هدى زعبي من الناصرة أول فاقدة ليديها تحصل على رخصة
وكالة فلسطين للإعلام والمعلومات - الناصرة - ناجي ظاهر
تعيش هدى محمد زعبي هذه الفترة، أياما مشهودة في حياتها التي لم تخلُ من صعوبات، رغم مساعدة الأهل والكثيرين من المحبين لها في التغلب على ما تواجهه من عثرات في الحياة، جراء بتر الأطباء ليديها الاثنتين، بعد حادث مؤلم تعرضت له قبل ثلاثة وثلاثين عاما.
عندما أصيبت هدى كانت تتعلم في مدرسة حيها الكروم الابتدائية، في الصف الخامس تحديدا، وعمرها عندما تعرضت لذلك الحادث الذي غير حياتها، لم يكن يتجاوز العشر سنوات.
أيام هدى المشهودة هذه، ابتدأت في الحادي والعشرين من حزيران، العام الجاري 2009، كان ذلك يوم أخبرها ممتحن السواقة أنها اجتازت الامتحان بنجاح، وأنه بات بإمكانها أن تقود السيارة لوحدها، لتكون بما حققته السائقة الأولى التي تقود السيارة دون أن يكون لها يدان، أو لتكون، على الأقل، واحدة من النوادر الذين حققوا مثل هذا الإنجاز في العالم قاطبة.
بداية اللقاء مع هدى في مكاتب جمعية المنارة للمكفوفين العرب، الواقعة في الناصرة، بترتيب مسبق من مدير الجمعية المحامي الشاب عباس عباس، كانت حافلة بالمشاعر الجياشة، عندما دخلت هدى إلى غرفة الاستقبال في المكتب، اعتذرت عن التأخر واتخذت مجلسها وهو توزع الابتسامات على الجميع،.. يرن هاتفها الخلوي، فتتناوله بيدها الاصطناعية بطريقة تعودت عليها كما بدا، لترد قائلة 'باركولي'، لقد حصلت أخيرا على رخصة قيادة سيارة، لقد نبت لي جناح، وبات بإمكاني التحليق في سماوات بعيدة.
تتخذ هدى مجلسها في غرفة مدير جمعية المنارة عباس عباس، الذي يقول إنه مسرور لتحقيق ابنة المنارة وصديقتها الحميمة هدى زعبي من انجاز نادر، ويتوجه إلى شقيقة لها رافقتها قائلا: هدى رفعت رأسنا عاليا بالفعل.
وقالت هدى إن حكايتها باتت معروفة لكثرة ما كتب عنها خلال العقود الثلاثة الماضية، غير انه لا يضيرها أن تعود على أبرز ما تضمنته من تفاصيل، تبتسم هدى: تلك الحكاية ابتدأت عندما كان أهلي يصبون الباطون، يومها كنت في العاشرة من عمري، كنت انظر إلى خلاطة الباطون، وأنا أتساءل كيف يتم خلط كل تلك المواد بما فيها من رمل وصرار واسمنت؟. تساؤلي هذا قادني لأن اقترب من الخلاطة، .. فجأة شعرت بدوار، ووجدت الجنزير الخارجي يلوك يدي اليسرى، مددت يدي اليمنى لتخليص اليسرى، فما كان منها إلا أن علقت معها في الجنزير.
وأضافت: في مستشفى العفولة لم يكن أمام الأطباء سوى تقرير بتر يدي، بعدها ابتدأت فترة صعبة في حياتي، لولا وقفة أسرتي، أمي وأبي خاصة، إلى جانبي لم أكن اعرف أية كارثة كانت تنتظرني جراء ذلك الحادث، والدي تعذب كثيرا من أجل دمجي في المجتمع، وبذل مجهودا لا يمكن أن أنساه له، في إدخالي إلى المدرسة، مدرسة العمري في حينها، الزهراء اليوم، الإعدادية في مدينتي الناصرة، هنا أريد أن أوجه شكرا لا يمكن أن أنساه أيضا إلى الموظفة في مكتب وزارة المعارف عدلة جرجورة، فقد بذلت مجهودا كبيرا لإدخالي إلى المدرسة في حينها.
بعد إنهائها لدراستها الثانوية، درست هدى علم النفس في جامعة حيفا، غير أنها لم تواصل دراستها هذه، وهي اليوم تفكر في العودة إليها، ثم درست الفن التشكيلي لدى ديتا جولدشتاين من بلدة بردسياه قرب نتانيا، وبعدها عند صديقتها ابنة مدينتها الناصرة الفنانة ماجدة غنيم.
'تحقيقي لحلم قيادة السيارة، شجعني وبعث الحماس في روحي، أنا الآن أريد أن أتقدم أكثر، أريد أن اثبت أن الإنسان إذا ما سلبت منه حاسة أو عضو كما هو الحال معي، فإنه يتحول إلى حاسة أخرى، أو عضو آخر، قدرات الإنسان إذا ما أراد لا حدود لها، كل ما عليه في رأي هدى، هو أن يتحلى بالصبر، وأن يثابرن فالمثابرة هي أساس النجاح، أما مساعدة الأهل فإنها واحد من مفاتيح بوابة الأمل.
هدى تتوجه إلى الأهالي ممن يوجد لديهم ابن معاق، مناشدة إياهم أن يعتنوا بابنهم لأنه يملك طاقات مضاعفة على مواجهة مشاكل الحياة ومصاعبها. ساعدوا أبناءكم.
حصول هدى على رخصة قيادة السيارة، لم يتم بسهولة، فقد قدمت طلبات إلى وزارتي الصحة والمواصلات، سنويا، خلال أكثر من عشرة أعوام، في كل عام قدمت أوراقها للحصول على هذه الرخصة، كانوا يسألونها عن سبب إصرارها، فكانت تنظر إليهم متحدية، كأنما هي تريد أن تقول لهم سيكون لي ما أريد، ولن أيأس، أنا لا أؤمن باليأس، ولا مكان له في حياتي.
في كل مكان تحل فيه هدى كانت تطرح قضيتها ضمن محاولة جاهدة منها لإيجاد الحل المناسب لها، إلى أن التقت بمُقعدة على كرسي ذي عجلات، من قرية الرينة هي أمينة بصول، التي ستصبح واحدة من الصديقات العزيزات جدا على قلبها. أمينة استمعت إلى معاناة هدى خلال أكثر من عشرة أعوام مع السلطات المختصة للحصول على رخصة قيادة سيارة، فأخبرتها أن بإمكانها مساعدتها، وانه يوجد هناك في مدينة حيفا من يمكن أن يساعدها في مطلبها الواقعي وغير المستحيل، وبادرت أمينة من فورها إلى ترتيب لقاء بين هدى وبين العاملين في شركة' اتسام' للأدوات المساعدة لذوي المحدودية- منطقة الشمال، ايال ملمن وداني حيوان، عندما تم اللقاء في مكاتب الشركة في بلدة تل حنان، القريبة من مدينة حيفا.
هذا اللقاء كان نقطة الانطلاق الأولى، بعده ابتدأ المسؤولون في الشركة في تصميم مقعد قيادة السيارة، ذراع للقيادة، يتناسب مع وضع هدى، كونها لا تملك يدين وتعتمد يدين اصطناعيتين في تنفيذها لبعض من شؤونها. العمل في إعداد سيارة ذات وضعية خاصة استغرق فترة ليست قصيرة، وكان أن وضع مصممو القيادة الخاصة للسيارة، ما يشبه الكباي على الباب الداخلي للسيارة، وظيفته أن يكون بدل كابح للسيارة إذا ما أزيح إلى الأمام، وبدل دواسة للبنزين في حال إعادته للخلف، أما الجوستك- ذراع التوجيه في قيادة السيارة، فإنه بوجه بأصابع القدمين.
بعد الاتفاق مع معلم قيادة السيارة الخاص بهدى افي اساف، كان لا بد من الحصول على موافقة من الجهات المختصة في وزارة الصحة الإسرائيلية ووزارة المواصلات ممثلة بمكاتب الترخيص، هنا بدأت مرحلة أخرى جديدة في قصة كفاح هدى للحصول على ما أرادته، هذا المرحلة تمثلت في المثول في تل أبيب، أمام لجنة طبية من وزارة الصحة انتهت بموافقة اللجنة، ومرت بمكاتب ترخيص السيارات في حيفا. في هذه المكاتب الأخيرة، وجهت إحدى الموظفات سؤالا إلى هدى مفاده ألا تيأسين؟ فردت هدى 'كلا لا أيأس لأنني صاحبة حق في الحياة، ولن أتنازل عنه مهما اعترض طريقي من عثرات وعقبات'.
عندما حصلت هدى على الموافقة المبدئية شرعت في تعلم السواقة لدى معلمها ومرشدها، كما تقول، افي اساف. معلمها قدم إليها كل ما احتاجت إليه من دعم ومساندة. هذا المعلم سهل علي الكثير وأشعرني دائما أن أمري يهمه، وأنه مصر على تحقيق ما أصبو إليه فيما يتعلق بقيادة السيارة.
في أواسط فترة التعلم النظري لقيادة السيارة تقدمت هدى للامتحان النظري، بحضور مدير مكتب الترخيص وبروفيسور من وزارة الصحة، وأصرت كما قالت، على أن يتم الامتحان بطريقة الكتابة، فهي تعرف الكتابة والقراءة، ولا تحب أن تقدم الامتحان شفهيا. نتيجة الامتحان جاءت بسرعة: هدى نجحت من المرة الأولى.
إذا كان هذا هو الشأن في الامتحان النظري للسياقة، فإن الأمر لم يكن كذلك فيما يتعلق بالامتحان العملي، فقد رسبت هدى أربع مرات ولم تنجح إلا في الخامسة، وقالت ' أنا لا أخجل بإصراري. هناك الكثيرون ممن يتقدمون لمثل هذا الامتحان سبع وثماني مرات، بعضهم ييأس، أما أنا فإني من المؤمنين أن لا يأس مع الحياة'.
قدمت هدى الامتحان النظري الرابع في العفولة، أما الخامس فقد قدمته في حيفا، وهي ما زالت تتذكر كيف أنها اتخذت مقعدها إلى جانب ممتحنها العربي ذاته، التي قدمت معه الامتحان السابق، وكيف انطلقت من 'كريات اتا' باتجاه مكاتب الترخيص في حيفا. قبل أن تدخل هدى بسيارتها إلى منعطف قرب مكاتب الترخيص توقفت فجأة، سألها الممتحن الجالس إلى جانبها عن السبب فلفتت نظره إلى راكب دراجة هوائية يقترب من السيارة، فما كان من ممتحنها إلا أن أشاد بقدرتها على الانتباه عبر مرايا السيارة، وقرر منحها رخصة القيادة بجدارة ودون أي تحميل لجميل.
هدى تستذكر لحظات تعلمها للقيادة، فتقول إنها كانت تشعر بأنها تطير في السماء وتحلق في فضاءات لا متناهية، 'أن تسعى إلى أمر ويكون لك هو نوع من السعادة يجعلك تشعر بأنك موجود ولك وزن وقيمة في هذه الحياة'.
بعد تحقيق هدى لحلمها في قيادة السيارة، جاءت مشكلة الحصول على سيارة خاصة تحتاج إلى مبلغ ليس بسيطا يتجاوز المليون ونصف المليون شيقل (نحو 370 ألف دولار أميركي)، أما سبب هذه المشكلة فإنه يعود إلى القانون الإسرائيلي الذي يعترف بالعجز فيما يتعلق بالحصول على سيارة لمن فقد قدميه، أما من فقد يديه مثلما حصل مع هدى، فإنه من الصعب الحصول على التمويل المطلوب. في هذا المقطع تذكرت هدى فاضلين من مدينة أم الفحم في المثلث، هما الصحفي المربي يونس جبارين ووكيل التأمين يوسف محاجنة، قدما إليها مساعدة كبيرة حين تركيبها يديها الاصطناعيتين، فتوجهت إليهما لتسألهما عما يمكنها أن تفعله للحصول على مساعدة في امتلاك سيارة خاصة، فاقترحا عليها أن تتوجه إلى عضو الكنيست الدكتور عفو اغبارية، بعدها تم لقاء بين هدى وبين إغبارية أشعرها أنها باتت قريبة من الحصول على السيارة المنشودة لتطير بها في سمائها.
هدى أكدت أكثر من مرة أن الحلم القادم هو قيادة قطار أو طائرة، لاعتقادها أن لا حدود للحلم.