أبو غوش، مصطفى بن إبراهيم: (توفي سنة 1280ه/1863-1864م)
(رجل الحرب والإقتتال العشائري في منتصف القرن الماضي. زعيم ناحية بني مالكوصف اليمن في جبل القدس في القترة التي حاولت السلطات العثمانية تنفيذ سياسية الإصلاحات وإقامة الحكم المركزي القوي في المنطقة، فأدى ذلك إلى نزاعات وحروب مستمرة مع المشايخ والأعيان.)
تقلد مصطفى مشيخة ناحية بني مالك وزعامة صف الثمن بعدوفاة عمه جبر في بداية الأربعينات. وكانت تلك الفترة حساسة ومصيرية بالنسبة إلى القيادات العشائرية الريفية، إذ نجحت السلطات المصرية في الثلاثينات في إضعاف نفوذ تلك القيادات، وفرضت حكماً مركزياً فعالاً وقوياً. ولذا حسن انسحب المصريون حاولت تلك الزعامات الريفية العودة إلى مواقعها وفرض الأمر الواقع قبل تثبيت مواقع الحكم العثماني. وقاد مصطفى أبو غوش حملة واسعة لإعادة نفوذ عائلته على جبل القدس، فاصطدم بالسلطات والزعامات المحلية المنافسة، وتجددت في الشمال، من ناحية بني مالك، المعارك مع آل سمحان ومؤيدهم من صف القيس.
تغلب مصطفى أبو غوش على منافسيه من الشمال، وثبّت حكمه، فاضطرت السلطات العثمانية إلى الإعتراف بالأمر الواقع وتسليمه مسؤولية حماية طريق المسافرين بين القدس ويافا في مقابل مرتب شهري. لكن المعارك العشائرية لم تتوقف، فقد برز منافس جديد لآل أبو غوش هو عثمان اللحام، شيخ ناحية العرقوب. ولمدة طويلة وقفت السلطات العثمانية موقف المتفرج من تلك الصراعات، التي أودت بحياة الكثيرين وزرعت الخراب في نواحي جبل القدس. بل إن السلطات كانت تشجع الصراعات بالخفاء، متبعة سياسة «فرق تسد» التقليدية.وهكذا انتشرت الفوضى وعم النهب والقتل في ظل غياب قوة الدولة أعواماً عدة. وفي سنة 1846، قام محمد قبرصلي باشا بحملة عسكرية واسعة النطاق لفرض السلطة العثمانية مجدداً على جبل القدس والخليل. ونجح قبرصلي باشا في إلقاء القبض على أقوى زعيمين في متصرفية القدس، وهما: عبد الرحمن العمرو ومصطفى أبو غوش، ونفيهما من البلد. ولم يدم اعتقال مصطفى في منفاه أكثر من عام واحد، فقد نجح في الهرب والتسلل إلى المنطقة، وعقد صلحاً مع آل سمحان سنة 1851، وعاد إلى حروبه ضد عثمان اللحام، شيخ ناحية العرقوب. واستمر مصطفى أبو غوش في قيادة صف اليمن وزعامة المنطقة خلال الخمسينات رغم أنف السلطات العثمانية.
تزوج مصطفى أبو غوش أخت سليمان انشاشيبي، أحد تجار القدس البالرزين، كما تزوج عثمان نجل سليمان، إبنة عمته كريمة الحاج مصطفى. وفي بداية الستينات كان مصطفى في قيد الحياة ,وزعيماً قوياً معترفاً به، لكن الدولة العثمانية انتهجت بعد انتهاء حرب القوم طريقاً جديدة. فضمنالإصلاحات الإدارية لإقامة الحكم المركزي وإضعاف القيادات المحلية الريفية والعشارية، قامت بحملة أخرى قوضت فيها المشيخات المحلية. وكانمصطفى في ذلك الحين مسناً، فلم يستطع أن يقاوم الحملات العسكرية العثمانية الجديدة، فشهدت الستينات دوراً جديداً في تاريخ البلد.
توفي مصطفى أبو غوش سنة 1280ه/ 1863-1864م، كما تشهد بذلك الكلمات المنقوشة على نصب قبره في وسط قرية أبو غوش. وفي 23 جمادى الأولى 1283ه/ 3 تشرين الأول (أكتوبر) 1866م ورد ذكر ولديه إبراهيم ومحمد آغا أبو غوش، ابني «المرحوم الشيخ مصطفى أبو غوش» في دعوى لهما على أحد أهالي قرية قطنة. وبوفاة مصطفى انتهى دور مهم في تاريخ البلد شارك مشايخ النواحي فيه بصورة فعالة في حكم البلد. ومع أن آل غوش حافظوا بعد ذلك على مشيخة بني مالك، فإن نفوذهم وسلطتهم أضحياً محدودين وضعيفين إذا ما قورنا بما كانا عليه في النصف الأول من القرن التاسع عشر.
واشتهر في نهاية القرن الماضي من هذه العائلة الشيخ عبد الله أبو داود. فقد شارك سنة 1898 وفوداً من قرى بني مالك في استقبال الإمبراطور الألماني عند زيارته للقدس. لكننفوذ العائلة في العقود الأخيرة من الحكم العثماني أصبح رمزياً إذا ما قورن بمكانتها ودورها خلال النصف الأول من القرن السادس.
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع