دينا آغا - صيدا
يوم الخميس 3/3/2011 توجهت لزيارة الحاج محمد ابراهيم القط (أبو ابراهيم ) البالغ من العمر 80 عاما ، في منزله الكائن في مخيم عين الحلوة مقابل مستشفى القدس .
كنت أنا وعمتي الحاجة صباح آغا في طريقنا إلى منزل الحاج محمد، فإذا به يجلس في كاراج ابنه ابراهيم الملاصق لمنزلهم. أوضحت لهم باختصار أنني أريد أن أجري دردشة قصيرة مع الحاج، فرحبوا بنا وانتقلوا بنا إلى المنزل ، وهناك بدأ الحوار . طلبت منه أن يصف لي تلك البلدة الصغيرة ( أم الفرج ) التي لم يتجاوز عدد المنازل فيها الـ 120 منزلا حسبما يذكر الحاج ، فقال :
( كانت تكثر فيها أشجار الزيتون والليمون وبعض الزراعات مثل البندورة والباذنجان، ، وكانت مياه النبع حول البلد – مطوقة البلد داير من دار.. وكنت أعمل مع والدي في الأرض، والبستان الخاص بنا كان ملك نعيم قطران من عكا حيث كان له الثلثان ولنا الثلث ) . ويخبرنا الحاج محمد عن والده ابراهيم الذي أخذه الجيش التركي إلى اسطنبول خلال خدمته العسكرية، وعندما ترك الأتراك البلد جعلوهم يرجعون سيرا على الأقدام إلى بلادهم .
ويتعاون معنا الحاج محمد لبناء شجرة عائلته فبدأ من جده قاسم (أبو إبراهيم) وأبنائه الأربعة: إبراهيم، مصطفى، سعد وأسعد، ثم ذكر لنا أسماء الذكور والإناث من أبنائه وأبناء إخوانه.
طلبت منه أن يروي لنا حكاية الخروج من أم الفرج عام 1948 فقال :
(الجيش السوري هو الذي أخرجنا قبل أن يصل إلينا اليهود ، فقد وضعوا في كل بلد كتيبة ( أي فرقة ) مؤلفة من حوالي 8 أشخاص، وبلدنا تبعد عن نهاريا 2 كيلو متر فنحن على الشط.. جاءنا السوريون وطلبوا من أن نخرج إلى الشرق لأننا "لن نستطيع أن نحميكم إن دخل عليكم اليهود" فخرجنا إلى الغابسية ومن ثم إلى ترشيحا ومنها إلى رميش ، وهكذا خرجنا على أمل العودة إلى البلد كما حصل في ثورة عام 36 ) .
استفاض الحاج أبو ابراهيم في الحديث ، وقال : ( منطقة المجاهد وهي من ضواحي ترشيحا كان فيها عملاء للجيش الاسرائيلي ، كانوا يضعون العلامات للإسرائيليين كي يوجهوا إليها مدفعياتهم ومن بعدها خرج الجيش السوري ونصح الناس بالخروج ).
وأخبرني الحاج أنهم غادروا الأراضي الفلسطينية عام 1949 إلى لبنان حيث نزلوا في الرشيدية في صور وبعدها إلى البرج الشمالي، ثم حولوهم إلى عنجر وبعدها إلى نهر البارد في طرابلس حيث تم تسجيل نفوسهم فيها . ومن بعدها وقعت بعض المشاكل في مخيم نهر البارد فانتقلوا إلى البص في صور ، وشاءت الأقدار أن ينتقلوا أخيراً إلى مخيم عين الحلوة .
وخلال فترة الرحيل هذه واجهتهم العديد من المصاعب ، ويكفي أنهم قطعوا هذه المسافات كلها سيرا على الأقدام ، ناهيك عن الجوع والعطش عندما نفذت أموالهم التي أخرجوها معهم .
الحاج محمد يحمد الله ويشكره على أنهم خرجوا من هذه المحنة بسلام دون أن يصاب أحد منهم بأذى ، ويذكر أن ليس كل العائلات تركت فلسطين إذ بقيت عائلة سلام والمختار حسن أصلان الذي تولى المخترة بعد خروج الناس من فلسطين .
طالت الجلسة مع الحاج محمد وكانت جلسة ممتعة قص علينا خلالها عددا من القصص التي لايزال يتذكرها ، وكان فيما ذكر لنا أنه كان للبلد شيخ كتّاب اسمه محمود وقد أتى من ( قبلي ) وكان الصف عبارة عن 20 ولدا فقط ، كما ذكر أن بعض النساء كن يساعدن الرجال في الأرض خلال موسم الحصاد ( الحواش ) حيث أنهن لايقدرن على الأعمال الصعبة كـ (النكش) مثلا .
في الفترة الأولى بعد وصولهم إلى لبنان أقاموا في الخيم في البرج الشمالي لمدة 8 أشهر تقريبا ، ومن ثم أمضوا حوالي 6 أشهر في الخيم في عنجر، وبعدها نقلوا إلى نهر البارد حيث منعوا من البناء في الفترة الأولى في ظل ظروف مناخية قاسية جدا في الشتاء إلى أن سمحوا لهم ببناء ( خشش ) من الطين وأسقفتها من(الزينكو) كما يطلق عليه ، ومن بعد ما بنوا بيوتهم تم نقلهم إلى مخيم البص في صور وأعادوا إعمار بيوتهم مرة أخرى .
هنا انتهت زيارتي للحاج محمد قاسم القط وقد أمتعني بحكاياته الكثيرة التي قدمت لي كثيرا من المعلومات التي كنت بحاجة لمعرفتها ليس من قبيل العمل فقط إنما للدافع الشخصي أيضا ، ففضولي يدفعني للتعرف إلى المزيد والمزيد قصص الوطن الحاضر في قلوبنا طالما حيينا .