الصحافي والمناضل
إبراهيم يحيى الشنطي
«أطْهَرْ قَلَمْ ... لأقْدَسْ قَضية»
1910 ـ 1979م
***
إبراهيم الشنطي هو نجل المرحوم يحيى الشنطي من قلقيلية، ووالدته من عائلة هلال- عشيرة آل زيد.. عمل والده في تجارة السمسم، وانتقل في بداية القرن الماضي إلى مدينة يافا للعمل فيها كتاجر للبرتقال، حيث لعب موقعها كمدينة تطل على البحر الأبيض المتوسط دورا كبيراً في تحوّلها الى مركزاً تجاريا رئيسياً للتجارة الداخلية والخارجية على حدٍ سواء، وذلك بفضل ميناءها البحري، الذي كان يعتبر الميناء الاول في فلسطين في ذلك الوقت
ابصر الصحافي إبراهيم الشنطي النور في يافا عام 1910م، وهو علم من أعلام الصحافة في فلسطين وبلاد العرب. تلقى دراسته الابتدائية في مدرسة دار العلوم في يافا، والتحق بجامعة بيروت الأمريكية AUB، ونال إجازة جامعية في العلوم السياسية عام 1932م. وكان اثناء دراسته الجامعية عضوا في (العروة الوثقى)، وبعد عودته الى فلسطين، انضم إبراهيم الى حزب الاستقلال، وأخذ ينشر مقالاته في جريدة "الجامعة الإسلامية" لمؤسسها الشيخ التاجي الفاروقي، واختار لمقالاته عنوان "حديث الشباب".
بدأت فكرة اصدار جريدة يومية لدى إبراهيم الشنطي عام 1933م، حيث كانت مدينة يافا مركزاً للنشاط الثقافي والأدبي في فلسطين، وصدرت فيها معظم الصحف والمجلات الفلسطينية. وتبلورت هذه الفكرة واصبحت واقعا ملموساً في 8 شباط من عام 1934م، حين صدر العدد الاول من جريدة اسماها "الدفاع"، وساهم في تحريرها نخبة من الكتاب والشعراء والادباء العرب منهم: احمد سامي السراج وخير الدين الزركلي من سوريا، وعبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) وإبراهيم طوقان من فلسطين. وكان ابراهيم الشنطي قد تعرّف الى الشاعر ابراهيم طوقان، اثناء دراسته في جامعة بيروت الامريكية، حيث عمل ابراهيم طوقان مدرسا للغة العربية فيها. وعمل فيها أيضا الصحافي والمؤرخ احمد خليل العقاد بين عامي 1935-1936م. كما كان الصحافي محمود ابو الزلف، صاحب جريدة القدس، قد عمل محررا في جريدة الدفاع قبل نكبة عام 1948م.
وكانت جريدة الدفاع الصحيفة الناطقة باسم ﺣﺰب اﻻﺳﺘﻘﻼل اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ، ﺻﺎﺣﺐ الميول اﻟﻮﺣﺪوﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. وكانت أكثر الجرائد اليومية رواجا في فلسطين، حيث كان يطبع منها عشرة آلاف نسخة يوميا، وكان الناس يقبلون على قرائتها بشغف كبير، لأن صدورها جاء في ظل ظروف عصيبة على فلسطين، حيث أخذت منذ انطلاقها تنشر الأخبار والمقالات الجريئة المعبرة عن حالة السخط الشعبي على الحركة الصهيونية، بسبب تشجيعها هجرة اليهود الى فلسطين، سالكة في سبيل ذلك شتى أساليب التهريب والمكر والخديعة. كما كانت جريدة الدفاع منبرا لمهاجمة الاستعمار البريطاني، الذي كان يُعتبر أصل البلاء الذي تعاني منه فلسطين. وكان هذا في وقت توجه فيه العداء الى اليهود، وانتشرت فكرة حياد بريطانيا بين طرفي الصراع- العرب واليهود.
وعندما اندلعت ثورة عام 1936م، وبدأ الإضراب الشعبي الكبير، عمل إبراهيم الشنطي على تأسيس "الحرس الوطني"، الذي عمل على حماية الممتلكات العربية ومراقبة الشواطئ والمنافذ البحرية، التي كان الإنجليز يهربون من خلالها السلاح لليهود. فاعتقلته سلطات الاحتلال البريطاني، وأودعته سجن "عوجا الحفير" في النقب. نقل بعدها إلى معسكر "صرفند"، وأمضى فيه قرابة السنة، لم ينقطع خلالها عن الكتابة.
وبعد نكبة عام 1948م، توقفت جريدة الدفاع عن الصدور، وهو ما دفع بابراهيم الشنطي لنقلها الى القاهرة، حيث كانت تحرر وتطبع وترسل بالطائرة الى الاردن. وبذل محمود ابو الزُّلُفْ -المحرر السابق فيها- جهودا حثيثة لكي تعود جريدة الدفاع الى الوطن، وتكللت جهوده بالنجاح حين عادت الى الصدور من القدس الشريف عام 1950م، وكان صادق الشنطي وهو شقيق ابراهيم الشنطي رئيس التحرير فيها، بينما كان ابو الزلف مسؤولاً عن تحرير الشؤون الخارجية فيها، وظل ابو الزُّلف يعمل فيها حتى عام 1953م، عندما نشأ خلاف بينه وبين عدد من المحررين، انتهى باستقالته.
اما ابراهيم الشنطي فقد استقر في مصر، وأصدر مع اسعد داغر عام 1953 جريدة يومية اسماها "القاهرة" واستمرت في الصدور حتى عام 1957م، حيث عاد الى القدس ليتابع جهاده الصحفي في جريدة "الدفاع".
وفي عام 1964م عقد المؤتمر الوطني الاول في مدينة القدس، حيث انبثق عنه المجلس الوطني الفلسطيني الاول، واختير ابراهيم الشنطي ليكون عضواً فيه. وأُعلن في هذا المؤتمر قيام منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمثل قيادة الشعب العربي الفلسطيني، وتم انتخاب السيد أحمد الشقيري رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وبعد هزيمة حزيران عام 1967م قصد إبراهيم الشنطي مدينة عمان، وقرّر استئناف إصدار جريدة "الدفاع". وفي عام 1969م انتخب نقيباً للصحافة الأردنية. وبسبب التزام جريدة الدفاع بالخط الوطني.
وبالإضافة إلى نشاطه الصحفي، كان ابرهيم الشنطي يكتب مقالات أدبية تحت عنوان وجدانيات، ويتناول فيها شتى الشؤون الحياتية بأسلوب متميز. وقد منح اسمه وسام القدس للثقافة والفنون عام 1990م.
اما عن الحياة الشخصية لابراهيم الشنطي فكان ذا شخصيّة مرحة ومحبوبة لدى الجميع، يتمتع بروح الفكاهة والدعابة، وكانت الابتسامة لا تفارق محيّاه، حتى عند الشدائد. وتزوج ابراهيم من امراة سورية، وانجب منها ابنا وهو الدكتور وليد، وابنة واسمها تغريد.
وفي عام 1979م انطوت صفحة من اروع الصفحات الحافلة بالعطاء والنضال، حيث انتقل ابراهيم الشنطي إلى رحمة الله تعالى في العاصمة عمّان، إثر معاناة مع مرض لم يمهله طويلاً، بعد مشوار صحفي طويل، جسَّد فيه اسمى المبادئ والاخلاق التي يقوم عليها العمل الصحفي، مع الالتزام بما يُمليه الواجب الوطني والقومي.
وفي حفل تأبينه امتدحه زملاءه الصحافيين، واثنوا عليه بقولهم ان ابراهيم الشنطي كان "اطهر قلم.. لاقدس قضية". ونعته زميله فهد الريماوي من صحية الدستوربـ "رجل المواقف". و "صاحب القلم الوطني العريق" و "صاحب القلم الشريف". اما الاستاذ عيسى الناعوري فقد نعته بـ "صاحب القلم القوي والمرهف معاً"، و "صاحب الروح الادبية الشاعرة".
و هذه بعض الصور لجريدة الدفاع :