عائلة الصيقلي

حظيت بشرف البحث عن هذة العائلة لمدة زادت عن ال٣ سنوات في الأرشيفات العثمانية أثناء كتابة مؤلف يحمل إسم العائلة للدكتور رؤوف أبو جابر من عمان .
وهو بحث شيق لطالما كان مخفيا الى حين أسدل الستار وظهر الى النور ليوثق تاريخ عائلة خرجت من فلسطين بعد قرنين من الزمن ..
آل الصيقلي، انتماء أصيل ، عائلة مرموقة من العائلات الأخرى في بلاد الشام عائلة مرموقة من عائلات بلادنا خلال الأربعمائة سنة الأخيرة من خلال محاولتنا قدر الإمكان الاعتماد على وثائق أصلية ومراجع موثوقة". فالكتاب الذي نحن بصدد عرضه بشكل موجز هو عبارة عن ثمرة جهود مضنية قام بها مؤلفه وعلى مدار سنوات طويلة.
المعلومات ليس فقط عن العائلة بل عن المحيط القريب، وخاصة في قطاعات واسعة من الاقتصاد الفلسطيني قبل العام 1948 وبعده، سواء في حيفا والناصرة وعكا أو في عمان وبيروت وسواها من بلاد الاغتراب كحال الكثير من العائلات الفلسطينية المشردة قسرا وليس طوعا عن موطنها الأصلي فلسطين.
يرجع التاريخ والوثائق الى أصل العائلة تعود إلى مهاجر روسي وصل إلى الأراضي المقدسة في فلسطين في الربع الأخير من القرن السابع عشر واسمه جرمانوس، وحط رحاله في القدس ثم في الناصرة فحيفا وعكا. ولقب بـ "الصيقلي" لأنه كان يعمل في صقل السيوف وادوات الحرب التقليدية. وهذا ما يفند بعض الادعاءات والفرضيات الأخرى في ان اصل العائلة من جزيرة صقلية جنوبي ايطاليا.
وكسب بعض أفراد العائلة مكانة اجتماعية وسياسية مرموقة في عصور مختلفة مرت على فلسطين والمنطقة، ومن بينها احد قادة جيش الشيخ ظاهر العمر الزيداني واسمه يعقوب الصيقلي. ويعقوب هذا أنقذ احمد باشا الجزار واخرجه من بيروت وعاد به إلى الجليل حيث انقلب على الشيخ ظاهر وشارك في تدبير مكيدة لقتله وتخليص الدولة العثمانية منه في عام 1775.
واشترى بعض افراد من هذه العائلة أراض في سخنين وجولس ويركا والكابري وابو سنان، حتى أن أحدهم اقام بيتا له في جولس وكان مكرما معززا وسط أهله من بني معروف الذين بكوا يوم وفاته وتجنيزه في مقبرة عكا.
ولعبوا دورا مهما في الشأن التجاري في عكا أولا عندما كانت عكا في أوج مجدها وعزها سواء في عهد الجزار أو من بعده. ولكن التحول حصل بعد دخول الجيش المصري إلى فلسطين بقيادة ابراهيم باشا ابن محمد علي باشا والي مصر، حيث بدأت تشهد مدينة عكا تراجعا في مكانتها ودورها في مختلف الميادين، بما فيها النشاط التجاري، وذلك لصالح حيفا.
في الوقت نفسه تزعم فرع العائلة في الناصرة مخترة الطائفة الارثوذكسية وكان على رأسهم خليل الصيقلي، إلا أن خليل هذا أدرك ان المستقبل الزاهر سيكون لحيفا، فترك الناصرة مخلفا مخترة الطائفة لآل قعوار. ووصل إلى حيفا.
وهكذا ازداد عدد آل الصيقلي في حيفا، ونشطوا في التجارة، خاصة تجارة الحبوب التي بدأت ترد إلى حيفا من حوران في أعقاب توسيع الميناء القديم الذي كان قائما إلى الجهة الشرقية من المدينة، بالقرب من موقع سكة حديد الحجاز. وساهم أفراد من آل الصيقلي في تصدير الحبوب ومواد أخرى بما فيها الزيوت والصابون من مدن وقرى فلسطين إلى بلاد اوروبا على متن سفن يونانية وروسية وغيرها.
ولما اتسعت تجارة آل الصيقلي وكونوا ثروة كبيرة بيدهم، تولى خليل زعامة الطائفة الارثوذكسية في حيفا، وساهم مع آخرين من العائلة في بناء كنيسة مار الياس الارثوذكسية(الكنيسة القديمة) وذلك قبل أن ينقضي النصف الأول من القرن التاسع عشر. وقبور آل الصيقلي خلف الكنيسة وما عليها من نقش تشكل تاريخا للعائلة وللكنيسة أيضا.
ولما زارت ماري روجرز شقيقة قنصل بريطانيا في حيفا فلسطين، وأمضت فترة من الزمن في حيفا، تعرفت إلى أفراد من آل الصيقلي، وقدمت في كتابها"الحياة المحلية في فلسطين"وصفا تفصيليا للبيت الكبيربحجمه وبروزه عن سائر بيوت حيفا داخل الأسوار الذي بناه الصياقلة في البلدة القديمة(تم هدمه في العام 1948). كما أنها قدمت وصفا لطبيعة حياة المدينة الناشئة ومجتمعها من فقير وثري، والفوارق الاجتماعية والاقتصادية التي طغت عليه. ولا شك في أن وصفها وفر معلومات جيدة لا بأس بها عن العائلة.
فرع آخر من العائلة هاجر إلى امريكا وجنى بعض الأرباح، ولما عاد بعض من أبناءه بدأوا بالعمل في قطاع دور السينما والافلام في حيفا وعكا. وبدا واضحا أنهم لم يصمدوا في وجه المنافسة اليهودية القوية والناشطة في قطاع الافلام، فتنازلوا عن حيفا ونقلوا دور العرض إلى الناصرة ثم بعد العام 1948 إلى عمان حيث واصلوا لفترة طويلة.
ويعود مخطوط لتاريخ العائلة بقلم قسطندي بن اسعد الصيقلي والذي غطى فترة زمنية طويلة من تاريخ العائلة حتى العام 1926، وهو العام الذي وضع فيه المخطوط. كما أن العائلة احتفظت على وثائق أصلية ومصادر تاريخية منشورة عالجت الفترة الزمنية الممتدة من حكم الشيخ ظاهر العمر وحتى العام 1948 تحديدا.
ولم يتوقف الحدث الجلل بل الخطير أي النكبة وما حل من مصيبة وكارثة على عموم الشعب الفلسطيني، وعلى عائلة الصيقلي حصريا والتي فقدت كل ما كانت تملكه، والذي جمعته بشق الأنفس على مدار مئات السنين، إنما تابع مسيرة نضال وكفاح هذه العائلة من اجل بقاءها ووجودها. فعائلة الصيقلي بعد النكبة والخسارة الكبيرة التي أصابتها في الصميم تابعت نشاطها أو بدأت به من جديد في عمان وغيرها من مدائن اللجوء في العالم العربي والغربي، حتى تمكنت العائلة من العودة إلى وجه الصدارة في ريادة قطاعات اجتماعية ..
إن كتاب الدكتور رؤوف أبو جابر إضافة قوية ومساهمة جليلة وكبيرة الفائدة في تعريف القارئ العربي عامة والفلسطيني خاصة على دور ومساهمة عائلة فلسطينية في نموها وتطوير مجتمعها على امتداد فترة قرنين من الزمن . بقي في الناصرة فرع صغير من العائلة وهو من فرع المرحوم نمر سيقلي وهو العم سليم سيقلي اطال الله في عمره .
احمد مروات