جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
النكبة .. جرحٌ ينزف في جسد المقدسات
هدم وطمس وتهويد، كلها أساليب وطرق خبيثة استخدمتها العصابات الصهيونية بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية بهدف تغيير وجه معالم فلسطين الحقيقية منذ عام 48 في حادثة اصطلح على تسميتها " النكبة" ليستمر المشهد حتى يومنا هذا على يد المؤسسة الإسرائيلية واذرعها المختلفة . وتتعرض المقدسات الإسلامية والمسيحية إلى عمليات بطش شديدة نالت من ظاهرها حينا ولم تنل من باطنها في غالب الأحيان على الرغم من المحاولات المتواصلة والجهود الحثيثة التي تبذلها المؤسسة الإسرائيلية كل يوم لسلخ هذه المقدسات عن الحاضر الإسلامي والعربي . اعمار في وجه الدمار وفي مسعى منها لحماية المقدسات ، تقوم مؤسسة "الأقصى للوقف والتراث" في الداخل الفلسطيني بدور رياديّ في سبيل الحفاظ على المقدسات وصيانتها وذلك من خلال مشروع " الصيانة الدائم للمقدسات" الضخم والذي تعكف عليه منذ نشأتها قبل سنوات طويلة ، حيث تقوم بعمليات ترميم للمعالم الإسلامية بالإضافة إلى رشّ المقابر بالمبيدات العشبية ، بهدف التأكيد على الحق الإسلامي والعربي فيها وتثبيت أصلها وماضيها العريق في ظل محاولات التهويد المستمرة . وتقوم مؤسسة "الأقصى" بزيارات ميدانية متواصلة على مدار العام لجميع المقدسات والمعالم الإسلامية والمسيحية بهدف الاطلاع على واقعها ورصد كافة المستجدات التي قد تطرأ عليها من قبل المؤسسة الإسرائيلية إلى جانب الانتهاكات التي باتت أمرا اعتياديا ترتكبه الجماعات اليهودية وغيرها من أذرع المؤسسة الإسرائيلية . وخلال زياراتها الميدانية عاشت مؤسسة "الأقصى" حكايات مؤلمة ومتعددة مع المقدسات الإسلامية والمسيحية ، فلم تبقِ المؤسسة الإسرائيلية مسجدا أو كنيسة أو مصلى أو مقام الاّ وتركت فيه جرحا بات 65 عاما ينزف ويقطر دما . قصص ونماذج ولمسجد عين كارم كما مسجد صفد حكاية قهر لا تنتهي ، حيث يعاني المسجدان من الإغلاق الدائم وتحويلهما إلى غير أهدافهما ، فالأول تم إغلاقه وتحويله إلى مكان مهجور ووكر لسوائب الإسرائيليين يشربوا فيه الخمور ويمارسوا فيه الرذيلة ، والثاني إلى متحف يهودي يحوي صورا وتماثيل تخدش الحياء وتتنافى مع قدسية المكان. ولم يغب مشهد التهويد عن مصلى " أبو هريرة " في قرية " يبنا " قضاء الرملة ، حيث حولته المؤسسة الإسرائيلية إلى كنيس يهودي يرتاده اليهود المتدينون " الحريديم" ليمارسوا فيه "طقوسهم وشعائرهم التلمودية" حول قبر زعموا زورا وبهتانا انه يعود لحاخام يهودي يدعى " جبرائيل" . وعلى الرغم من أساليب طمس الحقيقة الاّ إن الأخيرة تأبى أن لا تختفي ، فبطراز البناء المملوكي والآيات القرآنية الظاهرة للعيان والتي تزيّن المصلى ، تبقى خير شاهد على إسلاميته الخالصة . ومع ارتباط جنوبي البلاد بشماليّها ، تتصل معاناة مسجد قرية " عمقا" قضاء عكا والذي تعرض هو الآخر إلى عمليات طمس وتهويد ظلّت جدرانه وقبّته شاهدة عليها ، بالإضافة إلى الانتهاكات المستمرة بحقه والشعارات المسيئة للعرب والمسلمين والتي كشفتها مؤسسة الأقصى خلال جولتها الأخيرة . معطيات وأظهرت معطيات توصلت إليها "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" أن 2350 مكانًا مقدسًا إسلاميًا ومسيحيًا تعرضت للتدنيس من قبل الاحتلال الإسرائيلي في القرى المهجرة وبلدات الساحل في الداخل الفلسطيني. وأوضح عبد المجيد اغبارية، مسؤول ملف المقدسات في المؤسسة ، أن مشروع المسح والتوثيق للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القرى المهجرة عام 1948، والذي أنجز القسم الأول منه، توصل إلى أن 1350 موقعًا مقدسًا تم توثيقها وتشمل مقابر ومساجد وكنائس ومصليات في شمال الداخل الفلسطيني من قيساريا خط عرض إلى أقصى الشمال، تعرضت للتدنيس والهدم الكلي والجزئي من قبل المؤسسة الإسرائيلي. ولفت اغبارية النظر إلى أن القسم الجنوبي من الداخل يحوي ما يقارب ألف موقع مقدس تعرض كذلك للتدنيس، وأن الدراسة شملت المدن العربية الساحلية وهي عكا ويافا وحيفا واللد والرملة، في حين أن الدراسة لم تتطرق إلى المقدسات في باقي البلدات العربية التي تعرضت للتخريب. تدمير وتهويد وأشار اغبارية إلى أن التقارير الأولية تؤكد أن هناك مئات المقابر ومئات المساجد قد تم تدميرها كليا، والقسم المتبقي لم ينج من انتهاكه على يد المؤسسة الإسرائيلية، في حين حولت عشرات المساجد إلى مطاعم وخمارات ومتاحف وكنس. وتطرق إلى نماذج من هذه المساجد كمسجد قيساريا ومسجد عين حوض والخالصة والتي تعرف اليوم (كريات شمونة) ومسجد البصة حولت إلى مطاعم وخمارات وأخرى حولت إلى متاحف وقاعة حفلات وتعاطي مخدرات فين حين حولت بعد المساجد لكنس يهودية كمسجدي الست سكينة ومسجد قرية ياقوق في طبريا. كما وأقدمت المؤسسة الإسرائيلية، طوال الأعوام الماضية على عمليات نبش المقابر الإسلامية والبناء عليها كمقبرة قرية زرنوقة قضاء الرملة، حيث تم جرف المقبرة ونبش عظامها لتمرير شارع عليها، في حين أقيم فندق "هيلتون" على أنقاض مقبرة عبد رب النبي في يافا، كما وقامت بنبش مقبرة أم الرشراش (إيلات) وأزالها من موقعها بهدف تحويل المقبرة إلى مقبرة يهودية، وأقام حيًا سكنيًا على أنقاض مقبرة سلمة في يافا بعد نبش المقبرة وأزالت كل العظام من داخلها. وأكد مسؤول ملف المقدسات في "مؤسسة الأقصى" أن "هناك العشرات من المساجد والمصليات والكنائس التي لا تسمح المؤسسة الإسرائيلية بترميمها، وهي تتآكل شيئا فشيئا، حيث تمنع القوانين الإسرائيلية إعادة ترميم أي موقع من هذه المواقع، وبذلك تكون المؤسسة الإسرائيلية قد حكمت على هذه المواقع بالهدم البطيء".
المصدر: فلسطينيو 48