"دير مار سابا".. معلم أثري بارز تزخر به بيت لحم
لا تكاد تختفي تلك المعالم الفنية الدقيقة في البناء لدير مار سابا الواقع في بلدة العبيدية شمال محافظة بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة، في تلّة تفصل وادي النار عن البحر الميت في الجهة الشرقية للمحافظة.
وأمسى هذا الدير الآن في منطقة نائية بعيدًا عن السكن، بعدما كان محيطه في مرحلة من التاريخ عامرًا بالمساكن، خاصة في الكهوف التي تنتشر بشكل كبير في محيطه وفي سفوح الجبال والأودية القريبة منه في منطقة شرقي بيت لحم.
ويشير الباحث في شؤون الآثار أسامة العيسة إلى أن هذا الدير منحوت جزء منه في الصخور، ويعدّ من أبرز المعالم الأثرية في برّية بيت لحم، ويعود تاريخه إلى نحو عام 484م، وهو مبني بشكل فني لافت، ويطل على جبال ووديان وكهوف توحي بالتفرد والشموخ والقسوة والوحشة معًا.
ويقول: "هذا الدير واحد من المعالم التاريخية التي تشير إلى القديسين والثوار والملوك والأباطرة الذين عاشوا في المنطقة، وهو يدل على آثارهم، إضافة إلى عدد من المقامات الإسلامية التي مازال بعضها صامدًا، رغم الصراع الذي استمر قرونًا بين الشرق والغرب وعاشته الأرض المقدسة".
سيطرة يونانية
ويقيم في هذا الدير حاليًّا عدد من الرهبان، يعيشون حياة بدائية، دون استخدامهم أي نوع من التكنولوجيا، كالكهرباء أو أدوات رفع المياه التي ينقلونها على أيديهم، وفق ما يبين العيسة واصفًا هذه الحياة بالتقاليد التي يصر الرهبان على الحفاظ عليها في هذا المعلم.
ويكشف عن منع دخول النساء إلى الدير، وكانت أقيمت غرفة صغيرة عند مدخله، رُوي أن صاحب الدير "القديس ساب" كان يستقبل والدته فيها، ورفض إدخالها الدير؛ خوفًا من تهدّمه، كما تشير الروايات.
ويبين الباحث العيسة أن ملكية الدير والسيطرة عليه الآن خاضعة للصراع والمنافسة بين المسيحيين الغربيين والعرب، إذ يسيطر عليه رهبان أرثوذكس أغلبهم من اليونان، ومنهم من جنسيات مختلفة.
ويتابع: "يوجد الآن في الدير راهب أميركي أرثوذكسي"، مؤكدًا أنه يتخذ موقفًا سلبيًّا من الفلسطينيين العرب مسلميهم ومسيحييهم، مشيرًا إلى أن المسيحيين العرب بدؤوا نضالهم لاستعادة الكنائس الأرثوذكسية في فلسطين منذ عام 1872م، في وقت لا تزال فيه قضيّة تعريب الكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين _ومن بينها (دير مار سابا)_ من أكثر الأمور تعقيدًا في تاريخ كنائس فلسطين المعاصر.
ويكشف العيسة عن أخطار استفراد اليونان في إدارة هذه الكنيسة بانعكاسات وطنية، خاصة أنّه تنسب إلى البطريرك الراحل ثيودوراس بيع وتأجير أراض كثيرة تابعة لأوقاف الكنيسة لسلطات الاحتلال، إضافة إلى حالة الاستنكار العامة لدى المسيحيين العرب من سيطرة أقلية على هذه الكنيسة، واستثناء الأكثرية الذين تمتدّ أصولهم إلى الأرض المقدسة.
ويؤكد امتداد عربية هذا المعلم، من خلال إنجاز رهبان الدير أول ترجمة عربية للأناجيل في القرن التاسع الميلادي، إضافة إلى أن (يوحنا الدمشقي) المسمى منصور بن سرجون العربي الأصل كان من أشهر من سكن هذا الدير.
وهذا الدير لا يزال يحمل بين ثناياه المعالم التاريخية والتراثية الفلسطينية، إلا أن الاحتلال لا يزال حاضرًا في محيط هذا الدير، إذ يحوّله إلى منطقة عسكرية، إضافة إلى تحويله مناطق قريبة إلى معسكرات لجيشه، ما يشكل عائقًا يحول دون قدرة الكثير من السياح الأجانب والفلسطينيين على ارتياد هذه المنطقة، وزيارتها والاطلاع أكثر على تفاصيل التاريخ والإرث الإسلامي والمسيحي الذي تزخر به المنطقة.
المصدر: فلسطين أون لاين