ترشيحا في القلب… شهادة الحاج مفيد محمد حميدة
حلب – أ. زياد غضبان
#هويّة – الخميس 2025/12/18
بعد ظهر يوم الخميس أُجري لقاء توثيقي مع الحاج مفيد محمد حميدة في منزله الكائن في حي سليمان الحلبي بمدينة حلب، وذلك ضمن مشروع التوثيق الشفوي الذي تقوم به مؤسسة هويّة. وُلد الحاج مفيد عام 1942 في قرية ترشيحا قضاء عكّا، وغادرها مُكرهًا وهو في سن الخامسة نتيجة أحداث النكبة.
بعد التعريف بمؤسسة هويّة وشرح هدف المقابلة، بدأ اللقاء برسم شجرة العائلة وعائلة زوجته وعائلة ابن عمّه، ثم عرّف بنفسه قائلًا: «أنا الحاج مفيد محمد حميدة، مواليد 1942 – ترشيحا». وصف قريته ترشيحا كما رآها طفلًا بأنها عامرة بالحياة، تتقدّمها أشجار البرتقال الشاهقة على أطراف طرقاتها. كان لوالده أرض في قرية جعثون يزرع فيها الخضروات والتبغ، حيث كانوا يجففون التبغ على بئر جاف مهجور ليمنحه جودة عالية، ثم يُباع في سوق يشبه سوق باب جنين في حلب.
وصف منزلهم الكائن في حارة المختار شفيق حيدر، والذي كان يضم غرفة واسعة وساحة دار تتوسطها شجرة تين كبيرة حبّاتها حمراء كالدم، إضافة إلى إسطبل تُربّى فيه الخيول الأصيلة، وذكر من جيرانهم مرشد وفياض وعمّه فوزي حيدر وآخرين. وتحدث عن الكتّاب في مسجد ترشيحا حيث درس مع صديقه عصام حميدة القرآن الكريم والحساب والقراءة والكتابة، لكنه لم يُكمل تعليمه بسبب الهجرة واللجوء. كما أشار إلى كنيستي القرية وقبر الولي شيحا مجاهد وزيتون ترشيحا وزيتها الصافي.
تحدّث الحاج مفيد بفرح عن الرقص والدبكات التي اشتهر بها أهالي ترشيحا، وعن لباسهم التراثي الفتّان، وعن طعامهم الشهي من خبز الصاج إلى اللحم والكبّة الترشيحاوية، والتي حافظ عليها أبناء القرية في الشتات حيث ما زالت تُحضَّر كل يوم جمعة. واستعاد ذكرياته عن أيام رمضان الجميلة واحترام الشعائر الدينية والأجواء التكافلية من تبادل أطباق الطعام، والجمعات بعد التراويح، والسهرات في ليالي العيد بساحة ترشيحا، وزيارة المقابر صباح العيد وتوزيع الحلوى على أرواح الموتى. كما ذكر الحلويات التي كانت تصنعها والدته ونساء القرية مثل المشبّك والسمّون والعصيدة، مؤكدًا أن أكثر ما يفتخر به هو محبة أهالي ترشيحا لبعضهم وتآلفهم وتزاوجهم ولمّتهم في جميع المخيمات.
عن مسيرة الهجرة، تابع الحاج مفيد حديثه قائلًا إن القصف بدأ على ترشيحا فلجأ الأهالي إلى مزرعة المختار، ثم قصفت الطائرات منزل المختار فانهار سقفه، فدبّ الهلع بين الناس وهربوا مشيًا حفاةً خوفًا من الغدر الصهيوني. وروى أنه ركض حافيًا وحده، ثم التقى بابنة عمّه أبو يونس، واجتمعوا مع والده الثائر الذي كان مرابطًا في جبال ترشيحا والدماء تنزف من ساقه إثر انفجار لغم. وتابعوا الهجرة من ترشيحا إلى سحماتا ثم إلى معليا فجبل الدرويش وصولًا إلى لبنان، حيث نُقلوا بالقطارات إلى سورية. استقروا في مدينة حلب، وتنقّلوا خلالها مدة ثلاث سنوات من منطقة إلى أخرى حتى استقروا في مخيم حندرات، وهناك أسّس الحاج مفيد منزلًا وعائلة، إلا أن السنوات لم تخلُ من الألم، إذ تعرّضوا لهجرة جديدة عام 2015.
وعند سؤاله عن رأيه في التنازل عن أرضه، رفض ذلك رفضًا قاطعًا قائلًا: «لا… ما برضى… ترشيحا هي الوطن، هي المحبة… لا ما ببيع مسقط رأسي»، وأضاف: «والله لو يقولولي هلأ روح على ترشيحا بروح». وعن حلمه بالعودة قال: «إلي نفس أشوف فلسطين عالواقع». واختتم شهادته بوصية موجّهة لأبنائه ولأبناء فلسطين قائلًا: «بوصّيهم ما ينسوا وطنهم… الوطن هو عرض، ما بنتسى»
