ميسر الخواص: لا نريد تعويض، نريد الرجوع الى بلادنا ورزقنا
قرية أم الفرج – قضاء عكا
التقت «هوية» الحاجة ميسر خليل الخواص لتسجيل شهادتها، فهي من مواليد فلسطين عام 1933، قرية أم الفرج قضاء عكا، وعمرها الآن جاوز الـ75 سنة.
القرية
أم الفرج قريبة من نهاريا، وهي في قضاء عكا، كان والدي يأخذنا إلى عكا على الحمير وكنت صغيرة في ذلك الوقت. كذلك وأهل أمي لهم بيارة بأم الفرج، بجانب طرف الشارع جنوب نهاريا.
كان بجانبنا في أم الفرج عائلة ابو شحادة علي ياسين، وكان عنده ملحمة، ابنته هي حسنية وكنت أعرفها. أبو كمال المختار كان عندهم دكانة، وكان الناس يشترون من عندهم حاجتهم من المواد الغذائية، وهي قريبة على ساحة الجامع.
بالنسبة إليّ لم ادرس بالمدرسة، فقط اخي وزوجي كانوا يدرسون القرآن. ونحن لم نلحق الدورة لنتعلم القرآن، ثم خرجنا من فلسطين. انا خرجت ابنة 12 سنة.
أذكر أن بيتنا كان من حجر كبير وامامه دار واسعة، كان في البيت أخي شحادة ومحمد وبيكة وخديجة وكامل العبد، كلنا صغار وقتذاك، أخي شحادة ومحمد أكبر بالعمر. وكانوا يضعوا البقر تحت في الطابق السفلي ونحنا نسكن فوق.
كنا نلعب نحن الاخوة مع بعض وننزل الى الحاكورة (الحديقة أو المزرعة)، فيها تين وتفاح وعنب وسفرجل (مساحتها 3-4 دونم) و محاطة بسور، وكانت المزرعة بجانب بيت شحادة علي ياسين، وبيوتنا بجانب بعضها.
الزيتون لم يكن لنا، كنا نشتري الزيت ونصفيه في الخابية وكان عندنا خوابي كثيرة ونموّن كل السنة، زيت القلي والنبات لا نعرفه، فقط نعرف زيت الزيتون، كنا نشتري الزيت والزيتون.
في ما يتعلق بالطعام كنا نطبخ كل شيء: مجدرة وسبانخ ومحشي ملفوف وقرنبيط. حتى أننا كنا نشتري لحمة وفروج، كان خير الله كثير.
عندما تزوجت باعت أمي ذهبها، وزوجة عمي أيضاً باعت ذهبها، واشتروا شقفة أرض 10 دونم منصوبة وشقفة 10 دونم ليست منصوبة، وكانوا مشتركين ومتفقين، نعيش مع بعضنا، نأكل ونشرب سوية. نحنا تزوجنا هناك، نحن أولاد عم، كان عمي أـبو إبراهيم كبير، وكان يقول ابن العم لبنت العم، فكبرنا وابن عمي عمره 30 سنة وأنا 14 سنة عمي عندما خطبني أنا ومرت أخي. وأقمنا عرسنا في المخيم، وكانت حدايّ تحدّي وعللوا 7 أيام، وعزمونا عائلة علي ياسين في بيتهم.
وكان في فرس لدار أبو جودة، وأحضروا فرسين للعريسان وفرسين للعروستان، وركّبونا على الفرس وصارت هالشباب تحدي. وجاء خالي من حلب كان صوته حلو يحدي ويغني، فكان عرسنا حلو.
حتى أننا كنا نزرع بالبساتين، وعندما خرجنا كانت مزروعة بالقمح، وعند خروجنا من ام الفرج بقينا بفلسطين حوالي سنتين قبل لجوئنا الى لبنان.
قبل النكبة
في إحدى الليالي سرق العرب بايكة (......) لليهود، فجاء اليهود وكنا حالشين القمح وندرس بالبيدر، حاكورتنا واسعة وندرس عالبيدر، وجاء اليهود في الصباح، واتهمونا بأنا سرقنا، فأخذونا ورمونا عند الملك حسين (في الأردن)..
أبي لحقنا بنا وخاف علينا لانه كان يعلم أن معنا نقود، فأخذ النقود من أخي وفرق النقود ووضعهم تحت السنديانة، فأخذونا حتى يأخذوا النقود، ووضعونا في خيم. كل يوم من الساعة 8 صباحاً حتى ـ8 مساءً يعطونا كيلو واحد من التمر للعائلة الواحدة، كنا 10 اشخاص ونحن لسنا معتادين على أكل التمر أو البقاء من دون طعام لفترات طويلة، وأعطونا حرامات لنتغطى بها في الليل.
فقلنا لهم أننا نريد الخروج إلى لبنان، فركبنا مع واحد اعطيناه 10 ليرات فلسطيني ليأخذنا ويعبر بنا إلى النبطية في لبنان.
وفعلاً ذهب بنا من قرية إلى قرية، لاننا عائلة 10 أشخاص مع والدي. وفي طريقنا قطعنا وادياً بالشختورة ولكننا دفعنا له نقود زيادة، ثم جاء الجيش وقال "لو فيكم خير كان فيكم خير لبلادكم، ما الذي أتى بكم إلى هنا"، وكنا حينها أولاد صغار نبكي ونريد الذهاب الى لبنان.
"وصلنا لغاية النبطية صباحاً، فجاء شخص وسألنا اين ستذهبون؟ قلنا له سنذهب الى صور وتحديدا الرشيدية، فأخذ منا نقود كنا قد بعنا حرامات وأخذ ايجار السيارة، فأوصلنا إلى أول النصب".
وقالوا لنا ان الرشيدية قريبة سيراً على الأقدام، فمشينا حتى وصلنا إلى الرشيدية، كان عمي أبو ابراهيم هناك في الرشيدية وهو وأولاده، ونصبنا شوادر (الخيم) وبقينا هناك. كانت الناس بالاول تصب لبن على الشادر، وبنينا غرفتين لبن، ومن ثم بنينا البيت وجلسنا وصارت الناس تعيش حياتها وتكبر أبناءها وتتزوج، وأنا تزوجت وبقيت هناك.
عند خروجنا أول مرة من فلسطين أحضرنا البقر والحمير، وسيارة مليئة أغراض، فقالوا لنا ارجعوا الناس عم ترجع على فلسطين، فعُدنا الى فلسطين نضحك. ولكنا خرجنا مرة ثانية حافيي الأقدام لا نملك شيء، تعذبنا كثيراً.
جلسنا في فلسطين في بيت لعائلة الباشا، ولكن كما ذكرت الناس سرقت بايكة البقر لليهود، وغضبوا من الفلسطينيين، فأرسلونا إلى الاردن. كان الجو بارد وشتاء وزوابع، لقد ذقنا الموت ومرارة اللجوء لغاية وصولنا الى الرشيدية.
«أنا لم ازر فلسطين بعد خروجنا منها، ولكن (أخ زوجي) فضل الخواص ابو بلال وحمزة ذهبوا إلى فلسطين لأن أبو بلال كان بالأونروا وذهب الى فلسطين وبقي شهر هناك. قالوا لنا أن الجامع مازال موجوداً».
«لو تسمح لي الفرصة لأعود الى فلسطين الآن برجع من أول الصبح برجع ماشية، من الناقورة إلى الداخل، يا ريت أرجع، لترجع الهمة، و"بصير عمري 20 سنة". لا نريد تعويض، نريد الرجوع الى بلادنا ورزقنا».