ياسر قدورة - صيدا
بدأت مسيرتنا للتوثيق لعائلة عثمان / سحماتا مع حياة ضاهر عثمان ( أم أحمد ) في منطقة صيدا جنوب لبنان بتاريخ 25/1/2011 . شهدت أم أحمد أحداث النكبة وهي طفلة صغيرة ، فلم يكن لديها الكثير من المشاهدات لترويها لنا عن تلك المأساة أو عن تاريخ عائلة عثمان في سحماتا ولكنها ساهمت معنا بوضع الأساس لشجرة العائلة مع الكثير من التفاصيل التي ساعدتنا على استكمالها لاحقا مع آخرين من أبناء العائلة. .
والدها ضاهر أسعد سعيد عثمان غادر سحماتا عام 1948 ووصل بعد مسير طويل إلى مدينة صور ثم إلى بعلبك مع أبنائه: كمال وغانم وابنته حياة . وقد انتقل ضاهر فيما بعد بصحبة أبنائه من بعلبك إلى بلدة العباسية جنوب لبنان واستقر هناك .
وبعد رسم الجزء الأساس من شجرة العائلة نصحتنا أم أحمد بزيارة عمها محمد ( أبو أحمد مواليد 1926) الذي يسكن في منطقة الهلالية . وبالفعل قمنا بصحبة أم أحمد بزيارته في 7/2/2011 واستكملنا معه شجرة العائلة وزودنا ببعض التفاصيل عن أبناء العائلة الأحياء منهم والأموات .
والده أسعد سعيد عثمان مارس مهنة الفلاحة والنجارة ، وكان عمله يقتصر على أهل البلد فقط . توفي والده في بعلبك عام 1952 و والدته عام 1956 في بعلبك أيضا ودفنا هناك ، ولكن عندما حاولوا زيارة قبريهما بعد فترة من الزمن وجدوا أن القبور قد جرفت وتم البناء فوقها .
يروي أبو أحمد قصته :
عمي محمد توفي في قناة السويس ( قناة الترعة ) مع الجيش التركي ، ووالدي أسعد قد خدم مع الجيش التركي أيضا ، كان عسكريا في إزمير ثم فر إلى سحماتا ومعه بارودة ، وكان عندنا في البيت ( جفت ) وقد وشى به أحدهم عند الانجيز فجاءه رجل يعمل مع الانجليز وقال له : (بتجيب البارودة وتبقى انت بالبيت ؟! ولا نروح احنا نجيب البارودة وتبقى انت عنا ؟) راح أبوي جاب البارودة والجفت وسلمهم للانجليز ورجع عالبيت .
عن تاريخ العائلة يقول أبو أحمد أن الرواية التي سمعها تقول أن ثلاثة من أجدادهم غادروا الأردن هرباً بعد حادثة سقط فيها قتيلة، وهم ثلاثة إخوة: أحدهم توجه إلى عين غزال قضاء حيفا وإثنان حلوا في سحماتا.. ويكمل روايته بالقول: ( الثورة عام 1936 في منطقتنا كانت أقوى من حيفا وهديك البلاد، إجا واحد من هناك لعند أبوي وقال له إحنا جايين ناخذكم لعنّا، عندنا ما فيش ثورة، أحسن ما تتبهدلوا!! قال له عمي: حدا بدشّر بلدو وبروّح!!! شو ما صار مش راح نروح.. راح الزلمة وأخذ أن حكي أبوي والله صحيح).
ولكن ما هي إلى سنوات حتى وجد أهل سحماتا أنفسهم مضطرين للرحيل تحت وطأة الإرهاب الصهيوني المنظم. ويروي لنا أبو أحمد حكايته:
خرجنا مع أخي الكبير ضاهر ، والوالد بقي في فلسطين وفيما بعد ذهبنا وأحضرناه .بقي في البلد ثم ( طحوهم ) اليهود بعد حوالي 10 – 12 يوما . توجهنا إلى رميش ، شربنا المياه نحن والخنازير من نفس المكان لأنه لم يكن هناك ماء ، بعدها ذهبنا إلى عين ابل بصحبة أقرباء لنا من دار قدورة : دار محمود حسنة وخالد محمود أسعد محمود وبعدها انتقلنا إلى دبل حيث كان لنا معرفة بأناس مسيحيين وكانوا قد جاؤوا إلى سحماتا فترة وقوع الأحداث بين الشيعة والمسيحيين في جنوب لبنان، ونزلوا عند دار محمد علي. ذهبنا إليهم ومكثنا فترة ولكن الطيران قصف (إظان) دخان على البلد فغادرها سكانها وكذلك فعلنا نحن. خرجنا إلى الحواكير في دبل، ومكثنا جمعتين أو ثلاث حيث لم نجد ماء لنشرب ونسقي (الطرش). كان معنا طرش : 4 رؤوس بقر بعناها بـ 13 ليرة ونصف بعد أن رفضنا بيعها سابقاً مقابل 85 ليرة.
ذهبنا إلى مخيم برج الشمالي وكان الدرك يلاحقنا ويأخذ منا رغيف الخبز ثم ذهبنا إلى بعلبك ، ( كنا مزروبين والعيشة مهينة بلا دفا ولا أواعي معنا ، أطفال ونساء ماتوا عام 49 و50 ..كنا شبه محبوسين في ثكنة غورو ، يفتحوا البوابة ويسكروا البوابة وصار الصليب الأحمر يطعمينا ) .. وعندما انتقل الناس من بعلبك إلى مخيم الرشيدية لم أنتقل معهك لأنني كنت في المستشفى لمدة 70 يوماً بسبب حادث سيارة.
وعن أخته نجية التي خرجت معهم من سحماتا، فقد تقدم ابن خالتها أسعد محمد سليمان للزواج منها وهو قادم من فلسطين، وقد وافق أخي ضاهر على الزواج فعادت إلى فلسطين عام 1950 عن طريق الصليب الأحمر.
لدى أبو أحمد الكثير من الذكريات عن سحماتا والحياة فيها، وعن العلاقة النموذجية بين المسلمين والمسيحيين فيها: ( أهل بلدنا ما في أحسن منهم، ما فش عندهم اعتداء.. عندنا مسيحيين كنا نحبهم زينا زيهم، ما كان حدا يسترجي يتعدى على حدا.. كان في جريس قيصر وإخوته، خليل سلوم وعمه مخائيل ( ويقولون له مخييل )، كامل سليم وأخوه وفي دار عيد ودار مبدا طنوس، ما كنا ندشّر بعضنا البعض ولحد إسّا.. معظمهم بقي بفلسطين وخرج معنا جريس قيصر فقط هو وعائلته، وقد توفي وتزوجت بناته وتوفيت امرأته، وكان يسكن في منطقة ضبيه).
قبل أن ننهي الحديث يضيف لنا مجموعة من الأسماء إلى شجرة العائلة، ونشرب الشاي الذي نسيناه حتى برد، ويودعنا بابتسامة وترحاب تماماً كما استقبلنا في بداية اللقاء.