خبيزة-الموقع والتسمية:
تقع قرية خبيزة المهجرة في بلاد الروحا على ارتفاع 175 متراً عن سطح البحر، وعلى بعد 29,5 كم (خط هوائي) إلى الجنوب الشرقي من مدينة حيفا، وعلى مسافة 15 كم من مدينة أم الفحم، وعلى بعد 7 كم من قرية كفر قرع. تحدها من الغرب قرية أم الشوف والسنديانة، ومن الشرق قرية البطيمات والكفرين، ومن الجنوب قرية قنير وكفر قرع وعاره، ومن الشمال قرية دالية الروحا، ومن الشمال الغربي قرية صبارين.
سُمِّيَت القرية بهذا الاسم نسبة إلى نبتة الخبيزة التي تنمو بكثرة في أراضيها، وتطبخ كالخضراوات. والطبخة هذه من الأكلات الشعبية في الريف الفلسطيني، وغنية بالحديد والبروتين وسهلة الهضم. في عهد الانتداب كان اسم القرية الرسمي "الخبيزة"، ولكن الناس حذفوا أل التعريف اختصاراً.
خبيزة في العصور القديمة:
تدل الموجودات الأثرية التي عثر عليها في قرية خبيزة ومحيطها على أن المنطقة كانت مأهولة بالسكان بلا انقطاع منذ العصر الحجري، أي قبل حوالي عشرة آلاف سنة مروراً بالعهد الكنعاني فالروماني فالعربي الإسلامي وحتى عام 1948. عثر في المنطقة على ختم فرعوني على شكل جعران (خنفساء)، وعلى جرار كبيرة مستوردة من قبرص، وعلى مجموعة متنوعة من النقود القديمة ما يدل على وجود تجارة دولية.
اكتسبت خبيزة أهمية كونها تقع بالقرب من طريق وادي عاره الذي كان ممراً إستراتيجياً مهماً للقوافل التجارية والجيوش منذ أيام تحوتمس الثالث في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وقد ارتبطت بمجموعة طرق ترابية سالكة توصل إلى قرى وادي عاره في الجنوب، وإلى وادي الملح في الشمال فمرج بني عامر.
إلى الشمال من القرية تقع خربة الكلبي وفيها آثار يعود تاريخها إلى العهود الإسلامية الأولى، ويعتقد أنها سميت بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة بني كلب، ومنهم بنو عامر الذين سكنوا في مرج بني عامر وسمي المرج باسمهم.
في العهد الصليبي كانت قلعة اسمها كانتي إلى الجنوب من قرية خبيزة في المنطقة المسماة بالقصوبية.
خبيزة في القرن التاسع عشر:
في يوم 28/2/1856 مرت ماري روجرز، أخت نائب القنصل البريطاني في حيفا، بخبيزة فقالت عنها إنها قرية بائسة، بيوتها من طين وحجر ومعظمها أخشاش قليلة الارتفاع، وبعضها منحوت في الصخر وطرقاتها ضيقة. كان الجو في ذلك اليوم ماطرا، وكانت ماري على عجلة من أمرها ما جعلها لا ترى البلدة بكاملها، كما أن نظرة الاستعلاء الإفرنجية لدى الباحثة واضحة لذا علينا التعامل مع وصفها بحذر.
في سنة 1882 نشرت بعثة الاستكشاف البريطانية معلومات عن قرية خبيزة جاء فيها أن عدد سكان القرية يُقَدَّر ب 270 نسمة يزرعون 24 فداناً رومياً. كان الفدان الرومي في قرية كفر قرع المجاورة يساوي 200 دونم، وبناءً على ذلك يمكننا أن نقرر بأن مساحة أراضي خبيزة المفتلحة بلغت 4800 دونماً. يبدو أن قسماً من السكان هاجر من القرية إذ بلغ عدد سكانها عام 1922 (140) نسمة فقط. اعتمد السكان على زراعة القمح والشعير والذرة والعدس والسمسم وعلى فرع الزيتون وزراعة الخضراوات، وكانت هناك بساتين التين والرمان والعنب واللوزيات بالإضافة إلى تربية الأغنام والأبقار.
العائلات في خبيزة:
عائلة سليط: ذكر الراويان أنيس عبد الجبار سليط (من مواليد 1929)، وحسين ابراهيم سليط (من مواليد 1933) أنهم سموا بهذا الاسم نسبة إلى جدهم الأكبر سليط. أصلهم من قرية تل الصافي في منطقة الخليل. رحلوا عنها فاستقر قسم منهم في قرية الظاهرية، وقسم آخر رحل إلى خبيزة وأم الشوف وطيطبا والكساير والبويرة. وهم يشكلون غالبية السكان في خبيزة، ومن بطونهم: دار منصور، من وجوههم مختار القرية عبد القادر الحاج حسن وهو من كبار الملاكين وأخوه عيسى، دار محمود من وجوههم الحاج داهود اسماعيل، دار عباس من وجوههم الحاج عباس، ودار مصطفى منهم خليل المصطفى، ودار خليل منهم مسعود ابراهيم الخليل وهو من كبار الملاكين في القرية، ولد عام 1900م وكان من وجهاء قرى الروحا ووادي عاره، ومصلحاً بين الناس إذ في وثيقة نادرة مؤرَّخة في 28 نيسان 1947م ورد أن قائمقام قضاء حيفا انتدب مسعود الإبراهيم من خبيزة مع مختار أم الشوف أحمد شناعة، ومختار السنديانة توفيق الحاج حسين، ومختار عرب التركمان عبد الرحمن الحاج عبد الهادي للذهاب إلى كفر قرع من أجل إجراء صلح بين عائلتين متناحرتين حول المخترة. كان لمسعود جواز سفر صادر عن حكومة فلسطين مما مكنه من السفر في شهر كانون الأول عام 1947 إلى لبنان، وفي شهر كانون الثاني عام 1948 إلى مصر. يقول ابنه فيصل أن والده اشترى جراراً له جنزير (تراكتور) و"ماتور" لشفط المياه من البئر، وكان يؤجرهما للناس، وقد ترك الجرار في كفر قرع والماتور في أيدي جيرانه من اليهود عند مغادرته القرية.
عائلة البيقاوي: كتب إليّ النسابة سعيد الجانم، وهو من المعمرين من السنديانة، يقول إن الشريف محمد بن زين الحريري الزاهد كان من سكان قرية باقة الشرقية، وأن من نسله هاجر فريق إلى منطقة المراح ومنها رحل قسم منهم إلى السنديانة حيث يعرفون هناك بالبواقنة، وقسم آخر إلى خبيزة حيث يعرفون هناك بالبيقاوي، كما ذكر أن الشيخ خلف صاحب المقام المعروف في قرية عرعره هو ابن الشريف المذكور أعلاه.
ذكر الراوي حسين ابراهيم سليط أنه كانت لعائلة البيقاوي في خبيزة أراض وحواكير، وارتبطوا مع عائلة سليط بعلاقات نسب، ومن وجوههم علي البيقاوي، ومنهم ابراهيم وخليل البيقاوي.
كما سكن في خبيزة أشخاص نذكر منهم:
- دار البدري وهم محمد البدري وأولاده وأصلهم من قرية يعبد؛
- فارس النجار كان يُصَلِّح عيدان الحراثة ومسؤولاً عن نظافة المياة في العيون والآبار، وأصله من قرية يعبد؛
- حسين البطيخ وأصله من قرية باقة الشرقية؛
- ذيب المسعود وأخوه خليل؛
- خليل الحبيطي وأصله من أم الفحم.
عدد سكان القرية:
في عام 1922 بلغ عدد سكان القرية 140 نسمة، وفي عام 1931 بلغ 209 نسمة يعيشون في 42 منزلاً، وفي عام 1945 ارتفع العدد إلى 290 نسمة، وفي عام النكبة 336 نسمة بالتقريب.
قضية بيع الأراضي في خبيزة:
ذكر الراوي حسين إبراهيم سليط أن البيكات من عائلة الخليل القاطنين في مدينة حيفا اشتروا الكثير من أراضي خبيزة حيث كان لهم 51% من أراضي القرية، وقد انتدبوا شخصاً من القرية وعينوه وكيلاً عنهم لإدارة شؤون هذه الأراضي، فكان يؤجرها للفلاحين نظير حصولهم على حصة من المحاصيل، أو بطريقة الضمان. يبدو لنا أن البيع بدأ في أواخر العهد العثماني حين عمَّ الجراد وطَمَّ في عام 1914م، وعندما سيق الشباب والرجال على يد الأخذ عسكر إلى جبهات القتال في سنة الطبلة أيام السفر برلك (النفير العام) خلال الحرب العالمية الأولى، واستمر البيع خلال عهد الانتداب بسبب الضرائب الباهظة وأسعار الغلال المنخفضة، فاضطر الفلاح إلى بيع أرضه. ويضيف الراوي المذكور أعلاه أن البيكات من عائلة الخليل باعوا تلك الأراضي التي اشتروها إلى اليهود، فظهرت مشكلة الفلاحين العاملين في تلك الأراضي حيث أَصَرَّ اليهود على إخلائهم، وضغطوا على حكومة الانتداب لفرز الأراضي لأنها كانت لا تزال مشاعاً أي ملكاً مشتركاً للعرب واليهود فهنا كان مارس لأهل خبيزة وبجانبه مارس لليهود وهكذا دواليك، في النهاية فرزت الأراضي فأخذ اليهود الأراضي الواقعة في الناحية الشرقية شرقي البيادر بحوالي كيلومتر واحد، وأخذ أهالي خبيزة الأراضي الواقعة في الجهة الغربية.
ذكر وليد الخالدي في كتابه "كي لا ننسى" أنه في عام 1945 كان اليهود يمتلكون 2024 دونماً من أراضي خبيزة بينما امتلك العرب 2828 دونماً و2 دونم مشاع ما مجموعه 4854 دونماً. أي أن اليهود امتلكوا 40% من أراضي خبيزة. بينما يشير أريه أفنيري في كتابه "دعوى نزع الملكية" إلى أن مساحة الأراضي المباعة كانت أكبر بكثير إذ اشترت الكيرن-كييمت في 24 آذار 1938م (7600) دونم من أراضي خبيزة والبطيمات بحيث بيعت أراضي خبيزة بموجب 124 سند بيع، بينما بيعت أراضي البطيمات بموجب 6 سندات بيع، وفي مكان آخر يشير إلى أن الكيرن- كييمت كانت تدفع إلى أهالي القرى أموالاً طائلة ليوافقوا على فرز الأراضي، وأنها دفعت عند شراء أراضي البطيمات وخبيزة للأهالي مبلغ 2000 جنيه فلسطيني هذا عدا المبالغ التي دفعتها من تحت الطاولة للتسريع في عملية الفرز. على أراضي الكيرن-كييمت المفروزة أُقيم كيبوتس إيفن يتسحاق (جلعيد).
مستعمرة إيفن يتسحاق (جَلعيد):
بدأ الإعداد لإنشاء كيبوتس على أراضي خبيزة عام 1938، وقد تشكلت النواة الأولى من مهاجرين ألمان وهولنديين وانكليز. في شهر آذار عام 1945 أعلن عن قيام كيبوتس "إيفن يتسحاق"، إلى الشرق من بيادر خبيزة بكيلو متر واحد على ربوة يبلغ ارتفاعها 186 متراً عن سطح البحر. سمي الكيبوتس بهذا الاسم نسبة إلى ناشط صهيوني من جنوب أفريقيا اسمه يتسحاق هوكبيرغ الذي تبرع بالأموال اللازمة لشراء الأراضي من أهالي خبيزة والبطيمات. لم يمض وقت طويل حتى غَيَّرَ أعضاء الكيبوتس اسمه إلى جلعيد رغم بقاء الاسم الرسمي. بلغ عدد سكان الكيبوتس في نهاية 2011 (437) نسمة، وتحت نفوذه حوالي 14500 دونم.
دواوين القرية:
كان في خبيزة في عهد الانتداب أربعة دواوين يصرف عليها أصحابها، ويجتمع الناس فيها ويحتسون القهوة، ويستقبلون فيها الضيوف، وهي:
- ديوان المختار عبد القادر الحاج حسن منصور سليط؛
- ديوان دار الحاج داهود؛
- ديوان دار عباس؛
- ديوان البيقاوي.
المسجد: كان المسجد عبارة عن بيت طوله 10 أمتار وعرضه 7 أمتار، ويتسع لحوالي 70 مصلياً، وليس له قبة. كان المؤذن اسمه الشيخ جابر، ويؤم في الناس الحاج يوسف العباس.
التعليم: طوال فترة الانتداب لم تكن في القرية مدرسة، وإنما تعلم التلاميذ القرآن الكريم واللغة العربية في بيت تبرع به أحد السكان. من بين المعلمين كان الشيخ عمر البلعاوي، ثم بعده حسين القشوع من زيتا. كانوا يدفعون للشيخ علبة قمح وبيض. في عام 1947 بدأ التلاميذ يداومون في مدرسة أم الشوف التي كانت حتى الصف الرابع، بعضهم تعلم في قرية صبارين.
دكاكين:
كان في القرية دكانان تباع فيهما الضروريات مثل الحلاوة والسكر والعجوة والأرز والدخان والكاز. الدكان الأول كان لخليل البيقاوي في الجهة الجنوبية، والدكان الثاني كان لزعيل الحاج داهود في الجهة الشمالية من القرية.
خرب وآثار:
- خربة الكلبي: تقع شمال خبيزة فيها آثار وحجارة متناثرة، وكان فيها شجر رمان وتين. يحتمل أن تكون حملت هذا الاسم نسبة إلى أحد أبناء قبيلة بني كلب التي نزلت في العصور القديمة في مرج بني عامر؛
- خربة أبو حجوة: تقع إلى الشرق من خبيزة وهي قريبة من بئر أبو حجوة؛
- طاحونة قمح تعمل بالماء على حافة الوادي الذي يسميه الأهالي الوادي الشمالي؛
- خربة العرايس بجوار ظهرة العواودة شمال-شرق خبيزة؛
- خربة الفرس: شرقي البلدة؛
- خربة الكراب: غربي البلدة؛
- أم الرقاطي: غربي البلدة
مقبرة الخبيزة:
تشير وثائق المحكمة الشرعية في حيفا إلى أنه في عهد الانتداب البريطاني كان في جدر قرية الخبيزة مقبرتان: الأولى صغيرة مساحتها 192 متراً، والثانية كبيرة مساحتها 1759 متراً. لا توجد في القرية مقامات ولكن في الجهة الشمالية لقرية أم الشوف المجاورة يوجد مقام للشيخ عبد الله العواطلة الرفاعي، وهو من الآثار القليلة التي بقيت ماثلة للعيان، والشيخ عبد الله رجل صوفي من أصحاب الطريقة المسماة بالرفاعية وجد عائلة العواطلي في أم الشوف، وقد ذكر الراوي أحمد نجيب صبّاغ (من أم الشوف من مواليد سنة 1923) أن الشيخ محيي الدين هو ابن الشيخ عبد الله وأنه كان، هو الآخر، صاحب طريقة ويدق العدة، كما أنه كان آخر من غادر أم الشوف إلى قرية سيلة الحارثية بعد احتلال قريته عام 1948.
الآبار والينابيع:
كانت المياة متوفرة بكثرة في خبيزة ومحيطها نذكر منها:
- الوادي الشمالي ووادي العرايس: يأتي من قرية الكفرين من الشرق ويتجه إلى الغرب. يمر شمال خبيزة فيسمى وادي العرايس ثم يمر بين أم الشوف وصبارين فيسمى وادي الغدران، ويمر بالسنديانة فيسمى وادي السنديانة، ويصل إلى وادي الزرقاء الذي يصب في البحر الأبيض المتوسط. يجري في فصل الشتاء، وتكثر فيه الغدران في الصيف. سُمِّي وادي العرايس بهذا الاسم لأنه نمت على ضفافه أزهار برية شَبَّهْنا العرائس بها؛
- أم النبعات: تقع شمال قرية خبيزة؛
- عين العرايس: تقع في الشمال الشرقي من البلدة؛
- عين العسل: في شمال خبيزة، شمال وادي العرايس، وهي مجموعة عيون نبع؛
- بئر أبو حجوة: شرقي خبيزة، مبنية بحجارة قسم وفيها نبع ولها مغارة. كانت تستعمل للشرب وبجوارها كانت جواب لسقي الدواب؛
- بئر محمد: تقع في جنوب القرية، وكانت للطرش والدواب؛
- العين الغربية: تقع إلى الغرب من القرية، وتسقي البساتين المحيطة بها؛
- عيون طبش: تقع شرقي قرية أم الشوف المجاورة.
الآبار والعيون والينابيع المذكورة أعلاه كانت لجميع الناس ومعظمها صالح للشرب والاستعمال المنزلي. كذلك كانت في القرية آبار خاصة مثل بئر البيقاوي.
احتلال خبيزة وتهجير سكانها:
يقول الراوي حسين ابراهيم سليط إنه كان لمجزرة دير ياسين (9/4/1948) وقع كبير في نفوس الناس. في كل ليلة كان اليهود يطلقون نيران أسلحتهم شمال خبيزة، لقد دبَّ الفزع في قلوب الأهالي، فأخذوا ينقلون النساء والأولاد إلى القرى البعيدة مثل أم الفحم وباقة الشرقية وظهر المالح وعرعره وكفيرت وغيرها. ثمة من أغلقوا بيوتهم وأخذوا معهم مفاتيحها، لكن بقي كثير من الشباب والرجال والختيارية يقومون بحراسة البيوت والحقول ويعتنون بالمواشي، ولم تخل القرية يوماً من العائدين لجلب أغراض وحاجيات منها، لقد غررت الدول العربية بنا إذ كانوا يعدون بأننا سنعود إلى ديارنا بعد شهر أو شهرين على الأكثر.
في 8 أيار 1948 هاجمت قوات "الهاغاناه" قرية كفر قرع، ورغم أن هذا الهجوم فشل إلا أن سكان القرية نزحوا عن قريتهم وأصبحوا لاجئين لأنهم بقوا تحت مرمى نيران اليهود. في تلك الفترة استعان بن غوريون بمنظمة "الإيتسل"، وأناط بقواتها مهمة احتلال القرى العربية في بلاد الروحا. كانت للعرب في هذه المنطقة علاقات مع يهود من سكان المستعمرات القريبة، وتفاهمات حول إحلال سلام بين العرب واليهود، ولكن لم تكن للعرب أية علاقات مع منظمة الإيتسل، لقد تبدلت الأحوال وتغيرت الظروف، فهل كان ذلك هو المقصود؟!.
يقول بني موريس إن وحدات من الإيتسل الموجودة في زخرون يعقوب والخضيرة وبنيامينا ونتانيا تجمعت وهاجمت في 12 أيار عام 1948 القرى العربية في الروحا: بريكة، السنديانة، صبارين، خبيزة وأم الشوف وطردت سكانها. ثم يردف قائلاً إن معظم سكان هذه القرى نزحوا عنها عند اقتراب المهاجمين لأن هؤلاء أمطروهم بوابل من قذائف الراجمات.
تشير مصادر الإيتسل إلى أن احتلال القرى العربية الخمس الوارد ذكرها أعلاه قد تم تحت إشراف القائد "جدعون"، واسمه الحقيقي هو عميحاي فاجلين قائد غرفة العمليات في منظمة الإيتسل، وأن القوات المهاجمة زحفت من مكانين، الأول من الشونة (بنيامينا) نحو بريكة والسنديانة فصبارين، والثاني من كيبوتس دالية وكيبوتس جلعيد باتجاه خبيزة وأم الشوف. وتقول تلك المصادر أنه بينما استمر التمشيط في قرية صبارين، استعدت قوة بقيادة يوسف بن دور للهجوم على قرية خبيزة من كيبوتس جلعيد. بدأ الهجوم على القرية بقصف من راجمة عيار 3 بوصة، وقد كان هذا القصف مؤثراً إذ لما تقدم المشاة لم يجدوا فيها مقاومة واستمر تطهيرها عشر دقائق. ثم تحركت القوة باتجاه أم الشوف. وقد سبق هنا، كذلك، قصف براجمة من عيار 3 بوصة نحو مركز القرية والسفح الجنوبي. فوراً بعد القصف بدأت عملية تصفية جيوب المقاومة الصغيرة. كان مصير أم الشوف كمصير خبيزة إذ لم يكن فيهما سكان كثيرون عند بدء الهجوم، وفي كلتي القريتين بدأ نزوح كبير باتجاه منطقة وادي عاره منذ سماعهم عن الهجوم على السنديانة.
روى مشولام نجار، أحد المشاركين في احتلال القرى الخمس، قال: "في اليوم التالي لاحتلالنا القرى العربية خبيزة أم الشوف، صبارين، السنديانة وبريكة ركبنا مجنزرة وبدأنا بتطهير جيوب المقاومة الأخيرة. كان الجو حاراً جداً، ونفد الماء منا، وبما أننا لم نرغب في الشرب من مياه العرب خوفاً من أن تكون مسممة، لذا وصلنا إلى بوابة كيبوتس دالية عند طرف المنطقة المحتلة، وطلبنا من الحارس أن يذهب ليحضر لنا ماء... عاد الحارس ومعه وعاء كبير مملوء بالماء البارد، ولكن اثنين من سكان الكيبوتس منعاه من تقديمه لنا، ووبخاه قائلين: "كيف تقدم الماء إلى هؤلاء الإرهابيين، الفاشيين،... !". يبدو أن سكان كيبوتس دالية لم يكونوا راضين عن إعدام سبعة من شباب قرية أم الشوف بعد استسلامهم.
يقول الراوي حسين ابراهيم سليط أن سنة 1948 كانت سنة وافرة إذ سقطت فيها كميات كبيرة من الأمطار، فزهت الحقول وأينعت وغلت، فكان لاجئو خبيزة كغيرهم يعودون إلى حقولهم فيقطفون عرانيس الذرة وسنابل القمح، ثم يعودون بها إلى القرى التي لجأوا إليها فيدقونها ليقوموا بأود أُسرهم في بلاد الغربة، وقد سموا ذلك "مناضلة" لما فيه من خطورة إذ لمنع ظاهرة العودة إلى البيوت والحقول كانت القوات اليهودية تنصب الكمائن وتغرس الألغام وتطلق النيران على العائدين غير أن كل ذلك لم يوقف الظاهرة. كانت لدى بن غوريون هواجس من عودة المهجرين إلى قراهم التي طردوا منها، فعمد إلى تدمير البيوت في تلك القرى تدميراً كاملاً. فقد كتب في كتابه يوميات الحرب تحت تاريخ 16/6/1948 يقول: "تم تدمير المغار قرب غديرة، ...هدمت دالية الروحا، سيعملون في البطيمات وصبارين..". يبدو أن قرية خبيزة وصبارين والبطيمات وغيرها قد دمرت بالكامل في هذا التاريخ.
لاجئو خبيزة:
يعيش لاجئو خبيزة في الشتات في عدد من المخيمات والبلدان نذكر منها: مخيم جنين، مخيم نور شمس في طولكرم، أم الفحم، باقة الشرقية، النزلة الوسطى، يعبد، قفين، رام الله، طوباس، مخيم الفارعة في الأغوار، إربد، الزرقاء، عمان، الرصيفة، وفي سورية ودول أوربا.
مراجع:
1.مقابلة مع السيد أنيس عبد الجبار سليط (من مواليد سنة 1929-خبيزة) أجراها عبد المجيد دنديس في تاريخ 21/8/2003، موقع فلسطين في الذاكرة، سلسلة التاريخ الشفوي للنكبة.
2.مقابلة مع السيد حسين ابراهيم سليط (من مواليد سنة 1933-خبيزة) أجراها راكان محمود في 11/1/2009، موقع فلسطين في الذاكرة، سلسلة التاريخ الشفوي للنكبة.
3. مقابلة مع الحاج أحمد نجيب صباغ (من مواليد 1923 –أم الشوف) أجراها فواز سلامة في 25 /10/2005، موقع فلسطين في الذاكرة، سلسلة التاريخ الشفوي للنكبة.
4.مادة من مخطوطة نسب آل الحريري أرسلها لنا النسابة الشيخ سعيد الجانم من السنديانة فله مني جزيل الشكر.
5.خريطة لقرية خبيزة صادرة عام 1942 وعليها إضافات لتصوير جوي جرى عام 1945 وطبعت ثانية سنة 1948 في أرشيف د.محمد عقل-عرعره.
6. رسالة موجهة من قائمقام قضاء حيفا لمسعود الإبراهيم-خبيزة سنة 1947 في أرشيفنا-عرعره.
7.خريطة للمواقع والقلاع الصليبية في فلسطين، انظر د.محمد عقل، المفصل في تاريخ وادي عاره-الجذور والعائلات والمواقع، مطبعة الأمل، القدس، 1425ﻫ/2004م.
8. جواز سفر مسعود ابراهيم سليط، ومقابلة مع ابنه فيصل، موقع ذاكرات.
9. مصادر انكليزية وعبرية وأرشيفية من مكتبتنا الخاصة.