الخالدي، موسى أفندي: (1181-1247ه/1767-1832م)
(شيخ عالم، تولى القضاء في القدس ثم في المدينة المنورة حتى ارتقى إلى رتبة «الوزارة العلمية»، وهي وظيفة قضاء عسكر الأناضول في عهد السلطان محمود الثاني، الذي جعله من أقرب مقربيه.)
هو موسى بن محمد بن صنع الله الخالدي، أخو علي أفندي الكتّاب في محمكمة القدس الشرعية. ولد ليلة الثلاثاء 20 ربيع الأول 1181ه/16 آب (أغسطس) 1767م وترعرع في بيت مشهور بالعلم. درس على والده، وأخذ العلوم على يد كثير من علماء القدس البارزين في ذلك العهد، منهم الشيخ محمد البديري. كما أجازه في الطريقة الخلوتية والقادرية الشيخ كمال الدين الصديقي، ابن الشيخ مصطفى البكري، وخليفته الشيخ محمد أفندي أبو السعود. ورث أخاه الأكبر علي رئاسة الكتّاب عن والده، وعين موسى كاتباً في المحكمة الشرعية سنة 1198ه/1784م. وكانت الوظيفة المذكورة دون طموحاته، فسافر إلى مصر، ودرس في الأزهر ثم عُين قاضياً فيها. وعاد إلى القدس قبيل الحملة الفرنسية، وعُين رئيس كتاب المحكمة الشرعية ونائب الحاكم الشرعي فيها. وأيام الغزو الفرنسي، بقيادة نابليون، كان موسى أفندي في القدس في وظيفته تلك، الأمر الذي يثير الشك في صحة ما جاء في كتاب أحمد سامح الخالدي، «أهل العلم»، ونقله عنه «مؤرخ القدس» عارف العارف، من أن موسى أفندي أرسل منشوراً إلى أهالي البلد من الآستانة يحثهم على مقاتلة نابليون. فوثائق المحكمة في تلك الفترة كثيرة، وهي تشير في أكثر من مناسبة إلى أن موسى أفندي عاش في القدس في تلك المدة، والأرجح أن الأمر التبس على المؤرخين، إذ من المعروف أن موسى أدى دوراً مهماً في التحريض على غزوة إبراهيم باشا بن محمد علي في فترة 1831-1832، حين كان قاضي عسكر الأناضول في الآستانة، كما سيجيء تفصيل ذلك فيما بعد. وأيام الغزو الفرنسي قطعت الطريق بين القدس والآستانة مدة من الزمن، فعين أحمد باشا الجزار موسى قاضياً شرعياً في القدس بتاريخ 6 محرم 1214ه/10 حزيران (يونيو) 1799.
وبعد انسحاب نابليون واستقرار الأمور في البلد، عاد موسى أفندي إلى رئاسة كتاب المحكمة الشرعية ونيابة قاضيها مدة عامين تقريباً، ثم فرغ عن وظيفته لأخيه علي أفندي. وسافر موسى إلى الآستانة، واتصل هناك بالعلماء وشيخ الإسلام، فعُين في وظائف القضاء حتى تولى قضاء المدينة المنورة. ثم رجع إلى القدس وغُين للقضاء فيها ثانية وبصورة مؤقتة لفترات متقطعة. ورجع إلى الآستانة مجدداً وتقرب إلى كبار العلماء ورجال الحكم حتى عين قاضي عسكر الأناضول. وكان عالماً محققاً ومصنفاً مدققاً، فأجله العلماء، وقربه السلطان محمود للقضاء على الإنكشارية وإجراء الإصلاحات في الدولة ومؤسساتها.
ولما زحف جيش محمد علي باشا على فلسطين لاحتلالها في أواخر سنة 1831، واندحر جيش الدولة العثمانية، اتصل موسى أفندي بعلماء القدس وأعيانها وحرضهم على جيش محمد علي. ولما توقف الجيش المصري شهوراً أمام أسوار عكا خاف إبراهيم باشا من عواقف الموقف في القدس، وكان عمر النقيب الحسيني، أبرز أعيان القدس وأوسعهم نفوذاً في المنطقة، صهره، زوج ابنته رقية. فأعلن موقفه المعادي لمحمد علي والمؤيد للسلطان. فتخوف إبراهيم باشا من نشوب ثورة في جبال القدس يشترك فيها أعيان المدينة ومشايخ الريف من آل السمحان وأبو غوش. لكن سقوط عكا وتقدم الجيش المصري لفتح دمشق وباقي بلاد الشام قطع الطريق على مثل تلك الخطوة. وأما موسى نفسه فقد أرسله السلطان محمود الثاني للفصل في حادثة مهمة وقعت بالقرب من أنطاكية سنة 1247ه/1832م فتوفي فيها مسموماً في تلك السنة ودفن فيها. وقد ورد ذكره في تاريخ الوقائع العثمانية الرسمي، ويذكره كذلك جودت باشا في «تاريخه العثماني» عند ذكر تلك الحادثة.
كان موسى أفندي ذا خط حسن، وعقل راجح في الفقه، له فيه رسائل تدل على طول باعه فيه، كما كانت له اليد الطولى في الفلك والأزياج. وترك في القدس وقفاً كبيراً حبسه على أولاده وذرتيه. ولم يخلّف من الذكور سوى ولده مصطفى. وهو جد يوسف ضياء باشا الخالدي لأمه، وأبرز العلماء العرب الذين وصلوا إلى المراتب العالية في الدولة العثمانية. وقد ساهم كثيراً في تعزيز مكانة آل الخالدي، وربما كان له قسط مهم في ارتباط أفراد العائلة بسياسة الإصلاح التي بدأت منذ عهد السلطان محمود الثاني.
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع