شاعر المجاهدين
هو الشيخ محمد بن راغب بن عبد الغني الجشي ولد في فلسطين- قرية كويكات عام 1911، وتتلمذ على يد والده الشيخ راغب حيث كان خطيبا ومعلما وكذلك جده الشيخ عبدالغني، درس في مدرسة كويكات حتى الرابع الابتدائي وانتقل بعد ذلك الى عكا وتابع دراسته هناك، ثم عمل مدرسا في كويكات وقرى أخرى منها كفر ياسيف وعمقا وعين غزال قبل النكبة، تزوج من آمنه محمود سليمان من بيت حسن من كويكات وأنجبت له صبيان وثلاث بنات، كان يعرف عنه نزاهته وحبه الشديد لمهنة التعليم، وشدته في التعليم وحث الأهل على ارسال اولادهم للمدارس ليتلقوا العلم.
والى جانب التعليم كان مزارعا ويهتم بكرومه من الزيتون حيث وصل عدد الكروم التي كان يملكها الى سبعة كروم، وعندما ينتهي دوام المدرسة كان يتوجه الى الكروم فيقوم برعايتها واشتهر عنه بتطعيم الزيتون والتين والحمضيات فتجد الشجرة الواحدة تحمل عدة أنواع من نفس الثمرة حيث كان يقوم بتطعيمها، وكان أيضا طبيبا شعبيا يداوي بالأعشاب والرقية والحجامة وقد ورث ذلك عن والده وأجداده من خلال كتب كانت تتوارثها الأجيال المتلاحقة من عائلة الجشي.
كذلك كان الحاج ينظم الشعر واختص بالشعر الثوري والجهادي حتى لقب بشاعر المجاهدين وكان لم يتجاوز الثلاثين من عمره بعد، وقد سجن في عكا لدى الانكليز مرة حيث عثر عنده على بندقية مخبأة في داره، توفي والده الشيخ راغب قبل النكبة بسنوات في احدى قرى ما يعرف بالأردن حاليا، حيث كان مدرسا هناك ودفن في نفس القرية، عندما قامت العصابات الصهيونية بمهاجمة بلدة كويكات عام 1948 وطرد أهل القرية منها لجأ الشيخ محمد راغب مع أولاده، وكذلك أخيه أحمد وأولاده، وأخته فهيمه وأولادها، وأبناء عمومتهم كلهم لجئوا الى لبنان، ثم توجه مباشرة هو وأخيه وأخته وعائلاتهم الى سوريا حيث أبناء عمومته كانوا يقيمون في منطقة سهل حوران في قرية تسمى كفر شمس وأقام عندهم فترة من الزمن استطاع فيها أن يحصل على وظيفة في دائرة المعارف السورية آنذاك كمدرسا ثم ترقى الى مديرا لمدرسة القرية ذاتها التي كانت تفتقر للمعلمين في ذلك الوقت، واستطاع أن يشتري دارا له في نفس القرية التي أقام فيها مع عائلته حتى العام 1965 حيث أنهيت خدماته في التدريس وكان قد فقد سمعه بالكامل تقريبا.
بعدها انتقل الى دمشق واشترى بيتا في منطقة الطبالة القريبة من مخيم جرمانا للاجئين الفلسطينيين، حيث كان يقيم أولاده وبناته المتزوجين من أقارب لهم مع عائلاتهم هناك، وكذلك بعض من أبناء عمومته من قرية سحماتا أيضا، وفتح فيها دكانا ((بقالية)) لبيع المواد الغذائية وبقي فيها حتى وفاته في الخامس من يناير عام 1983 ودفن في مقبرة مخيم جرمانا.. عن عمر يناهز 72 عاما. .
سأتحدث عن جانب من حياته ألا وهو الشعر حيث نظم الشعر الثوري ولم تمر مناسبة ولا ثورة الا وأنشد فيها شعرا ولو جمعت قصائدة لكانت ديوانا كاملا من الشعر الا أنه لم يكن ينشرها في ذلك الوقت ولم تكن هناك وسائل اتصالات كما هو حاليا ومن قصائده الشعرية التي استطعت أن أحصل على بعض منها، اخترت هنا لكم بعض الأبيات من قصيدة مطولة بعنوان وثبة السلاح يقول فيها:
بـلـوغُ المـجـد يسبـقـه النـضـالُ***وقـبـل النـصـرِ حـــربٌ واقـتـتـالُ
فــــلا ورق ولا قــلــم سـيـبـنــي***لنـا مجـداً كمـا تبـنـي الصـقـالُ
ويقول أيضا في نفس القصيدة:
لـعـمــري إنَّــمـــا الـتـفـريــقُ داءٌ***عُــضــالٌ ســمُّــه قِــيــلٌ وقـــــالُ
رماحُ القومِ إنْ جُمعت جميعـاً***فكـسـر رماحـهـم أمـــرٌ مُـحــالُ
كــذا التَّفـريـق يجعلـهـم عَـبـيـدا***فـتُـرهـقـهــم غُــــــزاة واحـــتــــلالُ
فأشْـجـار الـكـرومِ تـسـدُّ ريـحــاً***وإنْ فُـصـلـتْ تُقّلـمـهـا الـثّـمــالُ
وأسـراب السنونـو تـصـد صـقـرا***فيُقتـل مـن بــدا مـنـه انفـصـالُ
ويقول أيضاً:
فيـا لهفـي علـى وطــنٍ عـزيـز***أضـاعـتـهُ الخِـيـانـةُ والـضَّــلالُ
ويـا حُزنـي علـى شعـبٍ كـريـمٍ***تــدوسُ عـلـى كرامـتـه الـنِّـعـالُ
سنثـأر كُلّـمـا سنـحـت ظــروفٌ***وتُـروى مـن دم الهـودِ الـرّمـالُ
وسُـوف نُعـيـد مَوطنـنـا ونبـنـي***لـنـا مَـجـدا يـقــامُ لـــه احـتـفـالُ
وفي قصيدة أخرى بعنوان قد حان يوم الثأر أخترت لكم هذه الأبيات:
يـــا أيُّـهــا الـعــرب الـكــرام الـــى مـتــى**قـــد حـــان يـــوم الــثــأر ثــــم الـنـجــدة
هَذي فلسطين السَّليبة صوتها يدوي**وهناك فـــــــــي القدس حــــانـــــت وقـــــفـــــة
فهـنـالـك الــحــرم الـشـريــف صــراخــه**رعــــــد قـــــــوي أطـلــقــتــه الــصــرخـــة
وقـيــامــةُ الــعـــذرا يُـجـلـجــل صـوتــهــا**غــوثـــاً وانـطـلـقــت هــنـــاك صــيــحــة
فإلـى الأمـام إلـى البـراق إلـى الوغـى**فإلـى الجـهـاد قــد دعتـكـم (الصَّـخْـرة)
وفي قصيدة بعنوان المجاهد أخترت لكم منها:
لــيــث الإســــلام والـجـهــاد مـجـاهــدا***بـــطـــلٌ صــنــاديــد الـــعُــــداة لـــطــــارد
فــــي كـــــل مـعــركــة وحـــــرب قــائـــد***والخـصـم بـيـن يـديــه خـوفــا سـاجــد
كم خضّب البيض اللوامع بالدمـا***فــي يــوم حـــرب فـــر مـنـهـا الـمــارد
وكان لتربيته الدينيه أيضا أثرا في قصائده فكتب العديد من القصائد الدينية والروحانية أخترت لكم منها:
اللهُ خَــالــقُ هــــذهِ الـدُّنـيــا قَــــويٌ قــاهــرْ
اللهُ مـوجــودٌ وفـــي كـــلِّ الأمــاكــن حــاضِــرْ
اللهُ مُــطّــلـــعٌ رَقـــيــــبٌ لا تَــقــيـــهِ سَــتـــائـــرْ
اللهُ نُـورُ الكَـونِ فـي الأَكـوانِ دومــاً ظـاهـرْ
اللهُ يفـعـل مـــا يـريــدُ فـــلا شَـريــك يُـشــاوِرْ
هَذي السَّماءُ والأرضُ يملكها الإله القادرْ
لله شــأنٌ لا يـشــكُّ بـــه الضـمـيـرُ الـطـاهـرْ
وفي قصيدة أخرى يقول:
كــل امــرئ مهـمـا يـكـابـد مـيــت***لــــم يــبــق الا الــواحــد الــديـــان
كــم لــم رمــل سـيــدا أو خـادمــا***فـكـلاهـمـا فــــي قــعـــره ســيـــان
القـبـر ينـحـب كلـمـا دفـنــت بـــه***جـثـث فـيـصـرخ أيّـهــا الإنـســان
فـكّـر بـهــذا الـقـبـر واعـلــم أنَّـــه***سـكــنٌ تزاحـمـكـم بــــه الــديــدان
وأيضا يقول في احدى قصائده عن الغيبة والنميمة:
اجتنب يا صاحبي كثر الكـلام***واتبـع صمتـا مـن عـز الانــام
كم قتيل فـي الثـرى مـن قولـه***وسـجـيـن زجـــه كـثــر الـكــلام
كـم سكـوت كـان فـي اعقـابـه***للفتـى بعـد الغنـى نـيـل الـمـرام
لا تــكـــن ثـرثــارة فــي مـجــلــس***كثـرة الأقــوال تــودي للخـصـام
وأيضا يقول في قصيدة أخرى:
يــا أيـُّهــا الإنـســان إنّـــك كـــادح ومُـسـافـر
حسّن سُلوكك ما استطعت فان ربك ناظر
فكـّر بربـك صاغـرا فالكـون خَـوفـا صـاغـر
كُــنْ مؤمـنـا بالله معتصـمـا فبـئـس الكـافـر
كُنْ صابرا كن شاكرا نعم الصبـور الشاكـر
كُــنْ صالـحـا عـبـدا تقـيـا لا يـضـرك غــادر
كُنْ مخلصا للخيـر فعـالاً فـان أجـرك وافـر
الخَـيـر ثـــم الـشّــر مـكـتـوب وربّـــك غـافــر
وأيضا يقول في قصيدة مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
بـــــــــدر تـــــــــلألأ نـــــــــوره وأضــــــــــاء*** فـمـحـمــد خــيـــر الـــــورى قـــــد جـــــاء
قد أشرقت شمس الرسول المصطفى***فالـكـون مــن نـــور الـرســول أضـــاء
حــمــدا وتـسـبـيـحـا مـلائــكــة الـســمــاعـزفــت*** وقـــد عـــم الـســرور ســمــاء
وحــدائـــق الأزهـــــار فــــــاح أريــجــهــا***واجــتــاح مــســك الـعـاطــرات فــضـــاء
وبــلابــل فــــوق الـغـصــون بـشــدوهــا***مـــــلأت قـــلـــوب الـعـالـمـيــن هـــنـــاء
والـبــحــر يــزخـــر والـمــيــاه خــريــرهــا***هـــــز الــجــبــال وأطــــــرب الــصــحــراء
ومشى النسيـم علـى الريـاض معطـرا***والــريـــح أطـــــرب عـزفــهــا الأجـــــواء
والأرض فــي شـهــر الـربـيـع تـــلألأت***نـــــــــورا بـــمـــيـــلاد يــــشـــــع بــــهـــــاء
**************
وهناك الكثير من القصائد ولشتى المناسبات التي نظمها وحيث كان يلقي قصائده في المناسبات الوطنية
وبعد وفاته كان لديه فيما تركه من الكتب والرسائل التي تثني عليه وتشكره أذكر منها رسالة من الرئيس جمال عبدالناصر
وأخرى من الجزائر ومن دائرة المعارف في الجمهورية العربية المتحدة أنذاك الاقليم السوري وغيرها .
أكتفي بهذا القدر من حياة أحد أبناء قرية كويكات الذين نفخر بهم وبسيرتهم العطرة
رحمك الله يا أبا فخري وأسكنك فسيح جناته.
كتبها: جمال فخري الجشي