في هذه الحلقة من زاوية ذاكرة وطن سنتحدث عن قرية الكويكات المهجّرة. وعَلمتُ من خلال بعض الأصدقاء أن أحد سكّان الكويكات يعيش في قرية أبو سنان ويحمل الكثير من تفاصيل نكبة قريته الكويكات عام 1948، فشددت إليه الرحال.
عندما دخلتُ ساحة بيته في الموعد المُحدّد كان الحاج علي محمد غضبان (أبو أحمد) 84 عامًا في انتظاري، يجلِسُ مع زوجته الحاجّة آمنة مصطفى غضبان (إم أحمد) 83 عامًا، وبابتسامة مُشرِقَة استقبلاني بالترحاب، ثم جلس أبو أحمد على كُرسيه الذي اعتاد الجلوس عليه يوميًا بالقرب من مدخل البيت وعلى الجدار فوق رأسه لوحة كبيرة، علمت أنه قد رسمَها بنفسه، تصوِّر قريته الكويكات بتضاريسها المفصّلة الكاملة، الطُرقات والبيوت المعنونة بأسماء أهلها، الساحة العامة والبيادر وعين الماء....
منعوني اليهود مُجرّد أمُرّْ من لكويكات
شدّني هذا المشهد فقلتُ لأبو أحمد: مين اللي رسم هذه اللوحة؟... أبو أحمد: أنا اللي رسمتها قبل ثلاث سنين... قلت: شو اللي خطر ببالك حتى ترسمها وليش في هذا الوقت ومش من زمان؟... أبو أحمد: كُنّا ساكنين لحدّ الـ67 في المزرعة، حاولتْ أعَمِّرْ بيت هناك وما أعطوني رُخصة عمار، أجيت أنا وأخويْ وإبن عمّي واشترينا أرض بأبو سنان وسكنّا. بعد ما رحلنا لهون، في نفس السِنِة قررت أروح عالمزرعة زيارة، رْكِبت (المتور سيكلْ) اللي كان عِندي، وفُتِتْ من لِكويكات على اعتبار الطريق مُخْتصرَة، أفضل من طريق الكابري الطويلِة، وعند لِكويكات لاقوني يهود ومنعوني أفوت، يومها حَدَّت عندي الدنيا وصُدِمتْ صدمِة كبيرِة، أرضي وبلدي ويِمنعوني بس أفوت منها كعابر سبيل!!!، يعني كانت صِعْبِة كثير عَليّْ. من يومها ما عُدتْ زُرتْ لِكويكات. في أوائل الثمانينات أجوا صحافيين طلبوا مني أرافِقْهِن على لِكويكات، رُحتْ أبحث عن القريِة ما لاقيت إلها آثار، وكانت مْغَطَّيِة بغابِة أشجار.
قبل ثلاث سنين قُلت لَنفسي لازِمْ أرسِم هايْ اللوحة وأنا بْذاكِرتي، عشانْ أحافِظ على صورِة البلد وواقِعها الأصلي قَبِل هَدِمْها، ذِكرى إلي ولولادي ولَولاد ولادي وللأجيال القادِمة.
لِعراسْ كانت لما يكون القمر مِبْدِرْ عشان الناس تشوف بعضها
قلت: ممكن تشرحلي عن البلد من خلال اللوحة؟... مِسِكْ أبو أحمد العُكّازِة وبدأ يقُصّْ لي عن القرية وقال: عدد سكان البلد في الـ48 كانْ بِحدودْ الـ1200 نفر. في بلدنا كان عِدِّة عائلات، هون دار غضبان، هذا بيتنا هون شايْفُه؟... وهون دار بْريق، وفي هايْ الجهة دار يحيى، وهون دار حسن... إسّا بِتفوت من هذا الشارع على عائلة خطيب، ومن هون على دار البيتم، وفي كمان عائلات صغيرِة تابْعَة للعائلات لِكبيرِة. وهون مقام لِقْريشِة (قَبِرْ لأحد الأولياء)، وهايْ هون البيادِر الشرقيِّة وهايْ البيادر الغربيّة، وهناك العينْ، وهذا مَراحْ العينْ اللي الطَرشْ والعَجّالْ (شَلعِة البَقَرْ) كان يِوْرَدْ عليه ويِشْرَبْ. هذا يا سيدي بيت المُختار سليم الغضبان، وهذا بيت المختار خليل لِبراهيم، وهون الجامِعْ والمدرسِة، بعدين هون كانت مَعاصِرْ الزتون، في بلدنا كان خَمِسْ معاصر، كُلّْ معصرَة وإسم صاحِبها، وهايْ الطريقْ اللي كانت تْوَصِّلْ لكفرياسيف، وهايْ الطريق كنا نسافر منها لعكّا، ومن هون الطريق للمزرعة، وهايْ الطريق للشمال باتجاه دنون والغابسيِّة والكابْري، وهايْ الطريق بتِتْقَسَّمْ لفرعينْ واحدِة من قلب البلد من فوق والثانيِة من تِحتْ البلد وبِلتْقوا الطريقين في نقطة واحدِة وبِكَمّْلوا لعمقا. إلأفراح كانت تصير هون عالبيادِرْ، لا كان في كهربا ولا لْكوسِة، كانت الناس تْجيبْ السَرّيسْ والحطب يِولّْعوه عشان الناس تشوف بعضها، أو يِساووا لِعراسْ بِالأشهُر القمريِة لما يكون القمر مِبْدِرْ (بَدِرْ) منيحْ.
حُطّْ حيطك على حيطي بِتوَفِّرْ حيط
قُلت: تفضَل يا بو أحمد نكمِّل حديثنا في البيت، وتفضّلي يا إم أحمد شارْكينا... إم أحمد: لا لا لا لا أنا ما بَتْصَوَّر فوت إحكي مع أبو أحمد... في البداية لم أحاول الإلحاح على إم أحمد ودخلنا على غرفِة مُعدِّة كغرفِة إنتظار للمرضى لنجل أبو أحمد الدكتور محمد غضبان (طبيب أسنان) وفي رُكنها مُجَسّمْ لقرية الكويكات صمّمه حفيد أبو أحمد وجلسنا بالقرب منه.... قلت: إحكيلي عن أهل بلدك وحياة القرية بهذاك الوقت... أبو أحمد: أهل لِكويكات كانو يِحبّوا بعضهن البعض بشكل غريب، مشْ زيّْ اليوم. طوشات بين عائلات البلد كانت تصير، بس ولا مرّة نْقتلْ قتيلْ عِنّا، كانت الصُلحة تصير بنفس اليوم، حتى بوقت الزعل بين اثنين، لما تْطُبّْ الحرامِيِّة تُسرُق الطَرشْ وِتْقوم دَبِّة الصوت، تلاقيهِن بِنسوا الزعل وبِفْزَعوا لَبعض عالحرامِيِّة. لما كان يصير وفاة ويِنادي الناطور، ما حدى من البلد يِطْلَعْ على الشُغُلْ. كان اللي بدُّه يْعَمِّرْ بيت ييجي جارُه يْقُلُّه: حُطّْ حيطك على حيطي بِتوَفِّرْ حيط، مش زيّ اليوم الناس ما بِتْطيق بعض، لازم تِبعِد ثلاث أمتار بين البيت والبيت.
كُلْ نَفَرْ وكيلُه
قلت: يعني إحترامات وقيم كانت بين الناس؟.... أبو أحمد: كانت الناس عايشِة عالبساطة وتحترِم بعضها، تلآقي قُنْبازْ الختيار أو الساكو (الجاكيت) مرقوع، وما حدى بِنتقد ومِشْ عيبْ. كُندَرِة لختيار تلاقيها نُصْ نَعِلْ، كَعابِيات، مَيّالِة، تَشْريبِة، لوزِة، كانوا يُقُطبوها ويِرْقَعوها. لما الواحد بَدُّه يروح مشوار خارج البلد كان يِستَعيرْ كندرة من قرابْتُه، أو من صاحْبُة بدون مُقدِّمات.
كل العالم كانت سْوِيِّة. إلفلاح متى ما حطّْ مونتُه على السِدِّة ولا يعود يِهمُّه إشي. إلبُرْغُلْ أكثر إشي كانت تِتْرَكّى عليه الناسْ، لما يِسُلْقوا القمح قبل الجَرْشْ يِقولوا: كُلْ نَفَرْ وكيلُه، كانت الناس تعمل أكثر الأكلات مِن: لِمْجَدَّرَة، لِمْفَلْفَلِة، سْميدِة وبندورة، سْميدِة وشعيريِّة، سْميدِة غَليظَة مع بصل وفلفل، كُبِّة، كُبِّة حيلِة، وغيرُه وغيرُه.
ركّبوني على فرس وجابوني عند العريس وِجهي مْغَطّى ولابْسِة عَبايْ
في هايْ اللحظة انضمّت الزوجة آمنة مصطفى غضبان (شحادة) إم إحمد (84 عامًا) عالديوان وقلت لأبو أحمد بطريق المزاح: طيب وإم أحمد ما غَلَّبَتك بِحياتها؟.... جاوب أبو أحمد بملئ الفم وباعتزاز: يا ريت كل واحد في العالم يحالفُه الحظ ويتجوَّز زوجة مثل إم إحمد، هذا الكلام ما بحكيه بس قُدّامها، بل قدام كل الناس، لأنه اللي صايرلي من إم أحمد ما صار لحدى، بَقُلّها دايْمًا: إنشا الله بموت قبلِك.... قلت سَهرِتْ عُرْسِكْ كانت حلوِة يا إم إحمد؟... إم إحمد: بَقاشْ عَوّيدِة بهذاك الوقت، كان واحد يِشَبِّبْ عالشُبّابِة وبس هو يقدر يفوت عند العروس والنسوان... قلت: قدّيش كان عُمرِكْ لمّا تْجَوَّزتي؟.... ضحكت إم إحمد وقالت: كُنت ألعب بالحارة، كان عمري بيجي 12 سنِة، إحنا تْجوّزنا بَدَلْ، أخويْ تْجوَّز أخت أبو إحمد، كنت صغيرِة، عَقَدوا عقدي على عُمُرْ أختي فاطمة.... أبو إحمد: لا لا لا يا حجِّة متقوليش هيك. بوقتها طلّع القاضي من عكا عند المختار، لما أجت تمضي، قلُّه: يا مُختارْ إصبعها صغير كيف بدها تمضي!! وين الغذاء؟...قال المختار: فش مشكلة عشان هذول بدهن يتجوزوا بَدَلْ مَشَّي الأمور وبعدين الغذاء حمام وفراريج.... قلت: كنتي تساعدي إمك بشغل البيت؟... إم أحمد: ولا إشي، بقيت آخذ أخوي الصغير وأروح أنطُر التينات... ويوم العرس يجيبوا العريس على فرس عند العين وبتذكّر ركّبوني على فرس وجابوني عند العريس كان أبويْ ماسك إيدي ووجهي مْغَطّى ولابْسِة عَباة وأخويْ جارِرْ الفرسْ والنسوان ورايْ تْزقف وتغنّي.
علوّاه أنصب شادر تحت زتونة بِكويكات أقعُد جُمعَة وأموت
قلت: حابِّة ترجعي على كويكات؟...إم إحمد: علوّاه أنصب شادر تحت زتونة وأرجع، نُقعُد جُمعَة ونموت ويدفنونا هناك بين قرايبنا وأهل بلدنا... قلت: هاي أحفادك قاعدين حواليكي إسا، بسّْ بُكرا بنسوا لِكويكات؟.... إم إحمد: لا بنسوهاش، هياها فوق روسهِن... التفتت إم إحمد على الأحفاد وقالت: بتِنسوا لِكويكات يا ستّيييي؟... جاوب أحد الأحفاد: لا ما مننساها... إم إحمد: حتى إن تجوزت يا ستي وإجاك ولاد وصّي وَلدَك وولد وَلدَك ما ينسوا لِكويكات، عنّا أرض وتين وزتون، وحدّْ بيتنا في أرض بِعمّْروا كل لِولاد عليها، بيتنا بأول البلد مْبيِّن قبل مقام لِقريشِة. وكان أطيب من ميّة العين ما في مَيّْ، بَسّْ نَشَفوها الله ينشِّف قلبهِن اليهود.
إمي تقول لَخواتي: كيف لو آمنِة إسا عصفور وتهدّي وِتْنُقّْ معانا !!
قلت: بتُذكري كيف طْلِعتوا من كويكات؟.... إم أحمد: لما طْلِعت من كويكات كان عندي طفلة صغيرة، عند الباب من الخوف فكّرت حالي حاملِة البنت، والا أنا حاملِة الغسيلات. قللي أبو إحمد على باب دارنا من شرقَة: وِلِكْ جِبتي البِنتْ؟..قُلتِلُّه لأ بعدها بالسرير، قام حمل البنت ومشينا للشرق ولِقواسْ ورانا والصراخ قايم، والله لو ضَلّينا وقتلوا منا ميت واحد أحسن من الهزيمِة.... قلت: شو صار مع أهلك؟... إم إحمد: ما ضلّ حدى منهن، أغلبهن ماتوا بالغُربِة، إمّي وأبوي وإخوتي وخواتي كلهن طِلعوا على لبنان وبقيت هون لحالي. خَواتي الثنتين عيشة وفاطمة وثلاث إخوة ماتوا بلبنان، بِقي إلي أخو واحد عايِشْ. هايْ إمّي قالت لأبويْ ليلة النكبة: إذا بِتحِبْني وبتريدني يا مُصطفى قَلِّطني بعدِيّْ بيروت وفعلاً أبويْ وصل برج البراجنة وسكن هناك.... قلت: وما شُفتيهن ولا مرّة؟.... إم إحمد: لما فَتتْحَتْ لِحدود في الـ82، رُحتْ على برج البراجنة بدون عِلِمهن، كان أبويْ صار مِتوفّي، قبل ما أصل بشوَيّْ إمّي كانت توكل (كَفْتا) وتِبكي وتقول لَخواتي: كيف لو آمنِة إسا عصفور وتهدّي وِتْنُقّْ معانا؟.... غَصَّت إم إحمد بالبكوِة وقالت بكلمات مُتقطّعة: قَلَطنا من جنب دار البيتم في برج البراجنة، كمان هذول من بلدنا، نَهَرتْ عالبنت وقُلتِلّها: بتِعِرْفيشْ يا حبيبتي بيت أبو قاسم مصطفى الشحادِة؟.. جاوبتني البنت بلهفِة: نعم بعرفُه ومِشيتْ قُدّامْنا وِوْصِلت أول الدَرَجْ، نادت البنت على أختي: هييييي يا إم رسمي، هايْ أُختِك أجت من فلسطين.. وشوف الغناني والزغاريت والبكا، قعدت جُمعة هناك وروَّحتْ، إمّي ما خَلّتني أنام عند حدا من إخوتي وخَواتي كنت أنام بحُضنها ومْقَرِبْطَة فيي كل الوقت، ومن يومها ما شُفتهِن. بس أخويْ شفتُه بسنة 2000 عالجسر.
وطْلِعت عالسويد والتقيت مع أخويْ، لما نزِلنا من الطيارة وشُفنا بعض، هات قوِّة الدنيا تقدر تفلِّتنا من بعضنا، هو يبكي وأنا أبكي والكُلّْ يبكي. هذا الأخو الوحيد اللي بقي من بين إخوتي.
حديقة مدرستنا أخذت الإمتيازْ زمن الإنجليز كأجمل حديقة في الجليل
قلت: كان في مدرسِة في كويكات عَزمانْ الإنجليزْ؟... أبو أحمد: كان ببلدنا مدرسِة إبتدائية لحدّْ الصفّ الرابع ويِعلِّمنا الاستاذ نجيب الخضرَة من صفد، بعدين ننتقل نتعلّم من الصف الخامس للسابع في كفرياسيف، وبعدها للمدرسة الثانوية في عكا. أشار أبو أحمد بعُكّازه لِمُجسَّمْ قرية لكويكات وتابع: هون كانت المدرسة، وبَذكُر لمّا خلّص الاستاذ نجيب بعثولنا معلِّمْ جديد من عكا من أصل تركي، حول المدرسِة هون كانت حديقة مُهْمَلِة كُلّْها أشواك، تقع على أربع دونمات، قام هذا لِمعلِّمْ كتب مكتوب للمسؤولين، وطَلَبْ مساعدِة، واشترى سْياجْ للمدرسة ورصف طريق لَلمَدخَلْ مع بُوّابِة وزرع من الجهتين ورود. وقُدّام المدرسِة رصف ساحة عَشان الطلاب يِصُفّوا فيها قبل ما يْفوتوا على الصفوف، المنطقة الشمالية زرعها فواكه وباقي الأرض كان يزرع فيها بصل وثومِة وخُضراوات وفي طرف الحديقة عِمِلْ مَنْحَلِة، وشويْ شْويْ أخذت الحديقة الامتيازْ كأجمل وأنجح حديقة مدرسة في الجليل.
البنات ما كانو يِروحوا عالمدرسِة
وتابع أبو أحمد: مرّة أجا الاستاذ قرّر يعمل مشروع في البلد، دعا لَعِنْدُه الأهالي اللي عندهن ولاد بَدّْهِنْ يِفوتوا عالمدرسِة في السنة القادمِة، راحْ أبويْ عِندْ اللأُستاذ وقال: أنا عِندي ولد بدُّه يُدخُلْ المدرسة السِنِة الجايْ... قلُّه الاستاذ: مشْ كل ولد بفوت عالمدرسِة بِدفع عشر قروش؟، أنا بَدّي مِنَّكْ إسّا دْخوليِّة وبَعْطيكْ إيصال منّي، لأني بَدّي أعمل مشروع حيوي للمدرسِة، بَدّي أبْحَشْ بيرْ جنب المدرسِة أجمع فيه مية الشتا، يِشْربوا مِنُّه الطلاب ونِسقي الزَرّيعَة. بعدين طلب لِمعلِّم من الطلاب يِجيبوا فُطْرِة رَمضان للمدرسِة. فِعلاً بَحَشْ بير وحَطّْ براميلْ على سطح المدرسِة مع طْرُمْبِة مَيّْ يَدويِّة، يِسْحَبْ المَيّْ عالبراميل ومِنها يِسقي الزرّيعَة بالخرطوم. هذا المشروع كان غريب ومش موجود مِثلُه بهذاك الوقت.... قلت: يعني لولاد والبنات كانوا يِتعلّموا القراءة والكتابِة؟.... أبو أحمد: لَحدّْ ما طْلِعنا من البلد بالـ48، البنات ما كانوا يِروحوا عالمدرسِة، ما كانت الفِكرَة إنُّه البنت لازم تتعلّم مُتّبعَة عند الناسْ ولا حتى بِنتْ وحَدِه.
مَعاشْ الشيخْ والناطورْ ولِمْخَظِّرْ وِمْعلِّم المدرسِة والحلاّق وساقي الحَنّانِة كلّ السنِة تنكِة زيت أو صاعين قمح
قلت: كيف كانت علاقة أهل لكويكات بجيرانكو في عمقا؟... أبو أحمد: علاقتنا مع بعض كانت منيحة كثير، إذا أهل عمقا بدهِن يِطلعوا من البلد على عكا عالمزرعة عالسميرية أو أيّ مكان، كان لازم يِمُرّوا من قلب لِكويكات، كانو النسوان الّلبانات يِحملوا اللبن على روسْهِن ويُمُرقوا من بلدنا في طريقهِن لعكا، حتى كانو ييجوا يملّوا المَيّْ من عين البلد. العين كانت تِشْتغِلْ على حَنّانِة (أساطِل على عجل كبير وتُبرُم الدابِّة) ويِنِشْلوا الميّْ. كان شخص من البلد يِشْتْغِلْ على الحنّانِة، مِنُّه الفرس، ويْدير المَيّْ على الحاووزْ للشُربْ، وكان يدير كمان الميّ على الرانات، وييجي طَرشْ البلد كُلُّه وعَجّالْ البقر يرَدْ على العين ويِشرب من الراناتْ... كيف كان يوخُذ هذا الساقي على العينْ أُجرْتُه؟.... أبو أحمد: وقت موسم الزيت، كان أهل البلد في المعاصر يِدْفَعوا مَعاشْ الشيخْ والناطورْ ولِمْخَظِّرْ وِمْعلِّم المدرسِة والحلاّق واللي بِشْغتِلْ على الحَنّانِة كانو يوخذوا معاشْهِنْ عالمواسِمْ، في موسم الزتون يُقُبضوا تنكِة زيت مثلاَ أو زَتون وفي موسم الحصيدِة صاع أو ثنين قمح وِحبوب، كانت لِمعاملات بالمونِة مِشْ بالمصاري، المصاري كانت قليلِة. بَتذكَّرْ كنت بدّي أشتري مْلَبَّسْ أو كَعْكَبانْ من الدُكّانِة تْقُللي إمي: خُذْلَكْ هالبيضة وروحْ إشتري.
أهل عمقا أكّالين الضباع
وتابع أبو أحمد: بآخر المُدِّة كان في أشغالْ عند الانتداب البريطاني، بالرفينري وبالمطار بحيفا، تْحسّنت الأوضاع وصار في شويِّة مصاري مع الناسْ.... قلت: إلاّ كان في قصص طريفِة بين أهل عمقا وأهل لِكويكات لا بُدّْ، هيك كانت الحالِة بين أي بلدين جارْتين؟... ضحك أبو أحمد على إلحاحي وقال: يعني كان في شوية شغلات، مثلاً: كانوا يِقولوا عن أهل عمقا إنهِنْ بوكْلوا الضباع، لما يِزعل الكوكاني من العمقاوي يقُلُّه: إنتو أكّالين الضباع. كانوا أهل عمقا وأهل الدامون بعلاقة طيبِة ويِضَلّوا سوى وإذا حدى بِعتدي على واحد من عمقا، يِفْزَعولُه أهل لِكويكات عالموت. مرّة تقاتلوا أهل عمقا وأهل الدامون وهنّ يِشْتِغلوا في المطار بحيفا. وقت تسليم النُمَرْ بآخر النهار أجوا الدوامنِة كَرّوا أهل عمقا، أجا واحد من عمقا صار يْدِبّْ الصوت: وين راحوا خوالي الكواكْنِة، أجو أهل لِكويكات كَرّوا الدوامنِة ومنعوهن يعتدوا على جيرانهن.
ثاني يوم، كانوا عمال البروة والدامون والشاغور ييجوا بالسيارات على المطار، وأهل لِكويكات وعمقا يِروحوا مَشي أو عالدواب عالشُغُل، أجو أهل الشاغور مع الدوامنِة، حاملين عُصي لكريكات وبدهِن يِعتدوا على العماقْنِة، وَقّفولْهِن الكواكْنِة وقالوا: وينكو يا أهل الشاغور، ما تْفَكّْروا إنكو علقانين مع أهل عمقا، إعملوا حْسابْكوا إنُّه عَلقِتكو مع الكواكنِة، أحسن إلكو كل واحد مْشَلِّحْ (الكَزْما) يعني لِكريكْ أو الطورِيِّة يِرَجِّعها وضُبّوا حالكو وارجَعوا، وفعلاً منعوا حدى يعتدي على العماقنِة.
الكويكات محطّة للتجار قبل سوق الخميس في كفرياسيف
قلت: لِكويكات كانت قريبِة من كفرياسيف وسوقها المعروف، هل كان لبلدكو علاقة بالتجارة؟... أبو أحمد: قسم من البلد كان يشتغل عند الإنجليز وقسم بالفلاحة وقسم بِتجارِة المواشي. سوق كفرياسيف قديم كانوا يسمّوه (سوق الخميس). إلسوق الحقيقي قبل الخميس بيوم كان في لِكويكات. كانو التجّار اللي ييجوا من بلاد بعيدِة من الخالصة ومن لبنان يِلفوا أولاً على لِكويكات كمحطّة أولى قبل كفرياسيف، البيادر تلاقيها ملانِة طَرشْ، ويوم الخميس الصُبح بكّير يِروحوا على سوق الخميس.
حتى لما الواحد كان يمرض ينزل عند الدكتور خازن في عكا وإذا يصير عندُه مرض بالعيون يروح يتحكّم عند النارْسات في دار السِتّاتْ في كفرياسيف.
قضيتنا قبل ما ييجوا اليهود مْخطّط إلها من الإنجليز والزعامِة العربية الرجعية ومبيوعة
قلت: ظلّت حياة لكويكات طبيعية بهذا الشكل حتى حلّت النكبة، شو اللي صار؟... أبو أحمد: بِديت التحرُّكات من ثورة الـ36 ضد الإنجليز، وفي بداية الـ47 كانو الإنجليز يساعدوا اليهود، صاروا اليهود يفوتوا على القرى ويِرِهبوا بالناس بالمذابح، حتى يحتلوا لِبلاد بدون حرب. كان في فوضى، ما كان في تنسيق بين قرية وقرية، والبواريد اللي كانت مع الناس من مُخلّفات الجيش البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية، هاي بارودِة إنجليزية وهاي بارودة ألمانية وهاي بارودة فرنسوية وهاي بارودة إف إم، وهايْ بارودة عُصمَلِّة، والأغنياء اللي معهن شوية مصاري تركوا لبلاد، واللي عِندُه خَلقِة بارودِة ما مَعُه ذخيرة كِفايْ. عِنّا كان رباح العوض من الغابسيِّة قائد للثوار بالمنطقة الشمالية في ثورة الـ36، في أول أحداث النكبِة سنة 1948 أجتُه فكرة يبني جيش للدفاع عن فلسطين من القُرى، وصار يِدوِّرْ على اللي شاركو في ثورة الـ36، أو اشتغلوا في البوليس الإنجليزي وِمدرَّبين على حمل السلاح، أو اللي كانو يشتغلوا بالحراسة في المطارات وسكك الحديد. راح للملك عبد الله في الأردن وقلُّه الفكرة وطلب إمداد بالسلاح والذخيرِة لبناء الجيش من الداخل والدفاع عن الوطن... جاوبُه الملك عبد الله: روحْ رَوِّحْ على بيتكو وما تتدخَّل بهاي الأمور وهايْ مسؤوليِّتنا إحنا.
رَوَّحْ رباح العوض وقال: يا عَمّي، القضيِّة مَبيوعَة، راحت فلسطين... قالولُه: إنت خاين وشو هذا اللي بْتِحكيه!!، وفعلاً هاذا اللي صارْ بعدين، لأنُّ قضيتنا قبل ما ييجوا اليهود مْخطّط إلها من الإنجليز والزعامِة العربية الرجعية ومبيوعة. لأجل هيك حَطّوا الملك عبد الله قائد الجيوش العربية، وعبد الله عيَّن غلوبّْ باشا قائد للجيش الأردني. هذا غلوبّْ باشا كان زيّ البدو، بِحكي عربي منيح لدرجة بِتْفكّْرُه عربي، كانت أسرار الجيوش العربية والخُطط العسكرية كُلّها عِندُه.
الملك عبد الله: ليس بعد الآن كلام، غدأ يتكلّم المدفع
قلت: طيب إحكيلي كيف سقطت لكويكات.... أبو أحمد: كان في هُدنِة بين اليهود والجيوش العربية، الصحافة سألوا الملك عبد الله قبل الهدنِة بيوم: يا جلالِة الملك شو رايك، شو بصير بعد خلاص الهدنة بُكرة؟... قال: ليس بعد الآن كلام، غدأ يتكلّم المدفع وإذا هُدمت داري سوف أسكن في بيت من الشَعر ولي عادات أن أسكن في بيت من الشعر.... خلصت الهُدنِة، لا مدفع تْكلَّم ولا بارودِة تْكلّمت، مؤامرة انطبخت وقضيتنا انباعت قبل حرب الـ48. جيش الإنقاذ اللي كان في الجليل في ترشيحا والليّات قرب مجد الكروم كان سلاحُه منيح ومش بَطّالْ، كان بإمكانُه يحتل الجليل بكلّ رياحَة. بس قائد جيش الإنقاذ في الجليل فوزي القوُقجي كان يوخُذ الأوامر من الملك عبد الله. ولأنُه فوزي القوقجي نفّذ الأوامر قام عبد الله أعطاه تَرقيِة لفوزي بيك وبعدها لفوزي باشا بَسّْ لأنُّه كان مؤتمِرْ بِأوامر الملك. هذا القوقجي كان هو وجيشُه قاعدين يِتْمَضيفوا في القرى عالطبايِخ. كان كمان يهود بجيش الإنقاذ، أنا بعرف واحد يهودي قللي رُحت ما أنقتل بِسعسع لما طَوّقوا اليهود جيش الإنقاذ بالشمال، هرب جيش الإنقاذ وهو عِلِقْ بِسعسع، مِسكوه، قلهِن: أنا يهودي.. قالولُه: إنتي عربي وبتحكي عِبري، قام فرجاهِن الباسبورت وتركوه. أنا عْرِفتْ هاي القصة.. لما كنت أشتغل بمعمل الثلج عزمان دار (بِدونْ) قرب البهجِة في زمن الإنجليز وأجت إسرائيل واشترت شركة يهودية المصنع، يوم، أجا واحد يهودي لابِسْ بنطلون بْرِتْشِزْ منفوخ، قال إنُّه كنت بجيش الإنقاذ وحكالي قِصتُه بِسعسع.
المصدر: صحيفة الحقيقة