إحدى العائلات العريقة في صفد.وبحسب وثائق العائلة فإن أصلها من الحجاز، ومن هناك انتقلت إلى بلدة أذرع في حوران. ومن أذرع هاجر جد العائلة، الشيخ شهاب الدين أحمد بن موسى الخفاجي الحلقي الأذرعي، إلى صفد في منتصف القرن السادس عشر، حيث استقبله حاكم المدينة بالترحاب وساعده في الإقامة بها ووهبه مزرعة في جبل كنعان عرفت باسم خربة بنيت.
عُرف أبناء العائلة آنذاك باسم آل الحواني، أو آل الخفاجي، وفيمابعد غُيّر الاسم إلى النحوي. كان الشيخ أحمد، الملقب بالقطب، شيخاً صوفياً وورعاً من كبار مشايخ الطريقة الرفاعية وقد عمل على نشر الطريقة في صفد وقضائها.
دُفن الشيخ أحمد بعد وفاته في مسجد حارة الجورة الذي أصبح يعرف باسمه : مسجد القطب الخفاجي. وقد سارت ذريته على دربه في التخصص بالعلوم الدينية، فظهر منها عدة علماء بارزين ومفتون وقضاة، وذلك طوال العهد العثماني حتى أوائل عهد الانتداب.
وكما أشرنا في الفصل الأول، برز من أبناء العائلة، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، الشيخ عبد الغني النحوي، نائب صفد في إبان الحكم المصري للبلد. ومع نشوب ثورة 1834 نفي مع بعض زعماء ووجهاء المدينة إلى مصر، حيث تعلم في الأزهر ووصل إلى مرتبة عالية. وحين عاد من مصر عُيّن قاضيا للمدينة. كما أن أحفاده بلغوا مناصب رفيعة، وكذلك أبناءهم الذين برز منهم الشيخ محمد النحوي الذي عُيّن أيضا قاضيا شرعيا، وكان له أربعة أبناءهم علي رضا وعبدالرحمن وسعيد وعبد السلام.
تزعم علي رضا العائلة وأصبح أحد قادة صفد البارزين في عهد الإنتداب. هذا على الرغم من أن العائلة خسرت في العقد الأول من الإنتداب البريطاني رئاسة المجلس البلدي التي انتقلت إلى عائلات صبح وشمّا ومراد وعبد الرحيم. وقد عمل علي رضا، خلافاً لمن سبقه من زعماء العائلة، في مجالي الإدارة والسياسة.
ولد علي رضا سنة 1890، وتلقى دراسته الرشدية في صفد، والإعدادية في بيروت. وفي سنة 1912، أنهى تعليمه العالي في الكلية الملكية في إستنبول، التي كانت تعدّ خريجيها لشغل المناصب الإدارية الرفيعة. ومنذ ذلك الحين تقلد مناصب كثيرة، منها مأمور معية الولاية في حلب سنة 1912، ومأمور معية الولاية في بيروت سنة 1913، ومن ثم مدير عدة نواح، منها ناحية القصير وناحية مشغرة وناحية الشيخ مسكين. في أواخر الحكم العثماني اتُّهم بتأييد الأمير فيصل وتم اعتقاله وتقديمه إلى القضاء، بعد ملاحظة جمال باشا له، إلاّ إنه تمكن من تبرئة ساحته. وفي عهد حكم الأمير فيصل في سورية (1918-1920) عُيّن علي رضا قائمقاماً في عدة أقضية، منها دوما والعمرانية والبداني وحاصبيا. وبعد الاحتلال الفرنسي لسورية سنة 1920 انتقل إلى الأردن، حيث عُيّن قائمقاماً في عدة مدن في شمال الأردن، ثم متصرف لواء عجلون. وفي أواخر سنة 1924، استقال من مهماته في شرق الأردن، وعاد إلى مدينته صفد. عرضت عليه سلطات الانتداب الفرنسي، بعد استقالته، العودة لتقلّد مناصب إدارية في سورية. لكنه رفض العرض، وبدلاً من ذلك أيد الثوار السوريين وساعدهم خلال الثورة السورية الكبرى (1925-1927).
عُيّن علي رضا رئيساً للمجلس البلدي في صفد سنة 1931، وبقي يشغل هذا المنصب حتى سنة 1934. ومع هذا التعيين استعادت العائلة مكانتها التي كانت ضعفت في العقد الأول من الانتداب، إلاّ إنه هُزم في انتخابات سنة 1934 أمام التحالف الكبير الذي قاده الشيخ أسعد قدّورة، مفتي صفد، وابن أخيه صلاح الدين قدّورة الذي فاز برئاسة المجلس البلدي في انتخابات تلك السنة. وتعويضا لعلي رضا عن هذه الهزيمة عيّنه الحاج أمين الحسيني في منصب مدير أوقاف عكا، الذي استمر يشغله حتى سنة 1948، باستثناء فترة وجوده في دمشق خلال الثورة.
كان علي رضا من مؤيدي المعسكر الحسيني وعضواً بارزاً في الحزب العربي الفلسطيني، وهو حزب المفتي الحاج أمين الحسيني، كما كان عضواً في اللجنة التنفيذية لهذا الحزب.
وفي أثناء ثورة 1936 كان علي رضا عضواً نشيطاً في اللجنة القومية، التي أدارت الإضراب والثورة في صفد ومنطقتها، لذلك لاحقته سلطات الإنتداب، لكنه فر إلى سورية. فهدمت السلطات بيته عقاباً له على مواقفه الوطنية.
يجب الإشارة إلى أن عائلة النحوي كانت إحدى العائلات الصغرى في صفد من حيث العدد. وبحسب أحد تقارير جهاز استخبارات الهاغانا، في تشرين الأول/أكتوبر 1940، قدّر عدد الرجال في هذه العائلة بـ 15 رجلاً فقط. لكن مكانة العائلة كانت عالية كما سبق أن ذكرنا، إذ إن أكبر عائلتين في صفد عدديا، وهما عائلة الأسدي وعائلة سويد، أيدتاها بصورة تقليدية، إضافة إلى العائلات التي كانت تنتمي إلى المعسكر الحسيني، مثل عائلات حجازي وسعد الدين وطافش، الأمر الذي جعل عائلة النحوي وتحالف العائلات القريبة منها قوة أساسية في صفد. يشار إلى أن عائلات النحوي والأسدي وسويد سكنت الحي نفسه المعروف باسم حارة الأكراد شرقي المدينة. ويلاحظ أنه باستثناء عائلتي حجازي وسعد الدين وقسم من عائلة الأسدي، فإن الأكثرية الساحقة من مؤيدي عائلة النحوي كانت من أبناء الطبقتين الوسطى والدنيا، الذين لم يكن لهم حق الإقتراع لانتخابات المجلس البلدي.
إضافة إلى علي رضا برز أخوه المحامي عبد الرحمن، وهو أيضا خريج كلية الحقوق في إستنبول، وكان نشيطاً في المجال السياسي. ومنذ فترة مبكرة (1919-1920)، كان أحد مندوبي صفد إلى المؤتمر السوري العام، كما مثل صفد في المؤتمر العربي الفلسطيني السابع الذي عُقد سنة 1928، وفي المؤتمر الإسلامي للدفاع عن المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة الذي عقد في القدس في السنة نفسها. وفي 11 حزيران/ يونيو 1933، أسس جمعية الشبان المسلمين وترأسها.
أتُّهم عبد الرحمن بممارسة النشاط السياسي خلال أحداث حائط البراق سنة 1929، وفي ثورة 1936-1939، لذلك سجن في عكا فترات متفرقة خلال هذه الثورة.
كما برز من هذه العائلة شخص ثالث نشط اجتماعيا وسياسيا، وهو المحامي عبد الغني سعيد النحوي. وكان أيضا من خريجي المدرسة السلطانية في بيروت، والمكتب الحربي في استنبول. تطوع خلال الحرب العالمية الأولى في جيش الأمير فيصل. ولما انهارت حكومة فيصل عاد إلى فلسطين والتحق بمعهد الحقوق في القدس ونال شهادة المحاماة. وكان عبد الغني نشيطا على الصعيدين المحلي والإقليمي. ومثل عمّيه، علي رضا وعبد الرحمن، لاحقته السلطات في إبان الثورة وسجن عدة مرات.
أما بالنسبة إلى الشيخ أحمد النحوي (الفرع الثاني لهذه العائلة)، فقد برز – كما ذكرنا في الفصل الأول – ابنه الشيخ حسن الذي ترأس المجلس البلدي في الفترة 1878-1886 وفي الفترة 1900-1904، وشغل منصب الإفتاء في المدينة بين سنة 1904 وسنة 1908، وحفيده الشيخ أحمد الذي عُيّن قاضيا شرعياً في عدة مدن منذ سنة 1922.
يمكن القول، بصورة عامة، إن البريطانيين لم يميلوا إلى هذه العائلة وامتنعوا عن تعيين رئيس للمجلس البلدي منها في بداية حكمهم، وذلك قبل إجراء انتخابات سنة 1927. كما كان تعيين علي رضا سنة 1931 عارضاً ولمرة واحدة، وجاء – كما سبق أن أشرنا في الفصل الثاني – بعد تردد وأخذ ورد، إذ إنه كان أكثر الأعضاء المنتخبين آنذاك ملاءمة وكفاءة. ومنذ سنة 1934، مال البريطانيون أكثر فأكثر إلى عائلة قدّورة المعارضة للحسينيين. ونتيجة توجهات آل النحوي السياسية تفاقم النزاع بين العائلة والبريطانيين، وخصوصا سنة 1936، إذ لاحق الإنكليز قادة العائلة، وهدموا بيت علي رضا الذي لجأ إلى دمشق، واعتقلوا أخاه عبد الرحمن وابن أخيه عبد الغني. ولم تفلح جميع التدخلات من أنحاء البلد، ومنها تدخلات الشيخ أسعد الشقيري ومفتي عكا والشيخ عبدالله الجزار، كبير العلماء في عكا، في إقناع الإنكليز بالعفو عن زعماء العائلة.
أدى إضعاف عائلة النحوي المؤيدة للكتلة الحسينية إلى زيادة نفوذ عائلة قدّورة التي أصبحت ذات سيطرة شبه مطلقة منذ سنة 1934 حتى نهاية الإنتداب.
أخيراً، من الجدير بالذكر أنه على الرغم من مكانة عائلة النحوي ونسبها البارز فإنها لم تتمكن من امتلاك أراض واسعة، إذ امتلكت قرية واحدة فقط هي قرية بيسمون التي تبلغ مساحتها 1930 دونماً، الأمر الذي يدل على أن أبناءها كانوا أعياناً نتيجة مناصبهم الدينية والإدارية، وهذا يطابق تعريف حوراني لطبقة الأعيان السالف الذكر في بداية الفصل.
صفد في عهد الانتداب البريطاني
مصطفى العباسي