التراث بحر زاخر من يركب أمواجه لا يأمن على نفسه من الغرق في اللجج أو الزلل والشطط أو المغالاة، ولكن الغواص الماهر الذي تمرس في الغوص ينزل إلى الأعماق فيُخرج اللآليء من مكانها والدُرر والحلي من مخازنها.
فما الحضارة إلا تلك الأدوات والأساليب والعلوم التي تركها الآباء والأجداد وقدموها لنا على طبقٍ من ذهب، وبلادنا فلسطين عامرة وزاخرة وزاهرة بتلك الكنوز الخالدة التي تشهد على عظمة تلك البلاد.
وبمناسبة صدور كتاب أسواق فلسطين قبل نكبة 1948، كان لنا هذا اللقاء مع مؤلف الكتاب الأستاذ جهاد دكور.
* من هو الاستاذ جهاد دكور:
هو كاتب وباحث في التراث الفلطسيني. ولد جهاد احمد دكور في قديثا- صفد في فلسطين عام 1942، أقتلع من ارضه ووطنه في 29/10/1948، تنقل في عدة قرى لبنانية إلى أن استقر في المعشوق قرب صور وتلقى علومه في لبنان وسوريا والأردن ونال إجازة في التاريخ من الجامعة اللبنانية سنة 1970، حصل على شهادة دار المعلمين من مركز تدريب المعلمين في رام الله سنة 1964، عمل مدرساً مع وكالة الغوث الدولية من عام 1964 لغاية عام 2002 في
المرحلتين الإبتدائية والمتوسطة وهو عضو في الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين وعضو مؤسس في اللجنة الفلسطينية للثقافة والتراث في المعشوق – صور، كرم عدة مرات تقديراً لجهوده في نشر التراث الفلسطيني، له عدة مؤلفات منها: (كتاب حكايا الجليل- بيروت -2005، كتاب الجليل عادات وتقاليد- بيروت-2008، المرأة قبل النكبة- 2009). التقيناه وكان لنا معه هذا الحوار:
في البداية أستاذ جهاد هل لك أن تخبرنا عن محتويات هذا الكتاب بشكل عام؟
يتحدث هذا الكتاب عن أسواق فلسطين التي كانت مظهراً حضارياً يعبر عن أوجه نشاط الشعب الحيوي في مجال توفير متطلبات حياته وحاجاته اليومية والمتعددة من الحرف الصنائع والتجارات وفي المأكل والمشرب والملبس.. ويؤكد أن تلك الأسواق كانت الصدر الرحب للتواصل مع الأحبة من الأقرباء والأصدقاء والجيران وعابري الصحارى والبحار والفيافي والقفار، ولتبادل المصالح والأهداف والمنافع، ومجال لتوطيد العلاقات وتداخل الثقافات.
يعمل هذا الكتاب على إحياء التراث الفلسطيني النابض بالحياة ويبين مسيرة الشعب وتمايزه حين كانت بلاده مقصداً لكل طامع وكان جنيهها يدغدغ خيال العديد من المغامرين من العرب والأجانب، كما ويقدم العديد من الوثائق والصور الرسمية والشعبية التي تبرز النواحي القانونية والأنشطة الشعبية والتي تدل على مدى التقدم والرقي الذي بلغه شعبها الباسل.
ما هي المواسم السياحية التي كانت تستفيد منها الأسواق في تلك الفترة؟
فلسطين مهبط الوحي وأرض الرسالات وأرض الرباط والمحشر والمنشر، فيها كنيسة القيامة والمهد وهي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومكان الإسراء والمعراج،وآلاف المقامات والمزارات، هذه الأماكن مقدسة عند جميع الملل، لذلك كانت تشد إليها الرحال ويؤمها الآلاف من الحجاج والزوار وذو الحاجات والغايات والمقاصد والأهداف سنوياً ليوفوا نذورهم ويؤدوا فرائضهم.
هذا الكم الهائل من الناس ومن ورائهم من إدارات ودول وأصحاب الأهداف والغايات والمصالح، يحتاج إلى المأكل والمشرب والملبس والسكن والراحة وإنجاز المعاملات والأدوات والنقل والتنقل. لذلك إستغل أصحاب المهن والحرف والمصانع والفنانون، فأنشأوا أمكنة للراحة والمقاهي والمطاعم والفنادق والشركات التجارية ومحلات البيع وكل ما يحتاجه الإنسان من أدوات ومصنوعات وأغرقوا الأسواق بما صنعوه وجلبوه كالمسابح والتماثيل والتحف والشموع والملابس الخ.
نتيجة لذلك إزدهرت حركة الموانيء والمطارات والمواصلات البرية ونمت المدن كالقدس وحيفا ويافا، فكانت هناك مواسم كمواسم قافلة الحج.
ماذا بعد "أسواق فلسطين قبل النكبة"؟
هناك عدة كتب تحت الطبع، منها:
_ الفلسطينيون في لبنان
- الصيد في فلسطين.
أستاذ جهاد كلمة أخيرة.
نطلب من المسؤولين أن يولوا التراث الفلسطيني الإهتمام الكافي وذلك بإنشاء مركز تراثي يضم المصادر والمراجع والمخطوطات وما كتب عن فلسطين بأيدٍ فلسطينية خاصة عن القرى، ليتسنى لكل الباحثين والكتّاب الاطلاع على هذه المصادر والمراجع وأخذ الإستشارات الضرورية لكل موضوع. وأن يولوا الكتاب الرعاية اللازمة من طباعة وتوزيع حتى يتسنى للأجيال القادمة تصفحها ومعرفة تراثهم المجيد وحضارتهم السامية.
المصدر: سمية مناصري، موقع ياصور