علي أحمد محمد مشعل لفتا
من مواليد 2621936,من لفتة قضاء القدس .
قرية لفتا هي قرية ملاصقة للقدس, مستوى أهلها الإقتصادي والثقافي كان متميزاً , إذا ما قورن بقرى أخرى.. القرية لها أراض كثيرة مزروعة بالاشجار والفواكه.. أهل البلد كانوا يعملون بالقدس في أعمال كثيرة تجارية وبناء، وكان منهم محامون وأطباء أيضاً يعملون بالقدس. كانت البلدة متميزة في نمط حياة الناس، يعني كان الفقر غير معروفاً بالقرية..
من عائلات أوحمايل القرية, هناك خمس حمايل وكانت العلاقات بينهم طيبة, ويتزوجون من بعضهم ولم يكن هناك تعصب لحمولة ضد أخرى,كانوا متعاونين متصاهرين , وكان الناس في الأمسيات عندهم مجالس (اسمها الساحة), الأقارب والجيران هم من يجلسون فيها مع بعض .
وكان عندهم مضافات, وأحياناً يكون الضيوف غيرمعروفين بالنسبة للعائلة .القرى المحيطة بلفتا كان بينهم وبيننا تعاون، من الغرب قرية النبي صموئيل, وهذه الأراضي متلاصقة , وبيت حنينا, وشوفات , ومن جهة الشرق والشرق الشمالي كانت مدينة القدس, وبجانب القدس من الناحية الشرقية كان عنا قرية ديرياسين وعين كارم .
القرية كما ذكرت ملاصقة للقدس , والقرية المتاخمة للقدس كان فيها مستعمرات كثيرة وكان يحصل مناوشات معنهم. أهل القرية ليس لديهم سلاح لأن الانجليز يسجنون الناس الذين يملكون سلاح أو حتى طلقة, فكانوا يسجنون ويعدمون الناس . ولكن الناس كانوا مترابطين ومصممين أن لايسمحوا لليهود بالسيطرة, وكان اليهود في ذلك الوقت ليس لديهم الشجاعة الكافية أي جبناء .
ولكن بالتدريج مابين سنة1947و1948, كانت تحصل مناوشات وقتل , ففي إحدى المرات جاؤوا على قهوة البلد, وكان فيها مخاتير البلد وقتلوا منهم الكثير حوالي 7 أو8 مخاتير وجرحوا آخرين.. هم جاؤوا بسيارة مسرعة ونزلوا ومعهم رشاشات , وأطلقوا الرصاص بكثافة على الناس الذين هم في القهوة وهربوا, وحصل ثاني يوم جنازات كبيرة للمخاتير منهم من كل حمايل البلد.
ثم صار هناك قناصة, يقنصون المزارعين ومن يمشي عالطريق في المنطقة الجبلية, ثم جاء يوم هجموا على ديرياسين وهي ملاصقة لبلدنا, ولم يكن بديرياسين مدرسة, وكان من يريد التعليم يأتون هم ومن المالحة والقرى الأخرى إلى مدرسة بلدنا, وبينا وبينهم نسب, فجاء اليهود ونكّلوا بدير ياسين (المذبحة المشهورة), وكانوا يقصدون تخويف القرى المجاورة, فقتلوا نساء وأطفال ونكّلوا بالبلد تماماً, حتى بعض النساء اللاتي لم يقتلن وهن في حالة يُرثى لها من ناحية اللبس ولفّوا فيهم في شوارع القدس ليخيفوا الناس.
هذه الحادثة والحادثة التي سبقتها (اقتحام المقهى والقتل ) خلت الناس يخافون على نسائهم وأطفالهم وبدأوا بالهجرة , في أول الأمر الرجال لايهاجرون بل يبقون في القرى, والنساء والأطفال هم من كان يهاجر, أنا أذكر نحنا كنا أربع اطفال ووالدتي , خرجنا باللبس الذي علينا والدتي حملت جارور من الملابس فقط, وخرجنا إلى قرية بيت حنينا حيث لنا أنسباء هناك . ووالدي بقي بالقرية وليس معه سلاح غير السيف وكان بالبلد كلها حوال 10-12 بندقية ثم شراؤها بأثمان عالية جداً جداً .
اذكر مرة , حادثة حصلت مع أبي وأمي, كانوا كل 4 -5 أيام يأتون من بيت حنينا إلى البلد للبيت , ونحن مخزنين مونة بالبيت, لأخذ مونة الأسبوع, على أساس أن خروجنا مؤقت وسوف نعود بعد أسبوع أو اثنين فمرة رجعوا, أحد أقاربنا كان عنده بندقية وكان موجود بالقرية , أخي الذي يكبرني ووالدتي كانوا يجمعون بعض المأكولات والخضار فجاءت مجموعة من اليهود المسلحين من الجبل ونازلين لقتل كل من يشاهدونه في القرية , أحد أقاربنا وكان معه بندقية شاهد نزول اليهود وقدومهم لقتل أمي وأخي فأطلق النار عليهم وجرح وقتل منهم , فهربوا وبعدها صاروا يقللون من مجيئهم إلى البلد.
وكان أبي يقضي وقته مع الرجال المسلحين , ولكن بالتدريج لغاية أوائل 1949, صار صعب على الناس أن يذهبوا إلى القرية, وحتى الذخيرة التي كانت مع الرجال الذين يملكون أسلحة فرغت, فخرج الرجال ولحقوا بعائلاتهم, فطلعوا الناس من القرية وظلت القرية فارغة, ماعدا الجزء العلوي الذي يعتبر حي من أحياء القدس, هؤلاء خرجوا قبلنا نحن, لأنهم دخلوا أيضاً على بعضهم وقتلوهم.
وبحلول 1949 صارت القرية خالية من السكان. من قريتنا نفسها جزء من سكانها ذهبوا إلى القدس ولكن المنطقة القريبة المجاورة لحي الشيخ جراح , بين الشيخ جراح وقرية اسمها شعفاط, هذه المنطقة كانت بيد العرب ومنهم من ذهب إلى القدس القديمة والجزء الآخر ذهبوا إلى قرى النبي صموئيل وبيت حنينا نحن جلسنا ببيت حنينا حوالي6 أشهر , لنا أقارب في احدى قرى رام الله وبقينا عندهم حتى انتهت الحرب حوالي (سنة ونصف ) وبعدها صارت الهدنة. وفي ذلك ذلك الوقت جزء من بيوت البلد وأرضها أصبح تحت السيطرة الأردنية , ولكن بيتنا كان بالمنطقة التي أخذتها اليهود , لكن أقاربنا وأخوالنا بيوتهم كانت في الجزء التي مسموح لهم العودة إليها, فرجعنا إليها حوالي سنة ونصف ولكن كنا على أعصابنا لأن الخطر قائم باستمرار, وكانت هذه البيوت مليئة بجثامين الشهداء من الجيش الأردني كانت موجودة هناك , ونحن دفناها, وفجأة جاء اليهود وقالوا: نحن أخطأنا بالخارطة, هذه المنطقة من حصتنا, نريدها لنا, وكان بجانبنا وحدة للجيش الأردني, فاحتجت على هذا الكلام, ولكن جاءت الأمم المتحدة, وجاء اليهود بالليل فجأة وأخذوا المنطقة ونحن فيها ولكن نحن لم نكن نريد الخروج منها, فقال اليهود إذا أرادوا البقاء ممكن ولكن ليس في هذه المنطقة لأنها منطقة تماس, فقلنا مادمنا لاجئين لاجئين سوف نلجأ إلى بلد عربي فهاجرنا مرة أخرى إلى مخيم الزرقا في الأردن وبقينا فيه حتى أواخر الخمسينات .
العيشة في المخيم صعبة , وكنا في منطقة اسمها البرية وهي صعبة جداً, وكنا نعيش بالخيمة .
أنا دخلت في مدرسة بالقدس اسمها الرشيدية (الكلية الرشيدية) وهي من أهم وأفضل الكليات في فلسطين. فجلست عند احدى خالات خالات خالاتي وأهلي جاؤوا إلى المخيم وعاشوا فيه في أحوال صعبة جداً .
وفي ذلك الوقت بدأت الوكالة تصرف لهم مؤن ليس هناك أعمال وأشغال..
إذا اتيحت الفرصة لنا بالعودة , سنعود طبعاً وسأترك كل أعمالنا هنا ولكن سنعود ونعمر بلدنا ومسقط رأسنا, مع أنه نعتبر كل البلاد العربية بلدنا و خاصة الأردن . "نعم لحق العودة" والتوطين هو الحل الاسوأ الذي فرض علينا وكواشينا ومفاتيحنا كلها موجودة عنا.