسبوع إلا ويتم استدعاؤها للتحقيق في مراكز الشرطة الإسرائيلية رغم سريان قرار إبعادها عن المسجد، ويتم خلال ذلك توجيه الأسئلة المكثفة لها عن طبيعة نشاطها خلال الإبعاد وتهديدها في الوقت ذاته.
وتتابع: "بالطبع تؤثر كل هذه الظروف على حياة أبنائي فبين الفينة والأخرى يتم اعتقالي من بينهم من منزلي وهو مشهد لا يمكن أن يُمحى من ذاكرتهم، كما أن قرارات الإبعاد تجعلهم يدخلون الأقصى دون أن أتواجد معهم حتى في رمضان والأعياد وهو أمر محزن بالنسبة لأطفال متعلقين بوالدتهم".
أما زوج المربية الحلواني والذي لم يكن له ظهور إعلامي طيلة فترة استهدافها من قبل الاحتلال فهو شخصية هادئة كما تخبرنا، معلّقة خلال الحديث عنه بجملة "وراء كل مرابطة رجل عظيم يساندها ويساعدها ولولا وقوفه إلى جانبها لما استطاعت أن تكمل هذا الدور".
وتتابع: "طريق المرابطة صعب جدا وهو بحاجة لشخص ليس مساندا فقط بل مدافعا عني أمام المجتمع والمحيط وليس فقط أمام الاحتلال لأن هذه كلها معيقات، ومن المؤكد أنه يقلق ويخاف عليّ ولكن هو يقول دائما طالما أنت قادرة على إكمال هذا الطريق فأنا دعمك وسندك وفي الوقت الذي تتعبين فيه سأكون لك أيضا عونا".
واشتهرت الحلواني برباطها حتى بعد خلال الإبعاد؛ حيث لم تتوان عن الصلاة على أبواب المسجد الأقصى المبارك والرباط أمامه في رسالة واضحة للاحتلال بأن الإبعاد لا يؤثر على رسالة المرابطات وتعلقهن بالأقصى، بينما كانت هي والعشرات غيرها من رواد المسجد ضمن قائمة أسماها الاحتلال بالسوداء الذين يستهدفهم بالقرارات الجائرة، ولكنهم قلبوا المعادلة وحولوها "للقائمة الذهبية" وأصبحوا رمزا للرباط وتحدي عنصرية الاحتلال.