أصبحت قرية الفارسية بمنطقة الأغوار الشمالية شيئا من الماضي بعدما أقدم الاحتلال الإسرائيلي الأسبوع الماضي على هدم 65 منشأة بين منزل وحظيرة أغنام وبيوت زراعة بلاستيكية فيها.
وهجر الاحتلال بذلك 120 من أهل القرية متوعدا من بقي بمزيد من الإجراءات القمعية بحقهم لترحيلهم عن أرض ورثوها منذ مئات السنين عن آبائهم وأجدادهم.
وفي جولة لها اطلعت الجزيرة نت عن قرب على معاناة هذه القرية التي كانت حاضرة -وحتى أيام قليلة- بأشكال متنوعة من المعاناة بين القتل والاعتداء وسرقة المياه وتخريب الممتلكات الحيوانية والزراعية طوال السنوات الماضية.
فالمواطن ياسين ضبابات (52 عاما) فقد خيمة نومه وأسرته وحظائر أغنامه وبقي وحده يصارع بين ركامها عله يجد بعض أواني المنزل التي طمرت بين الأنقاض، أو بعض حاجياته الخاصة، فالاحتلال هاجم القرية فجرا بجرافتين وأكثر من 150 جنديا، وأخذ يهدم ويدمر.
فقد للمقومات
وقال ضبابات للجزيرة نت إنه "بعد الهدم رحلت أسرتي عن القرية لمدينة طوباس القريبة، ونقلت أغنامي من القرية، وصرت آتي يوميا لإثبات وجودي عليها رغم الهدم". وأضاف أن وسائل الحياة الكريمة لم تكن موجودة أصلا بالقرية، نظرا لاعتداءات الاحتلال المتمثلة بسرقة المياه والتدريبات العسكرية المختلفة ومصادرة الأرض وتخريب كل الممتلكات. وأكد أن الاحتلال أخطرهم منذ بداية الشهر الجاري بعملية الهدم، لكنهم تحدوا القرار الإسرائيلي وبقوا على أرضهم، "فهنا نعيش ونعتني بأرضنا ومواشينا، ولا يمكننا العيش دونها". وأشار ضبابات إلى أن معاناته وغيره جراء رحيل عوائلهم عن القرية وبقائهم وحدهم زاد في حجم مواجهاتهم لمهمات العمل لوحدهم. وحتى من بقي بقرية الفارسية فسيظل يواجه مصاعب عدة، أهمها شح المياه "التي يستهلك الإسرائيلي منها خمسة أضعاف ما يستهلكه الفلسطيني" عبر سرقة الاحتلال لها بسحبها بأنابيب خاصة به أو بتجفيفه لمنابعها، حيث سيضطر ضبابات إلى شراء المياه من القرى المجاورة وبأسعار باهظة. وفعلا، فإن هذه المعاناة لأهالي الفارسية لم تعد حسب عارف دراغمة رئيس مجلس منطقة المالح والمضارب البدوية بالأغوار الشمالية تقتصر عليهم وحدهم، فالحملة الإسرائيلية ضد الأغوار متواصلة منذ احتلالها عام 1967، "ولن يستثنى أحد منها". مناطق عسكرية واستنكر دراغمة في حديثه للجزيرة نت هدم بيوت المواطنين بقرية الفارسية وتجريدها من سكانها "رغم أنهم يملكونها رسميا". وأكد أن سياسة الهدم والترحيل تستهدف مناطق الأغوار كلها، وأن سلطات الاحتلال تواصل ذلك عبر إخطارات الهدم والحرمان من البناء وإنهاء مقومات العيش. وأضاف أن أطماع الإسرائيليين كبيرة إضافة للسيطرة على الأرض وأحواض المياه الرئيسية، حيث يقيمون مستوطنة وسبعة معسكرات للجيش بمحيط قرية الفارسية والقرى المجاورة، ويستخدمون أراضي شاسعة للتدريب العسكري، "ويسعون لاستقطاب الآلاف من المستوطنين للسكن بتلك المناطق". ورغم أن السلطة قدمت بعض المساعدات للأهالي، فإنهم أكدوا أنهم بحاجة لمزيد من الدعم الذي يقوي صمودهم وثباتهم، ولا سيما أن الاحتلال لا يدخر جهدا لطردهم وإحلال إسرائيليين مكانهم. عمق إستراتيجي من جهته رأى مروان الطوباسي محافظ طوباس والأغوار الشمالية أنه رغم هجمة الاحتلال المتصاعدة على مناطق الأغوار المقدرة بألف و303 كلم مربع ويسيطر الاحتلال على 70% منها، فإنها تبقى مناطق ذات عمق إستراتيجي للدولة الفلسطينية، مشيرا إلى أن الصراع مع الاحتلال صراع إرادات يتطلب الصبر والثبات. ونبه إلى إخطار الاحتلال عشرات القرى والأسر في مناطق الأغوار بالرحيل وهدم منازلهم "تحت حجج وذرائع أمنية واهية، كاعتبارها مناطق عسكرية مغلقة وأماكن تدريب". وأكد أنهم سيواجهون سياسات الاحتلال هذه عبر برامج وخطط مساعدات ستقدم باستمرار لدعم الأهالي، داعيا في الوقت نفسه لاستغلال الأراضي الفلسطينية بالأغوار عبر الاستثمار بقطاعات مختلفة كالصناعة والسياحة والزراعة.
الجزيرة نت
29-7-2010