حيفا 21-12-2020 وفا- يامن نوباني
شهدت مدينة حيفا حدثا ثقافيا بارزا، أعاد للمدينة ألقها الفلسطيني، واستعاد الهوية العربية لحي "وادي الصليب" الذي لطالما اعتبر أحد مكونات المدينة الرئيسية، ومكاناً حيويا، بإطلالته على البحر، وناسه وأصواتهم وأسواقهم وبيوتهم وعاداتهم العربية بامتياز قبل أن يعبره طوفان النكبة.
وافتتح الجاليري، لصاحبتة الفنانة الفلسطينية ومخططة المدن سعاد نصر مخول، في حي وادي النسناس العربي العريق، تحت عنوان "الطوفان – معرض حيفا وادي الصليب"، بحضور عدد من الشخصيات الوطنية والتقدمية والمهتمين بالشأن الثقافي والفني.
نصر أحيت مساء أمس الأحد، البيوت المهجرة، وأعادت لها ناسها، وللأزقة حركة أقدام من تغيبوا عنها قسرا، عبر عشرات اللوحات التي تجسد حياة الحيفاوي والفلسطيني قبل النكبة والتدمير والسلب.
واختارت الفنانة سعاد نضر ان تفتتح الجاليري بمعرض عن حي وادي الصليب أحد أبرز الأحياء الحيفاوية التاريخية الذي تعرض سكانه الأصليون العرب إبان النكبة الى أكبر عمليات التهجير والتشريد والهدم وتغيير هويته ومعالمه بشكل منهجي ومتواصل على مدار سبعة عقود.
لماذا "الطوفان"؟
تُشبّه الفنانة سعاد نصر التي ولدت بعد النكبة وعاشت على أطراف حي وادي الصليب، ما حل بالحي وأهله عام 1948، بـ"الطوفان" الذي نكب الفلسطينيين بين عشية وضحاها، وقام بمحو المدينة وإغراقها، فما تعرضت له حيفا العربية لم يكن حرباً اعتيادية، وانما تعرضت لطوفان مدمر وعملية تجريف إنساني وحضاري ومادي لن تمحوه الأيام.
جدلية البحر ووادي الصليب
وأضافت الفنانة سعاد نصر في كلمتها: "إن بحر حيفا يشكل رمزا كبيرا في هذا الحدث التاريخي المشئوم حيث أقلعت عبره قوارب التهجير من ميناء حيفا إلى ميناء بيروت الذي طالما تغنّت به هاتان المدينتان الجميلتان. هذا البحر هو نفسه البحر الذي أطلت عليه بيوت ومباني حي وادي الصليب في غالبيتها العظمى وشكل مكان عمل ومصدر رزق لقسم كبير من سكانه، وأن المعرض يعكس جدلية البحر وعلاقته بوادي الصليب.
وقالت إن الشيء الأكثر هولاً في مسلسل الهدم هو محاولة هدم ثقافتنا وحضارتنا وتاريخنا وذاكرتنا الوطنية في هذه المدينة.
وبينت: ان منعنا كمواطنين عرب من بلورة شكل أحيائنا في المدينة وبلورة ثقافتنا لا يشكل فقط مساسا بحقوقنا الوطنية في المدينة، وإنما يشكل مساساً كبيراً بما يسمى "بحقوق الانسان"، وتساءلت: "الا تعلم رئيسة البلدية ومن سبقها ان المدينة هي مجموع الذاكرة الجماعية لسكانها؟
إن كانت لا تعلم فنحن نعلم.. ونعلم جيدا أن علينا بالتكاثف والعمل الجماعي أن نحمي ونحافظ على هذه الذاكرة، ذاكرتنا الجماعية كسكان فلسطينيين في المدينة.
وتحدث في الافتتاح، عصام مخول رفيق درب الفنانة، مشيرا الى ما تعرضت له الفنانة من حادثة كسر في رجلها أثناء عملها على المعرض وتصميمها على افتتاح الجاليري رغم الصعوبات، وافتخار أهالي حي وادي النساس بافتتاح الجاليري كمعلم حضاري ينقل الحي العربي العريق من موقع حي يوفر فقط المأكولات العربية الفلسطينية إلى الحي الذي يسوّق الحضارة والثقافة والفن والتاريخ الوطني.
كما أشاد رئيس لجنة المتابعة للجماهير العربية، محمد بركة، بأهمية المعارض التي تقوم بها سعاد للمدن الفلسطينية باعتبارها مشروع حياة، ابتدأ من إطلاق مشروع معرض المدن في عام 2008، ومعرض حيفا من هنا انطلقت في العام 2012 احياءً لذكرى 250 عاما على تأسيس حيفا الحديثة على يد ظاهر العمر الزيداني والتي تصل اليوم قمة أخرى من قممها بإقامة جاليري ثابت يُعنى بالتراث المعماري والثقافي والحضاري الفلسطيني.
وأضاف، إن هذه التجربة في إقامة جاليري للثقافة والفنون في حي وادي النسناس العريق إعادة اعتبار للحي، وإعادة المؤسسات الوطنية والثقافية الى وادي النسناس الذي احتضن عبر عشرات السنين العديد منها والتي أسهمت اسهاما كبيرا في بناء ثقافة البقاء والكفاح والهامة الشامخة، داعيا إلى الالتفات إلى هذه المشاريع وزيارتها من قبل طلاب المدارس والمعاهد والجامعات في خطوة تعزز إرثنا وحضارتنا العربية وتنقلها من جيل إلى جيل.
بدورها، قالت القيادية في الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، عايدة توما سليمان، يحافظ هذا المعرض على هويتنا وتاريخنا، لافتةً إلى أن سعاد نصر استطاعت ان تدمج بين تخصصها كمخططة مدن وبين كونها فنانة تشكيلية فانتجت هذا العمل الكبير.
وأضافت توما: إن مجتمعا يلتف حول الفن وانتاج الجمال وتذوقه لا يمكن أن يكون مجتمعا عنيفا. والغاليري الذي نفتتحه اليوم يشكل مدماكا متينا وفعالا في مواجهة آفة العنف المستشرية في المجتمع.
كما أشاد المحامي شحدة بن بري، من النقب، وعضو البلدية السابق والشخصية الحيفاوية عيسى نقولا، والشخصية التقدمية والأممية عدنا زريتسكي، بالجاليري، معتبرينه عملا جبارا بمجهود شخصي، لا تستطيع مؤسسات كاملة القيام به، تحمل لوحاته قوة التعبير التي يتمتع بها صاحب الحق والفن الجميل، ويساهم في إعادة الحياة الثقافية لحيفا العربية.
وفي نهاية حفل الافتتاح قدمت سعاد نصر لوحة لمبنى عصبة التحرر الوطني الفلسطيني في حيفا، بين سنوات 1943-1948. لرئيس لجنة المتابعة للجماهير العربية السيد محمد بركة.