المعماري شادي حبيب الله: قام بتجسيد وتصور العودة إلى قرية اللجون، بتصميم معماري يدمج بين الحداثة المعمارية والحفاظ على الطابع المعماري العربي الأصيل
رُبما من غير السهل علينا كفلسطينيين، تخيُل وجه العودة إلى قُرانا المُهجرة، لكن محاولة تصور ملامحها، والتعبير عن ذلك، هو جُزءٌ من حقيقة تؤكد أننا عائدون إليها - عاجلاً أم أجلاً.
ومشوار العودة إليها يبدأ بخطوات صغيرة، تبنيها سواعد الشباب، بروحهم وعنفوانهم، وانتمائهم لقضيتهم ولجذورهم الفلسطينية. مجموعةٌ من شباب قرية اللجون المهجرة، كانت لهم المحاولة في تصور العودة إلى قريتهم، من خلال مشروع تصور العودة الشبابي " عُدنا"، الذي أنتجته جمعية " بلدنا"، وعملتْ على تركيزه المشروع من قبل " بلدنا" نداء نصار، وأشرف على تنفيذه وسيرورته مُرشد المجموعة الناشط علي مواسي، الذي كان له دورًا في الربط بين المتطوعين، ومصمم المشروع – المعماري شادي حبيب الله، الذي قام بتخطيط وإنشاء قرية للعائدين إلى اللجون.
والمهندس شادي حبيب الله، تخرج من جامعة العلوم والتكنولوجية في إربد، ويعمل معماري في شركة للهندسة بالناصرة، إضافة إلى عمله في مشاريع تدمج بين العمل الاجتماعي والوطن والعمارة.
ولادة المشروع..
قرية اللجون المُهجرة، هي ضمن مجموعة قُرى أراضي الروحة المُصادرة (34) قرية، هجرت غالبيتها اثر الاعتداء الصهيوني المباشر عليها، وارتكاب المجازر في بعض قراها مثل صبارين والسنديانة، أم الشوف، اللجون، أبو زريق.
وتتميز اللجون وباقي القرى كونهم أراضي زراعية خصبة، وكانت اللجون تربط بين شمال فلسطين بمركزها وجنوبها، بالإضافة إلى وجود مواصلات عامة توصلها بين أطراف فلسطين حتى عام 48.
عمل شادي حبيب الله، مدة تُقارب الأربعة شهور على تخطيط المشروع، وتنفيذه، خلال هذه الفترة، التقى مع المتطوعين في مجموعة اللجون، ودار بينهم نقاش حول تصور العودة إلى القرية، وتصور المباني وتنظيم العمارة فيها، بالإضافة إلى قيامه مراتٍ عدة لزيارة اللجونوالمنطقة القريبة منها، ودراسة الموقع بشكل جيد.
قام شادي خلال عمله، بربط جميع قرى الروحة المهجرة وشملهن بالمشروع، داخل مسطح سكني واحد، وذلك على فرض الانتشار السكاني في المنطقة فيما لو ما زالت القرى قائمة حتى اليوم، ودمجهن إلى (7) قرى بدل من (34)، بالإضافة إلى اللجون، التي تم التركيز عليها، كونها تحمل اسم المشروع.
تحديد أهداف المشروع قبل البناء..
وحرص شادي والمجموعة، في التركيز على بعض النقاط المُهمة التي رافقتهم منذ انطلاقة المشروع. في إعادة تعزيز دور قرية اللجون التاريخي في المنطقة وجعلها هدف للتطوير الصناعي والإنتاج الزراعي وحقل خصب للأكاديميين.
بالإضافة إلى تعزيز الروابط بين اللجون والبيئة المحيطة، من قرى ومدن، وربطها بشبكة المواصلات، وتواصل أهالي اللجون مع باقي سكان المنطقة، الاشتراك بإقامة مشاريع اقتصادية، ثقافية واجتماعية، والعمل كوحدة واحدة
تصور لدولة ثنائية القوميّة...
لم يقتصر، التفكير فقط في تخطيط اللجون من الجانب المعماري فقط، فقد كان لشادي ومجموعة اللجون نظرة نحو الأفق والمستقبل، فكانت الفرضية الأولى للمشروع، إتاحة التفاعل بين القرى الجديدة المبنية على أراضي الروحة ( ضمن مشروع عُدنا)، وبين الأراضي الواقعة في منطقة وادي عارة ( البلدات القائمة اليوم)، وذلك لتطوير المرافق الاقتصادية والاجتماعية بين البلدات، وخاصة في المجال الزراعي، إذ كانت تتميز في السابق قرى ( الروحة) بالإنتاج الزراعي الوفير، إذ وصف شادي قرية اللجون بـ " خُبز فلسطين"، وهذا الاسم الذي كانت معروفة به، كونها كانت وفيرة في الانتاج الزراعي، وكانت مشهورة بإنتاج القطن.بالإضافة إلى التفاعُل مع المستوطنات، إذ تتمثل الفرضية الثانية، حوّل قيام دولة ثنائية القومية، وزوال الاحتلال، وأن تكون لدولة لجميع مواطنيها، دون التفرقة القومية والطائفية.
مُسطح القريّة..
كان وادي "الست ليلى"، يقسم اللجون إلى شرقية وغربية، وتظهر رأس النبعة بالفيديو الذي قام بتصميمه المعماري شادي حبيب الله، الذي حدثنا عن مسطح القرية، قبل النكبة.
" لقد قامتْ سُلطات الاحتلال الإسرائيلية في إخفاء معالم القرية وهدم منازلها لم يبق منها سوى رُكام، وقد استخدمتْ النهج المعتمد لديها في زرع المسطحات بأشجار السرو، المعروفة بنموها السريع، وبالضرر الذي تسببه للتربة"- وتابع شادي قوله:
" ركام البيوت محاط بأشجار السرو، ولو شجر السرو بيحكي، كان قال اقلعوني، لأنه أجا على حساب حَيّز – منازل- الناس، صار الوقت أنه يتنازل السرو عن مكانه استقبالاً لعودة أهلاللجون"
وفيما يتعلق بتحديد الأماكن السكنية في القرية قال شادي: أنه قام بعدة زيارات للقرية، ومعاينة موقعها وتضاريسها الجغرافية وموقعها، والتقاط بعض الصور للاستناد عليها في التخطيط، كما وتم جمع المعلومات المهمة عنها، من خلال الاستناد إلى شهادات عدد من مهجري القرية، ، وتنظيم محاضرات وورشات عمل مع أشخاص مهنيين وملمين بمسألة القُرى المُهجرة وتخطيط المُدن، مثل؛ المحامي توفيق سعيد، وجمعية "بسمة أمل"، والمهندس سليمان فحماوي، والمخطط عروة سويطات، والباحث وجدي جبارين، الذين شاركوا في ورشات عمل مشتركة مع أعضاء الجمعية، بالإضافة إلى اعتمادهم لكتاب أطلس فلسطين للباحث الفلسطيني سليمان أبو ستة.
الجانب المعماري للقرية، بين الحداثة والتمسك بالماضي
بعد دراسة للمنطقة، قام شادي بتحديد المنطقة السكنية، معتمدًا على التخطيط الأصلي للقرية، وبما أن الملامح الأصلية للقرية طمسها الاحتلال، بسبب هدمه للمنازل، وقيامه بتشجير الأرض كان من الصعب عليه إعادة التخطيط إلى سابق عهده، بالإضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار عامل التكاثر السُكاني للقرية، والتصميم الحديث يشمل لتعداد (16) ألف نسمة.
و بتصميمه حرصّ شادي في ربط القرية ما بين محور الحداثة والبيئة العصرية المعمارية والمحور العاطفي المرتبط بالذاكرة، وذلك لتجنب الصدمة والشرخ الكبير ما بينهما لدى سكانها العائدين ويظهر ذلك بالفيديو المرفق في التقرير.
كما وحرص في توفير بيئة سكنية عصرية مربوطة ببنى تحتية متكاملة، وتجسيد البعد العاطفي بوسطها.
النمط المُعتمد في البناء " Concept "..
اعتمد شادي في التصميم المعماري للمشروع، في خلق نواة حيوية، تجسد ذاكرة المكان، التي يراعى بها الصورة النمطية للقرية الفلسطينية القديمة، وامتداد الشكل المعماري للقرية وفراغاتها الحضرية.
هذا المكان يشغل دوراً هاماً في تجنب الصدمة العاطفية والشرخ العميق بين الذاكرة والحداثة العمرانية، وعدم تفريغ القرية من أبعادها الإنسانية، التاريخية والتراثية.
كما وقام بتجسيد وسط القرية بنمط معماري خاص ومختلف عن باقي أرجائها، اعتمادا لدراسات متعلقة في بناء القرية الفلسطينية. هذا المشهد الجديد للحيز التاريخي يضم مرافق عامة، خدماتية، ثقافية واجتماعية، وأماكن تجمع مفتوحة، بالإضافة إلى احتضانها لنشاطات ثقافية متعددة. لهذا اعتمد على فكرة " الحوش".
الحوش – " patio"
إذا نظرنا إلى تصميم شادي المعماري، نلاحظ أن الـ " Concept"المعماري لديه، هو " الحوش- الفناء" المعروف باللغة المعمارية -" patio"، وهو مفهوم معماري أن تتوسط المنزل ساحة صغيرة، وهو المكان الذي لطالما اعتبر من أساسيات المنزل في القرى الفلسطينية، حيث أنه نقطة اللقاء التي يجتمع فيها أفراد الأسرة في فضاء مشترك في البيت.
ونفس هذا المفهوم المعماري اعتمد شادي في مركز القرية، التي اعتمد في طرازها المعماري النمط النموذجي للعمارة الفلسطينية، وتتوسطها ساحة جامعة لأهل القرية والزوار، وتضم مدرج مفتوحًا للنشاطات الفنية والثقافية.
عرض المشروع وتغطية إعلامية خاصة..
المشروع تم عرضه في أمسية خاصة في قرية معلول المهجرة، التي شملت عرض للمشاريع الأخرى المشاركة في مشروع تصور العودة الشبابي " عُدنا"، كما وحظيّ بتغطية إعلامية على مستوى الصحافة المحلية والقطرية، بالإضافة لمشاركتها بأمسيات خاصة، والمُشاركة لاحقًا في برنامج عالمي، سوف نكتب عنه لاحقًا.
عن موقع: بكرا
10/11/2013