تقع في الجليل الأعلى، عند التقاء دائرة العرض 32,58 شمالاً وخط طول 35.29 شرقا، تبعد 29 كم عن الحدود اللبنانية، وهي ذات موقع استراتيجي. حرصت جميع الغزوات الأجنبية على السيطرة عليها، نظراً لوقوعها على الطريق الواصلة شمالاً إلى دمشق، ولكونها، في بعض الأحيان، عاصمة للجليل، بالإضافة إلى أهميتها التجارية، فقد كانت في الماضي محطة من محطات البريد بين الشام و مصر.
سنة 1140م احتلها الصليبيون وأقاموا فيها قلعة صفد الشهيرة، التي كانت تسيطر على شمال الجليل، وطريق عكا، وطريق دمشق. سنة 1188م استولى عليها صلاح الدين الأيوبي. سنة 1240م تنازل عنها الصالح إسماعيل صاحب دمشق، إلى الصليبيين ك"عربون صداقة"، وتحالف ضد الصالح أيوب في مصر، والناصر داوود في الأردن. سنة 1266م استردها الظاهر بيبرس المملوكي. أعاد الصليبيون تحصين المدينة في القرن ال12 للميلاد وسقطت بيد بيبرس في 1266.
في مطلع أيار عام 1948 كان اليهود قد سيطروا على قريتي عين الزيتون وبيريا وقد نجحوا بذلك بكسر الحصار العربي على الحي اليهودي في صفد، وتحويل الوضع إلى وضع معاكس، بحيث أصبحت الأحياء العربية هناك تحت الحصار. وفي ظل هذه الظروف كان أمر سقوط صفد هو مسألة وقت ليس إلا خاصة إزاء الإصرار اليهودي على ذلك وذلك تمهيداً لبسط السيطرة اليهودية على الجليل الأعلى بكامله.
وعن أهمية كسر شوكة أهل صفد من العرب كمقدمة للسيطرة على الجليل الأعلى، قال يغئال ألون، قائد قوات "البالماح" التي تولت مهاجمة المدينة، في توجيهاته للقوات المهاجمة: " إن عرب صفد هم العامل الأقوى في منطقة الجليل الأعلى، وعليه فإن احتلال صفد، سيخفف إلى حد كبير، من صعوبة احتلال أماكن أخرى في الجليل الأعلى وإصبع الجليل". وبغرض تجميع القوات اللازمة لهذه العملية قامت القيادة اليهودية بوضع لواء ألون 11 من قوات "جولاني" ولوائين من قوات "البالماح" تحت تصرف يجئال ألون الذي اخذ يتحين الفرص للانقضاض على الأحياء العربية من مدينة صفد واحتلالها.
في اليوم السابع من أيار قام أديب الشيشكلي بوضع خطة لمهاجمة الحي اليهودي وكسر الحصار، حيث بدأت بطارية المدافع التابعة لجيش الإنقاذ والمرابطة برأس التينة ووادي الطواحين بقصف الحي اليهودي تمهيداً لاقتحامه. وعلى أثر ذلك قامت القوات اليهودية بشن هجوم مضاد في الثامن من الشهر ذاته. نجح المدافعون العرب بصده بشق الأنفس. لكن القوات اليهودية أعادت الكرة في هجوم شامل حمل اسم "عملية يفتاح" بدأ في العاشر من أيار واستمر في الحادي عشر منه. وفي نهايته نجحت القوات اليهودية ببسط سيطرتها على المدينة العربية بعد أن أخلتها سرايا جيش الإنقاذ في اليوم الأول للهجوم ولم يبق في المدينة إلا عشرات من المقاتلين المحليين، وبعض المتطوعين العرب الذين تحصنوا في مبنى القلعة وقاتلوا حتى النفس الأخير.
ودخلت القوات اليهودية صفد بعد أن تم تهجير أهلها تحت وقع القتال المرير الذي دار هناك. استشهد في عملية الدفاع عن صفد قرابة 100 شهيد وجرح العشرات، وقد تم أسر بعض الشباب ووضعهم في المعتقلات حتى تم إطلاق سراحهم بعد التوقيع على اتفاقيات الهدنة.
في العهد البريطاني كان قضاء صفد يضم 69 قرية، والعديد من العشائر.
شهدت مدينة صفد زلازيل مدمرة على طول تاريخها، كانت أقواها في 1759 وفي 1 يناير 1837. أسفرت زلزال 1759 عن مصرع مائات من سكان صفد، بينما أسفرت زلزال 1837 عن مصرع 2000 نسمة تقريبا وإلحاق أضرار كثيرة في مباني المدينة، وكذلك عن اندلاع أوبئة أوقعت المزيد من الضحايا.
السكان والنشاط الاقتصادي
بلغ عدد سكان مدينة صفد في عام 1922، 8761 نسمة، وبهذا ينخفض هذا العدد عما كان عليه في عام 1908 حوالي 10000 نسمة، يرجع ذلك إلى الظروف السيئة التي تعرض لها سكان المدينة من الأوبئة والمجاعات، وفي عام 1931 وصل عدد سكان المدينة إلى 9441 نسمة، وفي عام1945 قدر عددهم 11930 نسمة، وفي أواخر عهد الانتداب البريطاني وصل عددهم إلى 13386 نسمة، أما في عام 1948 فقد اجبر سكان المدينة على الهجرة حيث بلغ عدد سكان المدينة 2317 نسمة، بسبب تدفق اليهود 1949 ليرتفع عددهم في عام 1954 على المدينة، حيث بلغ عددهم 4000 يهودي ثم ارتفع إلى 5500 نسمة عام 1950 ثم إلى 15000 نسمة عام 1966، وقد مارست مدينة صفد العديد من النشاطات الاقتصادية مثل:
الزراعة: حيث زرعت الأراضي الجبلية المحيطة بمدينة صفد بأشجار الزيتون والعنب والتبغ والأشجار المثمرة الأخرى والخضر والحبوب، وأهم المحاصيل التي تنتجها صفد الزيتون والعنب والتين والبطيخ والمشمش والبرقوق والخوخ والكمثرى والبرتقال.
الصناعة: توجد في المدينة الصناعات الغذائية والسجائر والدراجات والمطابخ. التجارة: نظرا للموقع الجغرافي الهام التي تتمتع به مدينة صفد فإن الحركة التجارية قد نشطت بسبب كونها مركزا سياحيا ومصيفاً مشهورا من مصايف فلسطين، فهي غنية بالمعوقات السياحية، كالمناظر الطبيعية الجميلة والأشجار الباسقة والأماكن التي تروج الحركة وتنشط المواصلات، وتعج صفد بالأسواق التي يأتي إليها السكان من المناطق المجاورة للبيع والشراء في زمن المماليك، أصبحت صفد إحدى النيابات في بلاد الشام، ومحطة بريد بين مصر والشام، ويصل إليها الحمام الزاجل في مصر. سنة 1516م انتصر السلطان سليم الأول العثماني على السلطان قنصوة الغوري المملوكي في موقعة مرج دابق، وخضعت صفد سنة 1517م للعثمانيين. بتاريخ 24/4/1948م احتلتها المنظمات الإسرائيلية المسلحة وطردت أهلها الفلسطينيين إلى لبنان وسوريا.
النشاط الثقافي في مدينة صفد
في عهد الانتداب البريطاني، ضمت صفد ثلاث مدارس، وخاصة في العام الدراسي1942/ 1943 مدرستين ابتدائيتين وأخرى ثانوية، وارتفع هذا العدد في العام الدراسي 1946/ 1947 ليصل إلى خمس مدارس، ثلاث مدارس للبنين ومدرستين للبنات .
تأسست المدرسة الرشيدية في صفد عام 1895م، حيث ضمت عام 1898م-1316هـ نحو 27 طالبا يعلمهم معلم واحد، أما في عام 1318هـ-1900م ارتفع هذا الرقم إلى 30 طالبا مع معلم واحد، أما المدرسة الإعدادية التي بناها الإنكليز عام 1300هـ- 1883م فقد ضمت 51 طالبا.
بالإضافة إلى المدارس فقد ضمت صفد العديد من الجمعيات والنوادي الرياضية ومن الجمعيات كان هناك: 1. جمعية اليقظة العلمية التي تدعو إلى التفتح الوطني والوعي القومي . 2. الجمعيات السرية وهدفها تصفية العملاء أو بعض عناصر النظام البريطاني أو الصهيوني مثل جمعية الكف الأحمر وغيرها .
أما النوادي الرياضية فكان هناك، النادي الرياضي الإسلامي، بالإضافة إلى وجود نشاط مسرحي إقليمي . وفي الحرب العالمية الأولى، بلغ عدد المدارس في مركز القضاء وفي جميع ملحقاته 10 مدارس رسمية و 22 مدرسة غير رسمية، وكان في قصبة صفد ثلاث مدارس للذكور، إحداها للحضانة ومدرسة واحدة للإناث ، كان في مدرسة الذكور الابتدائية الأولى 150 طالبا وفي الثانية 70 طالبا وفي الحضانة 60 صبيا، وفي مدرسة الإناث التي تقرر تفريقها إلى مدرستين 150 طالبة.
اعلام المدينة
ينسب إلى صفد عدد من العلماء باسم الصفدي. حكم صفد الشيخ عمر بن زيدان، الشهير باسم ( الشيخ عمر الزيداني ). ابنه الشيخ ظاهر العمر الزيداني ولد في صفد. وتمرد على العثمانيين وحكم الجليل وعجلون، هو وأبناؤه مدة ثمانين سنة، وتحالف مع آل شهاب في لبنان ضد الأتراك، ولكن تركيا قضت عليه. محمود عثمان، عبد الله الشاعر، المحامي عارف حجازي، المحاميان عبد الرحمن وعبدالغني النحوي، زكي قدورة، سعيد مراد، عبد سليمان اللحام، علي رضا النحوي، الشيخ أحمد حامد النحوي، وابن صفد البار صبحي الخضراء، والاستاذ الشاعر والاديب محي الدين الحاج عيسى، والاستاذ عزالدين الحاج عيسى سكنها الزاهد شيخ الصوفية أحمد بن عطاء ، وكان شيخ بلاد الشام في ذلك الزمان. وقد دفن في صفد سنة 369هـ. و الشيخ شهاب الدين أحمدبن موسى بن خفاجة الصفدي والمتوفي في صفد سنة 750هـ،وهو الفقيه وعالم الدين واللغة، المفتي والقاضي في صفد، وهو الجد الأعلى لعائلة النحوي المعروفة في صفد، وقد اورث علوم اللغة والافتاء والقضاء لأبناء عائلته إلى ان سقطت صفد بيد المحتل الغاصب سنة 1948، و أيضاً من علماء صفد: نقيب السادات الأشراف بصفد السيد الشريف مصطفى سعد الدين بن محمد السعدي الجباوي الإدريسي الحسني من أحفاد القطب الكبير والعارف الشهير الشيخ سعد الدين الجباوي الحسني الحسيني المكي الهاشمي السعدي الجباوي الإدريسي الحسني، ولد في صفد ودرس على والده وعلى علماء صفد، ثم رحل إلى الأزهر فتلقى على أجلاء علمائه، وعاد إلى مدينة صفد فتصدر علماءها الأعلام، وجلس على سجادة السادة السعدية في صفد، وفي عام 1332هـ (1914م) أنيطت به وظيفة نقابة السادة الأشراف. وكان نسابة السادة السعدية كافة في بلاد الشام، توفي عام 1355هـ (1936م) عن ثمانين عاما تقريبا. و أيضاً القاضي الشيخ سليمان سعد الدين { السعدي الجباوي } و هو خريج جامعات إستنبول ، توفي و دفن بعد النكبة في مدينة أجداده دمشق .
المصادر : "الطريقة السعدية في بلاد الشام"
تأليف: محمد غازي حسين آغا