سحماتا كانت طلعة ونزلة، كان فيها مدارس للأولاد وللبنات، أنا لم اتعلم في المدرسة، ولكن المدرسة كانت كاملة من جميعه، الأساتذة جيدين مثل الأستاذ علي قدورة.
جامع البلد أذكره، وصليت فيه، أنا تعلمت كم سورة قرآنية صغيرة لوحدي. كنا فلاحين، حصيدة وزراعة وقمح وزيتون والخ.
كنا ننكش بالمناكش ونحصد ونحلش عدس، كرسنة وشعير، كل شي نزرع.. وكذاك كان عندنا التين والزيتون.. كل بيت كان عنده تينة..
كنا ننزل على الفلاحة بكير، والمرأة يكون شغلها بالليل.. كنا نشك دخان بالنهار للمغرب وبعدها نطبخ نخبز.
الدخان كنا نقطفه ونشكه ونعمله رُزم وتأتي الشركة تأخذه ويدفنون لنا ثمنة ولكنه لم يكن غالي.. يا دوب يطلع مصروفه..
المريض كانت كل الناس تزوره وتطمئن عليه، وكانوا يحكموه خارج البلد على عكا.. وكان في دكاترة عنا بالبلد.. ولكن من كانت حالته مستعصية يأخذوه على عكا وعلى المستشفى.
كان في دايتين أو ثلاثة، مثل ستي سعدية وكانت شاطرة ومحترمة.. سنة 1948، الخوف هو الذي تركنا نترك البلد، لم نر يهود ولا أحد..
ونحن خارجين بعد الدير، كنا حاملين أولادنا، نحن هربنا هريبة وفي ناس بقيت بالبلد.. من ركب البابور بالبلد يهودي ويقول إبن العرب لا يعقل.. لازم يموت ولا يطلع من بلد.. وبعد خروجنا جاء هو نفسه اليهودي وفك البابور وأخذه. أنا خرجت مع أمي، وأبي كان متوفي، غادرنا باتجاه الخط الشمالي ووصلنا الى رميش ثم الى بعلبك، بقينا 17 سنة ببعلبك.
لما طلعت من سحماتا كنت متزوجة وكان عندي عصام ومحمد.
كل الرجال والناس خرجت صوف، في ناس، عادت الى البلد بعد فترة ولكنها لم تجد شيئاً. البيوت مهدمة والبلد خربانة، كانت البيوت معمولة من حجر صواني فأهل القرى حولنا منهم من أخذ هذه الحجارة وعمروا فيها.
العشية ببعلبك كانت عذاب، كانوا كل سبع عائلات يعيشون بقاووش واحد. وتحيلوا كيف الناس كانت تعيش وتنام؟؟
لما طلعنا كانوا أهلي وأخوتي متجمعة مع بعضها..
لو صح لي الرجعة الى سحماتا والله برجع ماشية.. ياريت أرجع وأموت بفلسطين.. ولكن الناس دب الرعب بقلبها.. لم يخرجنا أحد.. نحن من الخوف خرجنا وثم ندمنا على خروجنا من بلدنا..
وأنا صاحية بتذكر سحماتا والدار والجيران، لا أنتظر حتى أحلم فيها فأنا في كل وقت أذكرها.
كان الفقير.. لا يطلب.. فكل ما هو موجود عند الناس من حبوب وشعير وقمح يعطوه له.. سميدة وعدس وكرسنة وقمح.. وكان عنا بابور لدرس الحبوب.
البلد فيها مسيحية، وكنا مثل الأهل منهم مننا، يفوحوا لأفراحنا ويحزنوا لأحزاننا ونتشارك بكل المناسبات.
كل أهل البلد كانوا متعاونون ومتكافئين.
أنا تزوجت بالبلد.. كل الأقرباء والأصدقاء ساعدوني بعرسي.