جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
الصابون النابلسي مهدد بالاندثار رغم عراقته التراثية وما تزال سمعته تملأ الأرجاء محليا وعالميا صناعته: زيت الزيتون بنسبة 82% تقريباً وهيدروكسيد الصوديوم بنسبة 13% تقريباً و5% ماء ومواد أخرى. ويعتبر الصابون النابلسي مادة طبيعية كما جاء في تقرير المعهد الإمبراطوري في لندن بتاريخ 7/12/1934 يشعر وضاح القطب (42 عاما) بالأسى وهو يصف ما آلت إليه صناعة الصابون في نابلس، والتي تعاني تراجعا ملحوظا بان السمة السائد للعاملين في هذا المهنة في الآونة الأخيرة. وما تزال سمعة الصابون النابلسي تملأ الأرجاء محليا وعالميا، بسبب الصفات التي اشتهر بها على مدار قرون عديدة واحتلاله مرتبة عليا لدى الكثير من الدول والشعوب. وترتبط صناعة الصابون بتوفر زيت الزيتون التي اشتهرت به منطقة نابلس حيث يبلغ عدد أشجار الزيتون فيها ما يقارب مليوني شجرة زيتون تنتج 6740 طن زيت من أصل ثمانية ملايين شجرة في الضفة الغربية حسب إحصائيات جمعية التسويق الزراعي في حين كان نصف محصول الزيت الفلسطيني يستخرج من لواء نابلس عام 1943. وتعد مصبنة طوقان في وسط نابلس احد المعالم الرئيسة التي تعطي مؤشرات على استمرار هذا الصرح رغم كل المعيقات التي أثرت على صناعة الصابون في نابلس وأجبرت غالبيتها على الإغلاق والتحول إلى اهتمامات أخرى. وبدأ صلاح القطب احد العاملين في مصبنة طوقان منهمكا بتجهيز شحنة من الصابون لإحدى الشاحنات تمهيدا لنقلها للأردن وهو احد الأسواق الرئيسة لإنتاج الصابون فيما شقيقه وضاح وهو منسق العمل يعد قائمة باحتياجات المصنع من اللوازم. ويشير وضاح القطب إلى عائلته توارثت العمل بالمصبنة حيث عمل والده الذي توفي قبل 3 سنوات نحو 30 عاما إلى جانب أشقائه الثلاثة منوها إلى أن العمل في هذا المجال يحتاج إلى إتقان الحرفة كما أن كل قسم فيها بحاجة لمهارة معينة لا يمكن الجميع إتقانها. ويفخر بان مصبنة طوقان حصلت على شهادة الايزو وهي المصبنة الوحيدة بسبب مطابقتها للمواصفات العالمية الأمر الذي يؤهلها للتصدير لكافة أنحاء العالم. وفي دراسة متخصصة أعدها الباحث حسام عبود الشريف من نابلس ونشرها مركز الوثائق والأرشيف التابع لمكتبة بلدية نابلس حول صناعة الصابون النابلسي العريق إلى أن هناك اسماً آخر للصابون أورده المرحوم إحسان النمر وهو "الغاسول". وتتميز نابلس منذ القدم بصناعة الصابون المصنوع من زيت الزيتون ذو الجودة العالية ويمكن لنابلس التباهي بماضيها العريق في هذه الصناعة المتحضرة. ونالت نابلس شهرة كبيرة زمن الاحتلال الصليبي وكان الملك مسئولا عن هذه الصناعة التي كانت بمثابة احتكار ملكي حيث كان من المحظور ممارسة المهنة إلا بعد أن يمنحهم ملك بيت المقدس عقداً بالسماح بالعمل. وأشار الشريف إلى أن صناعة الصابون انتشرت في إنجلترا في القرن الرابع عشر فيما كان تجار نابلس آنذاك يجوبون أرجاء الوطن العربي لبيع الصابون الذي كان ضرورة ملحة عند العرب في حين كان متعة المترفين في إنجلترا ولم يستخدم إلا في الحمامات العامة وقضى على الصناعة في أوروبا بالقضاء على الحمامات العامة. وبلغ عدد المصابن في نابلس إبان الحرب العالمية الأولى 29 مصبنة منها 23 كبيرة وستة صغيرة تنتج 2640 طناً من الصابون حسب الموسوعة الفلسطينية وبقيت الصناعة مزدهرة وبلغ عدد المصابن عام 23 إلى 33 مصبنة إلى أن بدأ اضمحلال صناعتها بعد عام 1930. وعزا الشريف أسباب اضمحلال الصناعة النابلسية إلى ثلاثة أسباب :- الأول:- عدم حماية الاسم والماركة حيث انهمك أصحاب المصابن آنذاك بالمضاربة بينهم خاصة بالماركات ولم يعد هناك وجود لنقابتهم الأمر الذي قضى على تنظيم علاقاتهم واقبل معظم أصحاب المصانع على تسمية أحد أبنائه باسم "حسن" حتى يطلق على اسم صابونة "حسن تيمناً بحسن النابلسي الذي أصبح لصابونه شهرة واسعة في المناطق المجاورة. الثاني:- الضريبة الجمركية المقطوعة التي فرضتها مصر عام 1930م، وهي ضريبة فرضت على الصابون بإيعاز من حكومة الانتداب وكذلك رسوم الاستهلاك التي فرضتها سوريا على الصابون النابلسي عام 38، وبقيت الضرائب عبئاً على كاهل التجار الأمر الذي أدى لارتفاع الأسعار ولم تعد الطبقات الفقيرة تستطيع استهلاكه وتشجيع الأنواع الرديئة. الثالث:- سماح السلطات البريطانية باستيراد الصابون الأجنبي وهو رخيص الثمن وشجعت اليهود على إنشاء مصانع للصابون من زيوت وشحوم نباتية وحيوانية الرخيصة حيث هبط ذلك أسعار الزيت هبوطاً كبيراً. ويعزو القطب سببا جديدا وهو التدمير الذي لحق ببعض المصابن أثناء الاجتياحات الإسرائيلي خلال انتفاضة الأقصى حيث تم قصف وتدمير العديد منها. واهتم أهالي نابلس أصحاب المصابن بالدعاية ونشروا دعايات لصابونهم في الصحف والمجلات المختلفة وسارعت الشاعرة النابلسية فدوى طوقان إلى تثبيت أسماء الصابون وماركته في أبيات نذكر منها:- طوق جميل من الاتفاق زينة وما الصناعة إلا محض إتقان لكن صابونها ولا عجب يزينه من كمال الصنع طوقان. وأصبح تجار الصابون من الزعماء وأصحاب الالتزام وكبار التجار والعلماء ومنهم من صار أعضاء في مجلس المبعوثات العثماني ورؤساء وأعضاء المجلس البلدي، ونتيجة لذلك كان في المصبنة غرفة وقاعة يجلس فيها المالك وحوله الوجهاء والأثرياء وكبار الموظفين يتناقلون ويروون الأحداث والأحاديث. وذكر الشريف أن نقلاً عن المرحوم أكرم زعيتر أن أهم قرار سياسي اتخذ في زمن الانتداب البريطاني اتخذ في مصبنة الشكعة إذ تحركت نابلس بعد 17/4/36 وهو يوم اعتداء اليهود على عرب يافا تحركت لنصرة يافا وعقدت اجتماعاً تمهيداً بعد يومين في المصبنة المذكورة وضع فيه أسس ومبادئ الحركات الثورية عام 36 واتفق فيها على عدة أمور أهمها إعلان إنشاء اللجنة القومية للإشراف على سير الحركة الوطنية وان يتم الإعلان عن الإضراب العام في نابلس ودعوة سائر المدن للإضراب. وبلغ عدد المصابن حسب الباحث الشريف في 28/5/1942 في نابلس 26 مصبنة في أنحاء المدينة فيما وجدت فيها 15 ماركة للصابون بالأسواق قبل عام 1947م. استقطبت هذه الصناعة عدداً كبيراً من العمّال لاعتمادها عليهم أكثر من الآلات وتم تقسيمهم إلى أربع فرق رئيسية وهي:- • الأولى:- تعمل في الطابق الأرضي ويضم أربعة عمّال منهم رئيس يسمى الريس يقوم بالإشراف وتحديد أسلوب العمل وتقدير الكميات ومراقبة طبخ الصابون. • الثاني:- يتخصص في نقل الصابون من "الحلة" في الطابق الأرضي للطابق العلوي ويقوم رئيس الفريق بتسوية سطح الصابون المفروش بالمالج ويضم ما بين 5-8 عمّال. • الثالث:- متخصص بالتقطيع وتشييك الصابون وهم بين 5-3 عمّال. • الرابع:- يقوم بعملية لف الصابون بالورق وتجهيزه ونقله وتحميله. وقد كانت عملية تصنيع الصابون في الماضي حكراً على عائلات معينة مثل عائلات العاصي والهدهد والمعاني والتكروري ومرمش في عملية الطبخ وتخصصت عائلة طبيلة وحجازي وعناب والكخن في عملية التقطيع حتى أن كل من عمل بهذه المهنة سمي "طبيلي" – حتى اختلف معهم أحد أصحاب المصانع بداية القرن العشرين واحضر عمّالاً مصريين قاموا بعملية البسط والتقطيع . الإختلاف كان عن قيام العمال الأحرار( الطبيليين ...وعلى رأسهم آل طبيله وحجازي وعناب والكخن ) بإضراب عمالي ...وهذا تم قبل إضراب الـــ36 مما يدل على أن العمال النابلسيون هم من أوائل من أضرب عن العمل لأجل الحقوق وللمطالبه في حياة أفضل ...منذ أكثر من 100سنه . أما حالياً فان التخصص بين العائلات يكاد ينتهي والعمّال ينتمون لجميع فئات المجتمع ولا يوجد تخصص محتكر حالياً سوى عمل الصابون المطيب. ويعتبر الصابون النابلسي مادة طبيعية متعادلة ولا يدخل في قائمة المواد الكيماوية الضارة لأن نسبة الزيتون ب عالية وهو ينعم البشرة وقيمته التنظيفية عالية ويعرف عنه انه لا يبدأ بالرغوة قبل أن يزيل الأوساخ وهو مطهر ممتاز وبه نسبة قليلة جداً من الزيت غير المتصبن تفيد الشعر والجسم. كما يتباهى أصحاب مصانع الصابون النابلسي أمام الزوار ويقولون انه لا يمكن لأي مصنع صابون أن يسمح بدخول الزوار إلى مكان العمل إلا مصانع الصابون النابلسي لأنهم يقولون أن أحداً لا يستطيع الوقوف أمام الرائحة والمنظر المقزز لفضلات الحيوانات من شحوم ودهون في مصانع الصابون غير النابلسي. وذكر الشريف أن جماعة المصابنة لا ينتج الصابون إلا بكميات قليلة والبعض ربما يتجه نحو التوقف عن العمل خصوصاً أصحاب المصانع التي تنتج الصابون الأخضر حيث أن العدد الحالي للمصابن بلغ 29 مصنعاً. وتعتبر المصبنة اليوسفية (صبانة الست) في الحبلة أقدم مصبنة تعمل في نابلس حالياً وقد بنيت قبل عام 1685 حسب قائمة أعدها الباحث الشريف. وتمر عملية التصنيع حتى يصبح الصابون جاهزاً بعدة مراحل رئيسية وهي عملية الطبخ والبسط والتقطيع والتجفيف وأخيراً التغليف. وتدخل في صناعة الصابون المواد الرئيسية التالية: زيت الزيتون بنسبة 82% تقريباً وهيدروكسيد الصوديوم بنسبة 13% تقريباً و5% ماء ومواد أخرى. ويعتبر الصابون النابلسي مادة طبيعية كما جاء في تقرير المعهد الإمبراطوري في لندن بتاريخ 7/12/1934.* *** مع أجمل تحيه وأحلى الأمنيات ... من إبن طبيله ...إبن نابلس