أبو عماد عثمان، أخذنا معه إلى قريته سحماتا... ورحل
تعود ذكرياتنا مع الحاج أبو عماد رحمه الله، الى بدايات العام 2006. كنت حينها أبحث عن مقتنيات موثقة حملها أهل فلسطين معهم خلال نكبة عام 48، ذلك لتبقى شاهداً على حضارة وثقافة وتاريخ وجغرافية فلسطين...، وقادني ابن المرحوم أخي بشير (أبو عمر) الى والده الذي أخبرني بأنه لا يزال يحتفظ بقطعة موسيقية حملها معه من فلسطين خلال رحلة اللجوء الى لبنان. طرقت باب الرجل الذي شارف على السبعين حينها وهو يعلم مقصدي، وقال بلهجة الواثق: تعال معي، لاتبعه الى سطح المنزل حيث صندوق يضعه بين صناديق أخرى، هي دقائق قليلة ويخرج قطعة قديمة من القماش ملفوفة على شيء ما، لحظات ودموع الرجل تنهمر، ليضع أمامي "ناي" هو الشيء الوحيد المتبقي من ذكرى أخيه احمد، أعطانيه وهو يعلم بأنه قد حان وقت إطلاق أجنحته ليزقزق كطيور السنونو فوق البراري، ولتشكل واحدة من العلامات الفارقة على عدم نسيان فلسطين وتراث فلسطين وعادات وتقاليد فلسطين وهوية البلد المقدس.
الحاج أبو عماد، هو سعيد اسعد سعيد عثمان مواليد العام 1937 في سحماتا قضاء عكا في فلسطين، كان يأمل الفقيد بأن يدفن في مقبرة سحماتا، لكن وافته المنية صبيحة يوم السبت 18/2/2012 في مخيم الرشيدية للاجئين. احتفظ الحاج أبو عماد بالنّاي الذي كان يملكه أخيه احمد، وعلى الرغم من صغر سن الأخ في ذلك الوقت، إلا أنه كان مقصداً للمناسبات السعيدة من الأفراح وسواها لمهارته في الدبكة والعزف على الآلة، ليلبي ليس فقط دعوات أهل القرية إنما أيضا دعوات لإحياء مناسبات القرى المجاورة، من دير القاسي وترشيحا المجاورتين وحتى القرى البعيدة مثل البعنة ودير الأسد ومجد الكروم، ويفخر أبو عماد بأن الناي من صنع فلسطين وتحديداً في ترشيحا. توفي احمد في فلسطين في العام 1943 إثر دهسه من قبل شاحنة تابعة للجيش الإنكليزي المحتل كانت تمر على طريق عكا الرئيسي وكان عمره حينها 18 سنة كما أخبرني الحاج ابو عماد، وتركته الشاحنة مرميَّاً على قارعة الطريق ومضت لولا أن رآه بعض الناس من أهالي القرية..
وبالمناسبة لم يكتف الحاج أبو عماد بتقديم (ناي أخيه)، لكن كذلك سبع صور فوتوغرافية تظهره وزوجته الحاجة أم عماد تعود الى العام 1992 عندما حصلا على ترخيص من الصليب الأحمر الدولي لزيارة أقاربهم في فلسطين، حيث زارا قريتهما المدمره سحماتا، وقد حدثني الحاج ابو عماد عن ذكريات كثيرة مستشهدا بالصور التي حملها معه، فطفولته محفورة هناك، في ذلك التل وفي تلك الساحة وقرب تلك الشجرة وبجانب تلك المدرسة: "وهنا وقعت وهنا لعبت وهنا سبحت ومن تلك الماء شربت..".
تمنى الزيارة الا تنتهي، تجوَّل في القرية المدمرة هنا وهناك وهنالك ثم يعود الى هنا وهناك وهنالك من جديد، الى بركة القرية والسير على العشب الغض الطري ويعد خطواته في طرقاتها وبين نباتاتها وما تبقى من أشجارها لينتقل ويتفقد منزل الشيخ مصطفى وبعدها الى منطقة "ظهر الباط" في القرية...، عاد مجبرا ومكرها الى مخيم اللجوء من جديد، لكن ليس قبل زيارة مقبرة سحماتا ليقرأ الفاتحة عن روح والديه والشيخ مصطفى وأهالي القرية واخيه احمد صاحب النّاي.
علي هويدي
21/2/2012
عن موقع منظمة ثابت لحق العودة