الاسم: سعاد عبد الفتاح
البلد: عين غزال – قضاء حيفا
سنة الميلاد: 1934
موعد المقابلة: الأحد 7/12/2025
هويّة – حلب، زار الأستاذ زياد غضبان، الحاجة سعاد عبد الفتاح "أم فيصل"، بعد ترتيب الموعد عبر صديق المؤسسة العم عبد الرحمن تعمري "أبو حسن". وجاءت الزيارة بهدف توثيق شهادتها حول أحداث النكبة في قرية عين غزال – قضاء حيفا.
استقبلت الحاجة سعاد المندوب بشوق كبير للحديث عن تاريخ قريتها، وبدأت بتعريف نفسها قائلة: «أنا سعاد عبد الفتاح من مواليد قرية عين غزال، وعمري الآن 91 عاماً. سُمّيت القرية بهذا الاسم لكثرة الغزلان التي كانت ترتاد العين الواقعة عند مدخلها».
تحدثت الحاجة عن ملامح الحياة في القرية قبل النكبة؛ فذكرت العائلات التي كانت تقطنها مثل: إبراهيم، والصعّبي، وأحمد، وخضر. وقالت إن منزل عائلتها كان صغيراً مؤلفاً من غرفتين، وتتصدره شجرة توت ضخمة ذات طعم لذيذ لا تزال تتذكرها حتى الآن. وكان والدها يعمل مزارعاً في أراضٍ كانت تملكها جدتها، يزرع فيها الحنطة والشعير والذرة والخيار والكوسا والبندورة في الصيف والشتاء، ويبيع المحاصيل في مدينة حيفا. كما وصفت بساتين القرية بأنها مليئة بالصبار كبير الحجم الذي كان يستخدم في معالجة الجروح. ومن جيرانهم الذين بقيت أسماؤهم عالقة في ذاكرتها: آمنة موسى وهند الصعّبي. وأشارت إلى أن المسافة بين القرية ومدينة حيفا كانت تقطع في نحو ساعة، أي ما يقارب خمسة عشر كيلومتراً.
ومن عادات أهل القرية آنذاك أنهم إذا مرض طفل يأخذونه إلى بحر حيفا ويغطسونه في الماء المالح عدة مرات اعتقاداً منهم بفوائده العلاجية. كان في القرية مدرسة عين غزال التي درس فيها أخوها جمعة حتى الصف الثاني، إضافة إلى وجود جوامع بسيطة. ولم تكن القرية مزوّدة بالكهرباء، على عكس مدينة حيفا التي كانت تضيء شوارعها أعمدة يصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار. وفي وسط القرية كانت توجد قهوة شعبية يجتمع فيها الرجال بعد انتهاء أعمالهم. كما كانوا يطحنون القمح في المنزل وتخبز والدتها الخبز بيديها على التنور. وكان في القرية معصرة زيتون، إلا أن والدتها كانت تعصر الزيتون على "الكديش". وعندما سُئلت عن زيت الزيتون الفلسطيني تنهدت قائلة: «أوووه على زيت بلادي».
وتحدّثت أيضاً عن عادات المونة، فذكرت أنها كانت تجمع الزيتون منذ طفولتها وحتى بلوغها الثانية عشرة من عمرها. وقبل تهجيرهم بستة أشهر عملت مع عمها في منطقة الزيب في قطاف الزيتون. وكانت تصنع الزعتر يدوياً، تبدأ بقطفه من الأراضي ثم تقطيعه وطحنه بطاحونة يدوية قبل أن تنخّله.
وتطرقت الحاجة إلى العادات الاجتماعية والأفراح في القرية، وقالت إن أهل العريس كانوا يعزمون أهل القرية كاملة وجميع القرى المجاورة. يبدأ الفرح بتعليلة للعريس، وتقام ليلة الحنّاء للعروس، وترافق الاحتفال نغمات الزمار والدبكة العربية الأصيلة. وتُمد موائد طويلة للضيوف تضم أطباقاً مثل الفاصوليا مع الرز والمحاشي والبطاطا. وغنّت من تراث قريتها: «يا ظريف الطول قلّي مين قالّك…». كما روت أنها حضرت أعراس أولاد عمها من بيت الصعبي وبيت خضر، وكيف كان الرجال يركبون الخيل حاملين شمسيات مزينة بالورود. وغنّت أيضاً: «عددّي المهرة وشدّوا عليها… ليجي خيي ويركب عليها…». وذكرت أن من أجمل عادات القرية لباسهم التقليدي المتقن المؤلف من أمباز مفتوح مع رباط وخرقة بيضاء، وكان يرتديه الفلاحون غالباً.
وفي حديثها عن الأيام الأخيرة قبل النكبة، قالت إن مختار قرية زمرّين أرسل رسالة يحذر مختار عين غزال قائلاً: «اليهود سيأتون إلى قريتكم فلا تهاجروا وتمسكوا بالأرض». عندها وقف رجال القرية للدفاع عنها، فاشتروا السلاح وتمركزوا على أطراف القرية وجبالها، وخاضوا معارك استمرت قرابة عام كامل. وبسبب شدة القصف لجأ الناس إلى البراري حتى اضطروا إلى أكل الشعير.
ومع اشتداد القصف بدأ الأهالي بالهجرة مع القرى المجاورة. روت الحاجة أنها رأت والدتها تحمل أختها الصغيرة على رأسها، وتساند جدتها الضعيفة أثناء السير. خرجوا ومعهم خمسة عشر رأساً من الماعز، لكن الجنود الإسرائيليين أوقفوهم وصادروا الماعز في الطريق. واصلوا المسير حتى وصلوا إلى عارة وعرعرة، ومنها إلى درعا، ثم بالقطارات إلى شمال سورية: حلب، ثم إعزاز، ثم حندرات.
وفي ختام حديثها قالت الحاجة أم فيصل بإصرار: «نحن ما منبيع بلدنا… وبإذن الله راح نرجع». ثم أضافت بحسرة ودمعة: «لا… ما ببيع بلادي، ولا بنسى عين غزال».
