جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
أما رواية (أم ناظم)[1] فلا تختلف كثيراً عن روايات أهل المخيم. ورغم شدة المرض الذي أصابها في الحنجرة ما زالت تتحدث بنبرة عالية كما عهدتها من زمن طويل، فأخبرتني الرواية من البداية: «خرجت من فلسطين كان عمري 12 سنة، وبعدني ما تغيرت، لا زلت أذكر البساتين والأعراس الحلوة، الناس كانت ساكنه بأمان، الناس كان عندها صدق أكثر من اليوم، بعدني أتذكر مياه نبع «عين العسل»، في الصيف كانت مياه النبع مثل البرّاد، وهذه النبع تقع جنوب الكابري، وهي كانت مصدر مياه الشرب لبلدة الكابري. كنت أروح أملي منها بالجرّة على راسي، كانت علاقتنا مع اليهود جيدة جداً، ما كنا نفكر تصير حرب مع اليهود، أذكر كان شخص يهودي في الكابري اسمه إلياهو وزوجته اسمها مريانا، هم من يهود فلسطين. كنت أعرف دكتورة نسائية يهودية اسمها مريم وكانت عيادتها في نهاريا. هِجْرتنا بدأت في شهر نيسان وأيار سنة 1948، توجهنا إلى بلدة ترشيحا، وترشيحا تقع شرق الكابري وشرق جدين، بقينا لمدة ستة شهور في ترشيحا. بتذكر معركة الكابري، كانت خسائر اليهود في هذه المعركة 93 يهودي وقتل شخص واحد من الكابري اسمه أحمد حسن واسم أمه عزة. بتذكر يوم عصر جاءت ثلاث طيارات وقصفت ترشيحا وخاصة الجامع وحي آل عرار، ماتت عائلة من بيت عرار بالكامل، وعائلة من آل ناجي وهم بالأصل من الكابري مات الأب وأمه وزوجته وأولادهم الخمسة، ونجت ابنته يسرى. من ترشيحا خرجنا العصر خارج البلدة وتحت شجر الزيتون على جنب الشارع جلسنا، شاهدنا سيارات جيش الإنقاذ فارغة، جيش الإنقاذ كان يهرب، طلعنا مْقاطعة في الجبال مشي على الأقدام، عانينا كثير من الشوك في الجبال حتى وصلنا إلى وادي القرن قبل غروب الشمس، والله يا ابني القمر كان سنتها غير طبيعي كان حوله عامل دائرة حمرا كان الهوا سخن، السماء كانت حزينة، اللي بدّي أقوله إلك كانت ليلة مشؤومة. ثم طلعنا على راس (قمة) الوادي، تعبنا كثير من المشي، كانت أمي حاملة أختي الصغيرة ذيبة على إيدها، ثم شلحت أمي جاكيتتها ونيمت أختي ذيبة على الأرض. كان أبوي يشرب سيجارة دخان عربي، ثم مشينا ونسينا أختي نايمة، وصلنا إلى جانب بئر ماء وزريبة للحيوانات، وهناك لقينا أمي بانتظارنا. سألتنا أمي وين البنت، استغرب أبوي وقال لها ليش البنت مش معك، قالت لأ. لأ. كان أبوي لابس سروال عربي، مسك سرواله وعاد يركض، وجد صوتها مدوّي بالوادي. كان الناس ماشيين متل السكارى ما حدا يحكي مع حدا. وصلنا إلى بلدة رميش اللبنانية ثم إلى قرية عيتا الشعب، في عيتا الشعب جلسنا تحت الزيتون لا غطاء ولا حصيرة ولا أي شيء معنا، ما في إلا ثيابنا الي نحنا لابسينها. سبعة أيام جلسنا تحت الزيتون في عيتا الشعب. ثم انتقلنا مشي على الأقدام إلى البازورية، هناك استأجرنا غرفة بخمس ليرات لبنانية بالشهر. ثم بعدين ذهبنا إلى صور مشي، الصليب الأحمر الدولي فتح مخيم قرب البرج الشمالي شرق صور، في المخيم سلمونا شوادر، الشادر الواحد يعطوه لعائلتين ولثلاث عائلات، كنا نقسم الشادر بالحرامات، كانوا يجيبوا لنا التموين، كل يوم يعطوا الشخص رغيف خبز واحد، كل شخصين علبة سردين وكل أربعة أشخاص علبة لحمة. كنا ننام على حرامات. بقينا في هذا المخيم شتوية. في يوم كنا نايمين، وإذا المخيم مطوق بالدرك اللبناني ومعهم شاحنات قالوا قوموا. يلاّ. وطلّعونا في الشاحنات. فكرنا بدهم يرجعونا إلى فلسطين. بس الشاحنات راحت اتجاه الشمال حتى وصلنا إلى صيدا. ثم سألناهم نحن لوين رايحين، قالوا إلى البقاع إلى عنجر. كل الناس بلشوا يبكوا. كانت نكبة ثانية. كنا متأملين بالعودة إلى فلسطين. حطّينا رايات سوداء على الشاحنات. طبعاً أخذونا بالقوة إلى عنجر، وهناك كانت الشوادر في انتظارنا. كانت حالتنا يرثى لها. قضينا صيفية في عنجر. ثم رحلنا إلى نهر البارد في الشتوية، كانت الشتوية صعبة، طول الليل كانت بتشتي ثلج، في نهر البارد أعطونا شوادر جرس، بقينا سنتين هناك، وعام 1952 تزوجت في نهر البارد، ثم رحلنا إلى مخيم برج البراجنة، ثم إلى تل الزعتر، وأولادي كلهم ولدوا في تل الزعتر. وابني محمد استشهد في تل الزعتر، وأصيبت ابنتي ذيبة بجروح في مجزرة تل الزعتر. وبعد سقوط تل الزعتر وصلنا إلى شاتيلا. وفي شاتيلا استشهد ابني أحمد في حرب المخيمات، وفي شاتيلا أيضاً خسرت ابني ناظم».
مخيم شاتيلا:الجراح والكفاح
محمود عبدالله كلم