الخالدي، علي أفندي: (توفي سنة 1231ه/1816م)
(قاضي يافا وغزة، ثم رئيس كتاب المحكمة الشرعية في القدس، ومن أعلام القدس البارزين في أوائل القرن الماضي.)
آل الخالدي من الأسر المقدسية العريقة، اشتهرت بالعلم ومزاولة وظائف القضاء والكتابة في الحاكم الشرعية. عُرفت العائلة لعدة قرون باسم الديري، نسبة إلى قرية الدير، بالقرب من مردى، من قرى جبل نابلس. وقد أشار مجير الدين الحنبلي في تاريخه للقدس والخليل إلى عدد من أعلام هذه الأسرة، اشتهروا بالعلم وتقلد مناصب القضاء في القدس وخارجها. وحافظت الأسرة على مكانتها ودورها خلال العهد العثماني. وذكرت وثائق المحكمة الشرعية أسماء العشرات من العلماء والقضاء المنتسبين إلى آل الديري الخالدي. ومنذ القرن التاسع عشر سقطت نسبة الديري عن العائلة وعرفت بالخالدي فقط. وقد أشار الكثير من وثائق المحكمة الشرعية في العهد العثماني إلى أن الخالدي جاء من انتساب أفراد الأسرة إلى خالد بن الوليد. وعلى الرغم من الشك في صحة هذا النسب تاريخياً، فإن المهم فيه أن العائلة، مثل غيرها من أسر بيت المقدس، اكتسبت شهرة ومكانة اجتماعية بارزة نتيجة لموقعها ودورها في القدس والمناصب العالية التي تقلدها بعض أفرادها على مر العصور.
ومنذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر، أخذت الأسرة، مثل غيرها من أسر العلماء والأعيان، تبذل جهدها لاحتكار المناصب الرئيسية في محكمة القدس الشرعية وتنقلها، بالوراثة، إلى أبنائها. وكان صنع الله الخالدي رئيس كتّاب المحكمة الشرعية في القدس، وأولاده وأحفاده من بعده هم أبرز من ظهر من هذه الأسرة في تاريخ فلسطين الحديث.
وعلي أفندي هو علي بن محمد بن خليل بن صنع الله الخالدي. توفي والده سنة 1172ه/1758م وهو صغير السن، فرعاه أقاربه حتى شب. وأخذ يتعاطى وظيفة الكتابة في المحكمة الشرعية مثل آبائه وأجداده. فبدأ موظفاً في يافا والقدس ثم عُين بعد ذلك رئيساً لكتّاب المحكمة الشرعية ونائباً للقاضي في القدس. وتشير وثائق سجلات المحكمة الشرعية إلى أنه شغل هذين المنصبين عدة أعوام خلال العقدين الأخيرين من القرن الثامن عشر. وقد ازداد نفوذ عائلات العلماء، ولا سيما آل الحسيني وآل الخالدي. وعُين أخوه الأصغر، موسى أفندي، قاضياً شرعياً في القدس سنة 1801، فعين علي أفندي نائباً له في يافا ثم في غزة. ولما حصل موسى (أنظر ترجمته) على الوظائف القضائية العالية خارج القدس (قاضي المدينة المنورة ثم قاضي عسكر الأناضول)، عين علين أفندي مكانه في القدس. قبل وصولهم إليها من الآستانة. ولما كان نائباً لقاضي القدس سنة 1804، وتوفي الجزار في عكا، قام علي أفندي الخالدي بإعادة تعيين محمد آغا «متسلم غزة والرملة وأمين يافا». وقد اشتمل كتاب التعيين تبريراً لتدخل نائب القاضي في شؤون الإدارة والسياسة، «خوفاً من تعطيل الأموال الميرية وصيانة الفقراء والضعفاء والبرايا.» لكن هذه الخطوة المدعومة من العلماء، وكذلك من «وجوه وأعيان البيت المقدس الشريف»، كانت مؤشراً إلى ازدياد نفوذ وسطوة هذه الفئة في تلك المدة. ومن خلال عمله ومناصبه، وسع علي أفندي نفوذه واستغل ضعف الحكم العثماني، فأخذ يتدخل في أمور الحكم والإدارة في بيت المقدس. وحاولت السلطات العثمانية معالجة هذا الأمر أحياناً، فأبعدته عن وظيفته ونفته إلى خارج القدس وأكثر من مرة. لكن ضعف الدولة وفساد أجهزتها كانا في مرحلة متقدمة، وكانت علاقات آل الخالدي متشعبة، فأعيد علي أفندي إلى منصبه في القدس، وبقي يشغله حتى وفاته في 19 ذي الحجة 1231ه/10 تشرين الثاني (نوفمبر) 1816، فورثه ابنه محمد علي. وقد فاق الابن أباه، ووسع نفوذ عائلته، وتولى هو وأخوته طاهر وسليمان وإبراهيم المناصب العالية في سلك القضاء.
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع