الحاج "ياسين" يستذكر معارك النكبة ومراراتها
تجاوز عمره السبعين عامًا، لكن لا تزال ذاكرته مفعمة بالذكريات الأليمة التي لم تُمحَ رغم مرور 65 عامًا على النكبة الفلسطينية عام 1948، يوم أن كان حينها ابن الثمانية أعوام حين أن هجر من بلدته الأصلية "الجية"، وسط تآمر عربي ودولي.
الحاج عبد الرحمن ياسين "أبو علاء" من بلدة الجية المحتلة، ويسكن مؤقتًا في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة، على أمل قريب بالعودة إلى موطنه الأصلي.
وفي الذكرى الـ 65 للنكبة روى الحاج أبو علاء بعض تفاصيل نكبة الشعب الفلسطيني عام 48، يوم أن هُجر الفلسطينيون من مدنهم وقراهم تحت قصف الطائرات والمدافع، التي ما فتأت لحظة واحدة عن إرسال حمم صواريخها على المدنيين النازحين العزل، ليرتقي منهم الشهداء وليسقط الجرحى مدرجين بدمائهم، ليسطروا بذلك قصة لا تزال فصولها تُرسم حتى يومنا هذه تعرف باسم "النكبة".
حكاية ألم لن تنسى
يلخص الحاج أبو علاء حكاية اللجوء بقوله "كنا جيل صغير لا نعي السياسة حيث كنا نسكن في المناطق الجنوبية، وفوجئنا بهجرة سكان المناطق الشمالية إلى مناطقنا وذلك قبل هجرتنا من بلادنا بثلاث شهور"،
ويتابع حديثه عن النكبة بوصفها مؤامرة دبرت وأحيكت خيوطها قبل عام 1917 بتدبير من بريطانيا والمجتمع الأوروبي وبتواطئ دولي وعربي، لإنشاء ما يسمونه بدولة "إسرائيل" على حساب الفلسطينيين.
وخلال حديثنا معه في الذكرى الـ 65 للنكبة، عاد أبو علاء بذاكرته إلى أمجاد المقاتلين الفلسطينيين الذين تمترسوا أمام آلة الحرب الإسرائيلية، حيث يضيف "اشتبكت المقاومة مع العصابات الصهيونية على طريق يافا وألحقت به هزيمة في هذه المنطقة وغنمت المقاومة خمسة آليات حصلت بلدة الجية على 2 وحصلت بلدة برير على 3"، ويؤكد أبو علاء أنه ركب هذه الآليات التي وُجهت فيما بعد للقتال ضد العصابات في المجدل.
وأنكر أبو علاء على الحكام العرب أن يرسلوا جيوشهم للقتال في فلسطين بأسلحة فاسدة لا تصلح للقتال، معتبرها خطوة مدبرة ضمن المؤامرة الكبرى الهادفة إلى احتلال فلسطين وإحلال "إسرائيل" مكانها .
"الجية" حكاية عشق أبدي
يتوقف الحاج قليلاً عن حديثه لتسيل دموع الكبار على لحيته البيضاء عندما ينظر إلى بلدته التي لا تبعد عن قطاع غزة سوى 25 كم، وهو لا يستطيع الوصول إلى بيته ومزرعته التي يهفو قلبه إليها وليسرد معاناة اللجوء والشتات التي استمرت لأكثر من يومين مشيًا متواصلاً على الأقدام، حيث الموطن المؤقت قطاع غزة، الذي وبحسب قوله لن يغنيه عن أمل العودة إلى بلدته "الجية".
ويشير أبو علاء إلى أن للنكبة آثار سلبية وايجابية، آثار سلبية تمثلت في فقد كل معالم الحياة الفلسطينية بفقد الوطن والبلدة والقرية التي احتضنت ذكريات طفولته، ويكمل بأن لها آثار ايجابية بأنها علَّمت الشعوب ودبَّت فيهم روح الوعي بعدم التفريط بالوطن مهما بلغت الظروف.
وبمجرد حديثنا عن العودة إلى الديار، ارتسمت على ملامح الحاج أبو علاء ابتسامة بسيطة ليتابع حديثه بقوله "نحن على يقين بالعودة حتى ولو وصل عمر الإنسان إلى 200 سنة لأن العودة هدف أساسي ومطلب حياة وأملنا بالعودة كأملنا بدخول الجنة بإذن الله".
الكبار يورثون والصغار يواصلون
وعن اعتقاد الاحتلال بأن الكبار يموتون والصغار ينسون، اعتبرها أبو علاء مقولة خالفت الواقع، ولا يسلم بها إلا المستسلمين للذل والهوان، لأن حق العودة لا يسقط بالتقادم، ورغم كل محاولات الاحتلال في تطبيقها إلا أن التاريخ جاء مخالف لها باندلاع انتفاضة الأقصى الأولى والثانية وظهور الجيل الجديد الذي حمل حلم العودة إلى ديار الأجداد والآباء وتمسك به أكثر ممن ورثه هذا الحق.
واختتم الحاج أبو علاء قوله برسالة وجهها إلى الأمة العربية والإسلامية، دعاهم فيها إلى التقرب إلى الله؛ لأنه كلما تقرب الإنسان إلى ربه كلما قرب الأمل بالعودة إلى الوطن، بالإضافة إلى العمل بكل جهد من أجل تحرير كامل الأرض الفلسطينية، والابتعاد عن المفاوضات التي لم تجلب سوى الدمار والعار، والتمسك بخيار المقاومة الذي أثبت نفسه في كل الميادين.
وليكمل أبو علاء بذلك قصة اللجوء الفلسطيني وكغيره من الكبار الذين هجروا بتوريث حق العودة جيل بعد جيل من الآباء إلى الأبناء وصولا إلى الأحفاد لتبقى جذوة العودة مشتعلة وحاضرة في كل الميادين.
المصدر: فلسطين الآن