جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
السبيل - 30/مارس/2016
السبيل - صفا يفتخر رجا أبو دية (18 عاما)، حفيد شهيد الأرض، بجده وسيرته، وهو يعتبر نفسه محظوظًا لأن أمه أسمته باسمه، ومن أجل ذلك يشمّر عن سواعده في كل عام لذكرى استشهاده، ليكون في الصف الأول من المحيين لذكرى يوم الأرض ببلدته سخنين. وللشهيد أبو رية ضريح تحج إليه عائلته دومًا والألاف من أهالي بلدته الواقعة شمال فلسطين المحتلة، وخلدت اسمه كبرى بناته الأربعة، التي أنجبت "رجا" من جديد، وأرضعته لبن حب الأرض والتشبث بها، حتى أضحى نسخة عن جده. ويحيى الفلسطينيون اليوم الذكرى الأربعين ليوم الأرض الذي ارتقى خلاله 6 شهداء من مناطق الجليل الفلسطيني في سخنين وعرابة وكفر كنا ونور شمس، بعد إطلاق جنود الاحتلال الإسرائيلي النار عليهم. 30 حفيدًا على دربه وتشعر "جليلة" ابنة الشهيد أبو ريا، أن روح والدها تعيش معها، رغم أنها كانت طفلة حينما وقعت أحداث يوم الأرض التي شهدت خلالها استشهاد والدها بأم عينها. وتقول لوكالة "صفا": "أقول اليوم إن والدي لم يمت، لأنه ترك وراءه أربع يتيمات أنجبن له من الأحفاد ثلاثين حفيدًا، كلهم يتربون على ذكراه وسيرته الخالدة، بل يفتخرون بنا كأمهات لأننا بنات شهيد يوم الأرض". وتروي أحداث ذلك اليوم، في اليوم الثاني من 30 أذار قبل 40 عامًا، حين قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مصادرة أكثر من 21 ألف دونم من أراضي "المل" بسخنين وعرابة ودير حنا. وكما تقول "كل أهل سخنين رفضوا القرار وشهدت المدينة إضرابًا شاملًا، وحاولت السلطات إفشال هذا الإضراب، وكانت تدور مواجهات عنيفة يوميًا، وخرج والدي من منزله رافضًا قرار حظر التجوّل". وفي ليلة المواجهات بين الجنود والأهالي دخل الجنود إلى قرية سخنين، وأطلقوا النار صوب المنازل بشكل عشوائي ودون أي سبق إنذار، ومنعوا خروج الأهالي. ولكن رجا- تروي ابنته- "لم يكن يملك أرضًا من تلك التي شملها قرار المصادرة، لكنه كان لا يحب الظلم، ولم يكن هذا يعني أن يستكين أو يصمت على ما يحدث، فخرج يدافع عن جيرانه وأهل بلده ويدافع عن أرضها". وعلى تلة عالية من البلدة، كان يلقي أبو ريا- بعمر الـ28 سنة- الحجارة على جنود الاحتلال، الذين دخلوا على المدينة بالدبابات والأليات، لمواجهة الغضب الشعبي، فأطلق جنود الاحتلال الرصاص عليه وأصابوه برأسه. وكجرائمهم المستمرة، لم يكتف جنود الاحتلال بإطلاق الرصاص، فتركوه ينزف، وحينما حاول بعض أهالي البلدة إسعافه، منعوهم وأوقفوا سيارة الإسعاف في الطريق، إلا أن المسعفين تصدوا للجنود واستمروا رغمًا عنهم. في ذلك الحين كانت روح أبو ريا ارتقت إلى ربها، وأعلِن عن استشهاده فور وصوله للمستشفى. وأعلن أيضًا في تلك الأحداث عن استشهاد خمسة فلسطينيين من الداخل بالإضافة للشهيد أبو ريا، وهم: الشهيد خضر خلايلة، والشهيدة خديجة قاسم والشهيد محسن طه والشهيد رأفت علي والشهيد خير ياسين. يوم عيد وتكسو الورود في أذار كل عام ضريح شهيدها رجا، وكأن الأرض تحتفي بذكرى شهيدها فتنبت على قبره بألوانها الجميلة، وتجعله للرائي كما وأنه باقة من الزهور. وتقول ابنته "أبي تركنا يتيمات، وتحملت أمي صعابًا كبيرة من أجل تربيتنا وتحملت طوال هذه السنين، إلى أن أثمرت هذه التربية وتزوجنا وأنجبنا أنا وإخوتي 30 حفيدًا، كلهم يعشقون سيرة ورائحة الأرض".
وتتابع بفخر "رجا يعشق جده، ولست أنا فقط من أسميت ابني رجا، بل إن أخواتي أيضًا أسميّن باسمه لنحيي ذكراه دومًا بيننا، كما أننا أصحاب همة ومقام بفضل نضال أبي وتربية أمي لنا على سيرته". ومنذ ساعات الصباح الباكر اليوم، وكما في تاريخ 30 أذار كل عام، يستعد أحفاد وبنات الشهيد أبو ريا للزحف نحو ضريحه، ليكونوا بجانبه في إحياء يومه الخالد. وتؤكد جليلة أن اليوم كالعيد بالنسبة لابنها رجا وإخوته، فهو بالإضافة لإحياء ذكرى استشهاد جده، يدوام على رعاية أرضهم، كما يعشق قضاء أوقاته بين البساتين والأشجار. وتردد والدته "هو يحب الأرض وهذا لم يأت من فراغ، والتربية خير سبيل لأن نصنع أجيالًا تدافع عن أرضنا حتى بعد مماتنا، ما دام فيها الاحتلال".