حين قابلته الصيف الماضي في «مخيم شباب أوروبا من أجل فلسطين»، لأكثر من ساعتين، لم أتوقع أن يكون هذا الشاب المتواضع لاعباً من الطراز الأول.
في طريق العودة من المخيم، ترافقتُ مع والده الصديق محمد سلامة في سيارة واحدة، من منطقة الدبية في إقليم الخروب إلى مدينة صيدا، وسألته عن ابنه الذي فاز منذ سنوات ببطولة الدنمارك في التايكواندو، فقال لي إنه أسامة الذي رأيناه منذ قليل في المخيم. وقضينا نحو ساعة في الحديث عن الرياضة والسياسة، وتذكرنا كيف كان أبو أسامة نفسه لاعباً كروياً مميزاً في الثمانينات، حين قذفه الاجتياح الإسرائيلي من صيدا إلى بيروت، فأصبح لاعباً في نادي الأقصى – برج البراجنة، وشكل مع اللاعب خليل العلي ثنائياً مرعباً في دوري المخيمات الفلسطينية في بيروت، وفازا مع النادي في أكثر من دورة رياضية.
ويحق لابن الغابسية محمد سلامة الذي هاجر في الثمانينيات من مخيم عين الحلوة إلى الدنمارك، أن يفخر بابنه أسامة المولود في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن سنة 1992، والذي درس في «المدرسة العربية الإسلامية» من البدايات حتى الصف التاسع، وتخرج بتقدير «يوازي جيد جداً في لبنان» حسب التصنيفات الدنماركية، واحتفظ ببطولة الدنمارك للشباب في التايكواندو لعدة سنوات.
كان صعباً إجراء حوار معه لكثافة برنامج المخيم. فقررنا إجراءه لاحقاً عبر الإنترنت.. وحين تواصلنا، كان غارقاً في امتحانات الجامعة التي لن تنتهي قبل ثلاثة أسابيع، سيسافر بعدها مباشرة، فأجرينا المقابلة عبر الهاتف، وكان حوار أسامة يثير الاعتزاز بهذا الشاب الفلسطيني الملتزم بدينه وقضيته..
البدايات:
أسامة سلامة (كوبنهاغن، 1992) تابع دراسته الثانوية في ثانوية كوبنهاغن المفتوحة (وهي مدرسة دنماركية)، حاملاً معه خبرة رياضة التايكواندو من الصف الرابع الابتدائي حتى التاسع، وتابع تديباته القتالية، مستعيناً بكل عوامل النجاح المتوافرة لشاب في مثل سنه، مبتعداً عن ما يأخذ الشباب في أفخاخ الغربة.
عائلة أسامة مكوّنة من الوالدين وأربعة شباب وأختين، يلعب الشباب عدداً من الرياضات، وملتزمون بالدين وبالقضية الفلسطينية.. يقول أسامة إنه لم يجد، لا في المدرسة ولا في النادي، تمييزاً ضده بسبب إسلامه، فالدنماركيون «عندما يتعرفون إلينا وإلى الفكر الوسطي المعتدل الذي نحمله، والانفتاح على الآخر، واحترامنا لذواتنا وإنسانيتنا، فإن ذلك يفترض الاحترام على أي إنسان، والدنماركيون يكنّون لنا الاحترام لهذه الأسباب».
ويرى أن الدنمارك بلد مفتوح، وأجواؤه خطيرة على من لم يتحصن ويتأسس بشكل صحيح، وأن الإنسان سيكون معرّضاً في أي وقت للفتنة والانجراف، غير أن التربية التي عاشها في البيت، وفي محيط توجد فيه مساجد حيوية، وجمعيات إسلامية ذات أنشطة متميزة تهتم بالعائلات والأفراد، و«الكشاف المسلم» الذي أسسه مع أصدقائه السنة الماضية لتنشيط الجيل الجديد، والسير به على طريق واضح بعيد عن الانحراف المحيط بالأجيال الجديدة..
القضية الفلسطينية:
وعن حضور القضية الفلسطينية وتأثيرها في العائلة، فيؤكد أسامة كناشط فلسطيني في الدنمارك أنها حاضرة في تفاصيل حياتهم اليوم، بدءاً من نشرات الأخبار وصولاً إلى الأنشطة الكبيرة. فالقضية الفلسطينية أساسية، حيث كان والده يرأس «المنتدى الفلسطيني في الدنمارك». وكانت الوالدة انتصار عباس (من مخيم عين الحلوة أيضاً، من قرية صفورية) مشاركة في اللجان الفلسطينية النسائية في كوبنهاغن، وأن العائلة كلها شاركت في مؤتمر فلسطينيي أوروبا السادس الذي انعقد في الدنمارك، حيث كان الإخوة الأربعة مع الأم والأب في لجان تنظيمية في المؤتمر.
حضور الرياضة في العائلة:
للرياضة دور كبير في عائلة سلامة، حيث كان الأب لاعباً بارزاً في كرة القدم، لكن محاولاته في جرّ أبنائه إلى كرة القدم باءت بالفشل، لكنها كانت باباً أوصلهم إلى رياضات أخرى، فتحولوا إلى الألعاب القتالية، فكان الأخوان أسامة وعمر أعضاء في منتخب الدنمارك للشباب، وكان أسامة كابتن المنتخب. وهو الآن انتقل إلى منتخب الرجال، ويُعد من أصغر اللاعبين فيه.
بعد كرة القدم، التي لم يبق فيها من أفراد العائلة سوى الشقيق الأصغر أواب (12 سنة، وهو لاعب أساسي في نادي المدينة في فئة الناشئين). جرب أسامة عدداً من الرياضات القتالية مثل الملاكمة والتايبوكس والكاراتيه، إلى أن استقرّ على التايكواندو، وبدأ بالتطور فيها حتى حصل على الحزام الأسود منذ خمس سنوات وعلى عدد من الميداليات في البطولات المفتوحة.
وفاز أسامة ببطولة الدنمارك للشباب أربع مرات (2006 – 2007 – 2008 – 2009)، وتوّجها ببطولة اسكندنافيا المفتوحة للشباب (2009)، ولكنه أصيب في التدريب في منتصف (2009)، فتوقف عن اللعب حتى منتصف (2010).. وعندما عاد إلى الحلبات فاز ببطولة اسكندنافيا المفتوحة للرجال (2010).
في العام 2012، سيكون أمام أسامة عدداً من المشاركات، حيث فاز بالتصفيات التمهيدية لبطولة الدنمارك، وسيشارك في المباريات النهائية في أواخر عام 2012، ويأمل بالفوز بالبطولة. كما سيشارك قريباً بالتصفيات الموصلة إلى المشاركة في بطولة أوروبا.
ماذا عن الدراسة؟
علامات أسامة الدراسية أهّلته ليدرس طب الأسنان في جامعة كوبنهاغن، وبات الوقتُ مسألةً تحتاج إلى تنظيم، ولم يعد مفتوحاً كما كان أيام الدراسة الثانوية، فبات الوقت المخصص للتدريب يمتدّ أو يختصر بحسب امتحانات الجامعة، لكنه يستطيع حتى الآن تحقيق التوازن، ولا يعاني أي مشكلة في هذا المجال، إلا أنه يؤكد أنه إذا ما وصل إلى ضرورة الاختيار فإن الأولوية للدراسة وليس للبطولات، وتظل الرياضة أساسية في حياته.
زيارة لبنان والمخيمات:
زار أسامة لبنان في صيف 2011، وشارك في مخيم «شباب أوروبا من أجل فلسطين» لمدة عشرة أيام. استمتع أسامة بالتجربة واستفاد منها، وكان البرنامج المكثّف متنوعاً ومفيداً، حيث شارك في المخيم نحو ثلاثين شاباً من مختلف دول أوروبا، والتقوا شخصيات سياسية وأكاديمية وإنمائية وفعاليات فلسطينية، وتوّجوا المخيم، كما يقول في «أكثر نشاط أعجبنا وأثّر فينا جميعاً، وهو اليوم التطوّعي في مخيم برج البراجنة، إذ شاركنا في تحسين وتنظيف مدخل المخيم وساهمنا في ربط أشرطة الكهرباء المتدلية فوق المارّة في الزواريب، بل وشاركنا في جنازة شاب توفي في ذلك اليوم بسبب صعقة كهرباء».. وسيستكمل «شباب أوروبا» مشروع دعم الكهرباء في مخيم برج البراجنة، ويقومون بجمع التبرعات في أوروبا لتأمين مبلغ يحلّ هذه المشكلة في المخيم.
ويأمل أسامة بتكرار تجربة هذا المخيم، وينصح كل فلسطينيي أوروبا بزيارة مخيمات لبنان، للاطلاع على أوضاع أهلها وتقديم الدعم لهم ومعايشة معاناتهم، لاستشعار الواجب الملقى عليهم في سبيل دعم القضية الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين.
ويؤمن أسامة بأن القوة الكامنة في الشباب يمكن أن تحقق الكثير «وعلى كل شاب أن يبحث في ذاته، فالله خلق في كل إنسان موهبةً، عليه أن يجدها ليحسنها ويطوّرها ويحقق التميّز فيها... فدور الشباب لا يقف عند التلقي، بل هم قادة التغيير في العالم».
حق العودة:
أسامة الذي حقق مراتب مهمة في الرياضة، ويدرس طب الأسنان، والمستقبل أمامه «سالك ومشرق»، ماذا يقول في حق العودة؟
يرد من دون تردد: حق العودة حتمي ولا يمكن التفاوض عليه.
ولكن، هل ستترك ما أنت فيه لتعود إلى فلسطين؟ سألته.
قال: المبدأ هو استعادة حقي في العودة، وأنا مصرّ على العودة إلى فلسطين.. وسأكون في المكان الذي أفيد فيه قضيتي أكثر..
المصدر: لاجئ نت