المجاهد القومي أكرم زعيتر.. أمين ذاكرة الأمة
الثلاثاء 1/مايو/2007 الساعة 7:51 صباحًا
+
صحيفة الوطن القطرية
أعترف بداية بأن صاحب هذه السيرة يحتل مكانة سامقة في قلبي وعقلي لا أفصل بينهما فكل منهما يكمل الآخر.
أما الجانب العقلي فيتمثل في موضوعية صاحب هذه المكانة، وسيرة حياته المضمخة بطيوب النضال والتاريخ والجهاد والصحافة والبلاغة والدبلوماسية والعروبة.. رحلة طويلة ومضنية بطلها وفارسها المجلي أكرم زعيتر، آخر العمالقة العرب الذي رحل عن دنيا الفناء إلى دنيا الخلود والبقاء قبل أحد عشر عاماً وتحديداً في الحادي عشر من شهر إبريل عام 1996م. والذي يعتبر بحق أحد أبرز الأعلام العرب في الفترة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى العقد الأخير من القرن العشرين.
وقد ارتبطت حياته الخصيبة مع رفاقه من الرواد الأوائل بحركة التحرر العربي في سورية والعراق ومصر ولبنان وفلسطين الهادفة لاستقلال الأقطار العربية وتحقيق وحدتها.
وبالنظر لروحه العربية القومية النابذة للشعوبية وللقُطرية فقد ظل طول حياته يعتبر القدس في دمشق، والقاهرة في بيروت وعمان في القاهرة والدار البيضاء لا فرق بين قُطر عربي وآخر إلا في خطوط الطول والعرض فحسب.
أما المكانة السامقة التي يحتلها هذا المقال في قلبي فتعود لعلاقتي الروحية والوجدانية بصاحب هذه السيرة التي امتدت نحو أربعة عشر عاماً، ابتدأت في عام 1982 لكنها لم تنته بارتقاء زعيتر إلى الرفيق الأعلى بل هي ما برحت ممتدة في أعماقي وما انفككت اذكره وأدعو له بكل خير ضمن المنظومة الأخوية التي أحببتها وأحبتني في الله والتي تشمل الأحياء والأموات معاً.
الصحفات اللاحقة ستنقل القراء إلى عالم هذا العملاق العربي الوحدوي والذي من حق الجيل العربي الحالي أن يتعرف عليه باعتباره رمزاً خالداً النضال امتنا العربية في فترة مفصلية من حياتها.
البلغاء يصيبهم العيُّ إذا ما حاولوا الإحاطة حتى ببعض معالم السيرة الخصبة لرجل من طراز أكرم زعيتر.
حسبه ونسبه
ينتسب أكرم زعيتر إلى مدينة نابلس الفلسطينية التي ولد فيها عام 1909 ونظراً لعراقة هذه المدينة الباسلة في النضال ضد الاستعمار البريطاني والصهيونية العالمية فقد أطلق عليها زعيتر لقب «جبل النار» وذلك نعتا لهذا الجبل وأبنائه البواسل.
وأسرة زعيتر عريقة المحتد والأرومة ووالد أكرم هو المرحوم الشيخ عمر حسن زعيتر (1872 – 1924) رئيس بلدية نابلس ومؤسس نهضتها العمرانية وأخوه العلامة المرحوم عادل زعيتر (1895 – 1975) عميد المترجمين العرب في زمانه غير البعيد، أما ابن أخيه فهو الأديب الشهيد وائل زعيتر ممثل حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» في إيطاليا والذي اغتاله أحد مجرمي جهاز الموساد الإسرائيلي في روما عام 1975م.
تلقى أكرم تعليمه الابتدائي والثانوي في كلية النجاح (جامعة النجاح فيما بعد) ثم انتسب إلى الجامعة الأميركية في بيروت ومن ثم إلى كلية الحقوق في القدس حيث تخرج فيها حاملاً شهادة الحقوق.
تأثر الفتي أكرم في باكورة حياته تأثراً كبيراً بالقرآن الكريم، حيث تعمق في دراسته وفهمه وحفظ أجزاء عديدة منه.
ثم تأثر بكتاب «نهج البلاغة» للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. كما تتلمذ على الجاحظ وابن المقفع وأبي حيان التوحيدي، وابن حزم. كذلك على شقيقه الأكبر عادل زعيتر وعلى أديب العربية محمد إسعاف النشاشيبي (1885 – 1948م) وعلى أمير البيان شكيب أرسلان (1869 – 1946) وغيرهم من عمالقة اللغة والأدب والبيان.
لكنه ارتبط برباط خاص ووثيق بالأديب المعروف المربي خليل السكاكيني (1878 – 1953) أحد أبرز الشخصيات الفكرية الفلسطينية، وكان أكرم طوال حياته يتباهي بتتلمذه على هذا المفكر التربوي الكبير الذي سبق الفكر التربوي الحديث في آرائه ونظرياته في مجال التربية والتعليم، وقد بلغ من تأثر التلميذ بأستاذه أن أطلق اسم «سري» على باكورة أبنائه تشبها بخليل السكاكيني الملقب «بأبي سري» وبالمناسبة فإن كثيراً من العامة يلفظون اسم «سري» بكسر السين وكسر وتشديد الراء بمعني الكتمان. وهذا خطأ والصواب «سَرِيْ» بفتح السين وكسر الراء بدون تشديد وتعني السيد أو الإنسان البارز في قومه وجمعها «سراة».
اشتغل أكرم في مقتبل حياته في سلك التدريس بمدرسة النجاح ذاتها التي تخرج فيها إلى جانب عمله في إحدى الصحف المحلية، وعندما اشتعلت ثورة عام 1929 في فلسطين استقال من عمله وألقى بنفسه في خضم النضال الوطني، واختط لنفسه خطاً قومياً عربياً صحيحاً لا اعوجاج فيه، وأن القومية العربية التي اعتنقها زعيتر وآمن بها وعمل من أجلها كانت ذات نزعة إسلامية صرفة وفق المعايير الإسلامية، ومحاربة التيارات الوافدة والاتجاهات المعادية للعقيدة السمحة. وكان من دعاة التضامن الإسلامي ضمن مجموعة من المخلصين الذين نهجوا منهجه.
ونشر أفكاره يومئذ في جريدة «مرآة الشرق» المقدسية لصاحبها بولس شحادة، ولم يمكث بها طويلا حتى استقال من منصبه حيث قبض عليه من لدن السلطات البريطانية وأودع السجن بتهمة انخراطه في العمل ضد سلطات الانتداب البريطاني وحكم عليه بالإبعاد من القدس إلى نابلس فصادف يومذاك إعدام الشهداء الثلاثة فؤاد حجازي ومحمد جمجوم وعطا الزير فقاد المظاهرات التي اشتعلت ضد الانجليز بسبب إعدام الشباب الثلاثة.
وبعدئذ أسس مع عدد من رفاقه حزب الاستقلال في فلسطين عام 1933 الذي نادى بمقارعة الانتداب البريطاني وتوجيه المقاومة العربية توجيها سديداً بعيداً عن العصبية العائلية فكان أكرم أحد مؤسسيه وكان من جملة أقطاب الحزب عوني عبد الهادي، محمد عزت دروزة، صبحي الخضراء، رشيد الحاج إبراهيم، الدكتور سليم سلامة، فهمي العبوشي، حمدي الحسيني، حربي الأيوبي وعجاج نويهض وغيرهم.
كما طالب يومئذ بتغيير أساليب النضال وضرورة الإعداد الجيد لانبعاث حركة جهاد ثورية قائمة على أسس من التفاني والتضحية وتعبئة الشباب الفلسطيني للانخراط في دائرة الكشافة تمهيدا لممارسة النظام العسكري الفاعل لمواجهة الخطر الصهيوني المرتقب، والذي يهدد الأمن القومي العربي برمته.
كما شارك زعيتر في تأسيس «عصبة العمل القومي» في سورية ولبنان. وفي تلك الآونة قام حزب «الاستقلال» بإيفاده إلى بغداد ليمثله في رثاء الملك فيصل عام 1933، حيث عمل على تأسيس «نادي المثنى» و«الجوال القومي»، وقد اعتقلته السلطات البريطانية عدة مرات بالنظر لنشاطاته الوطنية ومن ضمنها توليه أمانة سر اللجنة الوطنية بنابلس على إثر ثورة 1936 وتعبئة الجماهير العربية ضد السياسة الاستعمارية البريطانية، وأثناء مطاردة تلك السلطات له اضطر للجوء إلى دمشق ومنها إلى بغداد للمرة الثانية حيث شغل منصب «مفتش معارف» وعندما أخفقت ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد الانجليز عام 1941 لجأ أكرم ومجموعة من أصدقائه إلى بادية الشام ومن ثم إلى الأناضول بتركيا، حيث قضى سنوات الحرب لاجئاً سياسيا فيها حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية في استنبول ثم في عدد من المدن التركية.
وبعد إعلان استقلال سورية في عام 1946 عاد إليها منتشياً بفرحة النصر السوري، وأصبح مقرباً من الرئيس السوري شكري القوتلي وعمل مستشاراً للوفد السوري لدى جامعة الدول العربية بالقاهرة، وعضواً دائماً في لجنة فلسطين بالجامعة ذاتها.
في عام 1947 ترأس أكرم زعيتر وفداً عربياً إلى أميركا اللاتينية لشرح قضية فلسطين التي كانت تواجه يومئذ أصعب فترة في تاريخها، وأصدر بعدئذ كتابه «مهمة في قارة» واشترك في معظم المؤتمرات الوطنية والإسلامية المنعقدة في الشرق العربي، ثم تولى أمانة سر الندوة الإسلامية في دوراتها الثلاث التي عقدت في بيت المقدس عام 1959. ومثّل الأردن في الدورة السادسة عشرة للأمم المتحدة وفي عام 1963 عين سفيراً للأردن لدى سورية ثم سفيراً للأردن لدى إيران وأفغانستان، وفي عام 1966 عين وزيراً للخارجية الأردنية، وفي عام 1967 أصبح عضوا في مجلس الأعيان ثم وزيراً للبلاط الهاشمي، وفي عام 1971 أصبح سفيراً لدى لبنان واليونان حتى عام 1975 وعاد بعدئذ عضواً بمجلس الأعيان الأردني، وكان كذلك عضواً في مجمع اللغة العربية الأردني وعضواً مراسلاً في مجمع اللغة العربية بدمشق، كما كان عضواً في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية مؤسسة آل البيت ورئيساً للجنة الملكية لشؤون القدس.
اقرأ المزيد عبر المركز الفلسطيني للإعلام:
https://palinfo.com/news/2007/05/01/57859/