كانت القرية تنتصب على المنحدرات الجنوبية الغربية لنتوء جبلي، مركب من صخور رسوبية إيوسينية ويرتفع نحو 110 م عن السهل الممتد إلى الجنوب. وكانت طريق فرعية تصلها بالطريق العام الموصل إلى الناصرة وبالطريق العام الساحلي الى جهة الشمال الغربي. وكانت المنطقة المحيطة بصفورية تشكل مدخلا الى الجليل الأسفل، وهو موقع منحها مزية استراتيجية منذ أقدم العصور. ومن الجائز أن يكون اسمها مشتقا من الكلمة السريانية ( صفرة) (عصفور)، وربما كانت تلك إيماءات إلى التل الذي تجثم عليه كالطير. بعيد الفتح الروماني لفلسطين أصبحت صفورية مركزا إداريا للجليل بأسره. وبعد قمع الثورة اليهودية الأولى سنة 70 للميلاد، تحولت البلدة بالتدريج الى مركز للحياة الدينية اليهودية.
وكانت تدعى يومها سفوريس ثم سميت لاحقا، أيام الإمبراطور الروماني هدريان، ديوسيزاريا. وكان سكانها من اليهود والمسيحيين أيام البيزنطيين.
فتح المسلمون صفورية في سنة 634 للميلاد، في أوائل أيام الفتح الإسلامي. ولما تزل لها مكانة بارزة في التاريخ اللاحق. وسماها الصليبيون الذين بنوا قلعة فيها لو سيفوري، وانتزعها صلاح الدين الأيوبي من أيديهم بعد معركة حطين في سنة 1187م. وقد أتى إلى ذكر صفورية نفر من الجغرافيين العرب والمسلمين، منهم البلاذري ( توفي سنة 892م)، وياقوت الحموي ( توفي سنة 1229م)، وابن العماد الحنبلي ( توفي سنة 1678م). فقد ذكر ياقوت في (معجم البلدان), مثلا أنها قرية قريبة من طبرية وكانت صفورية مسقط رأس عدد من العلماء العرب والمسلمين منهم أبو البقاء الصفوري ( توفي سنة 1625), الذي كان ذائع الصيت وتسلم القضاء في صفد ومدن عدة فيما بات يعرف اليوم بسوريا ولبنان. ومنهم أحمد الشريف، المعروف أيضا بالصفوري الدمشقي ( توفي سنة 1633)، وهو قاض وشاعر [ الخالدي 1968: 157- 159). في سنة 1596, كانت صفورية قرية في ناحية طبرية ( لواء صفد)، وعدد سكانها 2200 نسمة. وكانت تؤدي الضرائب على عدد أخرى من الإنتاج والمستغلات كالماعز وخلايا النحل ومعصرة كانت تستعمل لعصر الزيتون أو العنب.
في سنة 1745، شيد ظاهر العمر الزيداني ( 1695- 1775), الذي صار حاكم فلسطين الشمالية الفعلي لفترة قصيرة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، قلعة على ذروة التل الذي يعلو عن صفورية وقد بنيت كنيسة القديسة حنه في القرية على أطلال كاتدرائية ضخمة تعود إلى أواخر القرن السادس للميلاد. في أوائل القرن التاسع عشر, لاحظ الرحالة البريطاني ج. بكنغهام أن سكان القرية كلهم من المسلمين، وأن منزل القديسة حنه اندثر. وفي وقت لاحق من القرن التاسع عشر, وكانت القرية تضم بقايا كنيسة القديسة حنه، وبرجا مربع الشكل قيل إنه أنشئ في أواسط القرن الثامن عشر. وكان سكان صفورية، الذين قدر عددهم ب2500 نسمة، يزرعون 150 فدانا (الفدان= 100-250 دونما)، وكان قسم من هذه الأراضي مخصصا لزراعة الزيتون. كانت صفورية كبرى قرى قضاء الناصرة، من حيث عدد السكان ومساحة الأرض, ومنازلها مبنية بالطين والأسمنت. كما كانت هي نفسها على شكل مستطيل تتقاطع شوارعها المتعامدة في الوسط التجاري. في السنوات اللاحقة، توسعت حركة البناء صوب الشمال الغربي، والجنوب الشرقي. وكان سكانها يتألفون من 4320 مسلماً و10 مسيحيين, ولهم فيها مدرستان ابتدائيتان: واحدة للبنين، والأخرى للبنات. وكانت مدرسة البنين أسست في سنة 1900،في زمن العثمانيين. وأنشئ في القرية مجلس بلدي في سنة 1923. وقد تزايدت نفقات المجلس التي كانت تقل قليلا عن دخله، من 74 جنيها فلسطينيا في سنة 1929 إلى 1217 جنيها فلسطينيا في سنة 1944.
كانت المنطقة المحيطة بصفورية ذات تربة خصبة، وغنية بموارد المياه السطحية والجوفية. وكانت الزراعة عماد اقتصاد القرية، وكان الزيتون أهم الغلال. في 19441945، كان ما مجموعه 21841 دونما مخصصا للحبوب و 5310 من الدونمات مرويا أو مستخدما للبساتين منها 3720 دونما حصة الزيتون.
بينت الأبحاث الأثرية أن صفورية بقيت آهلة,،بلا انقطاع تقريبا, منذ العصر الهلنستي، وذلك على الرغم من أن أبنيتها دمرت أكثر من مرة. وقد كشفت التنقيبات في سنة 1931 مدرجا رومانيا,،ويرجح أنه بني من الفسيفساء يشهد على ثراء سفوريس الرومانية وثقافتها ويشير أحد النقوش المتأخرة إلى ترميم كنيسة في صفورية في 516-517 للميلاد. وقد بنيت القلعة, التي أقامها ظاهر العمر(والمذكورة آنفا)، على نمط بناء يعود إلى البيزنطيين. كما أضيفت الطبقة الثالثة إليها في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.
تشدد الروايات الإسرائيلية المتعلقة باحتلال صفورية على شهرتها بمقاومة القوات الصهيونية. وجاء أول ذكر لهجوم على صفورية في صحيفة (نيويورك تايمز)، إذا أوردت بلاغا أصدره سلاح الجو الإسرائيلي يزعم فيه أن إصابات مباشرة سجلت في القرية يوم 30 أيار (مايو) 1948. وقد احتلت بعد أسبوعين من ذلك التاريخ تمهيدا للهجوم على الناصرة, في سياق عملية ديكل ( أنظر عمقا, قضاء عكا)، على يد كتيبة مدرعة من اللواء شيفع ( السابع) كتيبتي مشاة من لواء كرملي. ويذكر ( تاريخ حرب الاستقلال) أن القوة المختلطة انطلقت مساء 15 تموز يوليو 1948 إلى مهمتها و( وصلت الى ضواحي تسيبوري ـ صفورية ـ بعد أن قطعت في تلك الليلة مسافة 15 كلم تقريبا داخل منطقة العدو. وعلى الفور نظمت صفوفها لشن الهجوم... كان عرب صفورية معروفين دائما في الجليل بأنهم محاربون أشداء، لكن القرية سقطت من دون قتال تقريبا من جراء هول المفاجأة). وقد أنجز الاستيلاء على القرية عند الفجر. إلا إن المؤرخ الإسرائيلي بن موريس يشير الى أن القرية ( قاومت تقدم الجيش الإسرائيلي مقاومة شديدة), ولذلك سويت القرية بالأرض وطرد سكانها. وهو يذكر أيضا أن القرية (كانت تساند بقوة جنود القاوقجي) [أي جيش الإنقاذ العربي], وكان لها تاريخ حافل بالسلوك المناوئ للييشوف ( 1936- 1939).
روى سكان صفورية، لاحقا الحوادث بصورة لا تطابق تمام المطابقة أية من الروايتين الإسرائيليتين. فقد خبروا المؤرخ الفلسطيني نافذ نزال أن ثلاث طائرات إسرائيلية قصفت القرية ليل 15 تموز (يوليو), ملقية (براميل مشحونة بالمتفجرات والشظايا المعدنية والمسامير والزجاج). وقد قتلت القنابل نفرا من سكان القرية وجرحت عدداً أخر، وهرب كثيرون غيرهم الى البساتين طلبا للامان. وصمد المجاهدون وقاتلوا كيفما اتفق. وقاتل كل منا بمفرده ودفاعا عن نفسه. ولم يكن تنظيم ... وقاتل كل منا بمفرده ودفاعا عن نفسه. ولم يكن ثمة أي اتصال أو تنسيق بيننا). وقد انتهت المعركة سريعا.
وعند الصباح، قرر كثيرون من الذين اختبأوا في البساتين أن يغادروا صوب الشمال, أو صوب الشرق.
وروى سكان القرية أن نفرا قليلا مكث فيها، وان أفرادا قليلين فحسب استطاعوا أن يعودوا الى القرية لأخذ متاعهم. لكن المصادر الإسرائيلية تذهب الى غير ذلك فمثلا، يقول موريس إن الذين مكثوا طردوا في أيلول سبتمبر 1948، و( تسلل مئات منهم عائدين) في الأشهر اللاحقة، بحيث أن (السلطات اليهودية خشيت أن يؤدي بقاء المتسللين في مواضعهم الى أن يرجع عدد سكان القرية الى ما كان عليه قبل الحرب، أي يرجع عدد سكان القرية الى ما كان عليه قبل الحرب، أي الى 400 نسمة. يضاف الى ذلك إن المتسعمرات اليهودية المجاورة لصفورية كانت تطمح في أراضي صفورية). وفي تشرين الثاني نوفمبر 1948, صرح احد كبار المسؤولين عن الاستيطان قائلاً: ( ثمة في جوار الناصرة قرية... تحتاج مستعمراتنا إلى أرضيها البعيدة. ربما في الامكان إعطاؤهم مكانا آخر). لذلك كما يقول موريس, وضع السكان بشاحنات في كانون الثاني (يناير) 1949, وطردوا ثانية الى قرى عيلوط والرينة وكفر كنا. وفي بداية شباط فبراير, منح بعض أراضي القرية لكيبوتس هسوليليم. ويقول موريس إن مستعمرتي سدي ناحوم وحفتسية ؟ باه(190213) حصلتا أيضا على أجزاء من أراضي القرية.
القرية اليوم : لم يبق إلا بضعة منازل في الموقع، منها منزل عبد المجيد سليمان ومنزل علي موجودة. أما باقي الموقع فتغطيه غابة صنوبر غرسها الصندوق القومي اليهودي إحياء لذكرى بعض الأشخاص والمناسبات ( كيوم استقلال غواتيمالا). ولا تزال قلعة ظاهر العمر ماثلة على قمة التل, وإن يكن بعض حيطانها قد تداعى، وهي محاطة بمواقع الجانب الشمالي من القرية، ويستعمل دارا للأيتام الفلسطينيين. وثمة أيضا كنيسة للروم الأرثوذكس. و على الطريق الجنوبية، المفضية إلى القرية، ثمة كنيس لليهود كان مقاما للمسلمين فيما مضى، وبالقرب منه مقبرة إسرائيلية حديثة العهد.
المصدر: موقع زيتونة