تقع قرية يازور التي ترتفع حوالي 25 مترا عن سطح البحر، على بعد 5كلم من مدينة يافا شرقا، وحوالي 7كلم من مدينة تل أبيب، وما يقرب من 9 كلم من مصبنهر العوجا في البحر الأبيض المتوسط، وذلك على الطريق الممتدة من يافا إلى القدس،مرورا بمدينة الرملة. وإلى شمال يازور يمر خط سكة الحديد الرئيسي الذي يربط يافابمدينتي اللد والقدس، حيث يقوم بفصل يازور عن قرية سلمة الواقعة شمال يازور إلىالشرق من مدينة تل أبيب. بلغ عدد سكان يازور في عام 1945 حوالي 4030 شخصا. أمامساحة يازور فتقارب 12 ألف دونم، أي حوالي 12 كلم مربع
الاقتصاد والتعليم في يازور :
اشتهرت يازور ببساتينها المزروعة أساسا بالبرتقال، إضافة إلى عدة أنواع من الحمضيات والفواكه والخضراواتوالحبوب، حيث كانت زراعة البرتقال وقطفه وتصديره أهم مصادر الدخل بالنسبة للسكانبوجه عام. ومن برتقال يازور والقرى المجاورة عرف العالم برتقال يافا الذي اشتهر فيأوروبا بشكل خاص. وفي مواسم إزهار الأشجار، كان المارة يتمتعون برائحة الزهر أينماكانوا وأينما ذهبوا. وبسبب كون جميع أهالي يازور من المالكين للأرضي الزراعيةوالبساتين، فإن جميعهم كانوا من الميسورين، ولم يعرفوا خلال تاريخهم الطويل الفقرأو الحاجة. وفي السنوات الأخيرة التي سبقت قيام إسرائيل بإرهاب السكان وتشريدهموالاستيلاء على ممتلكاتهم وقريتهم، انتشرت تربية الأبقار الهولندية في القرية، مماأدى إلى زيادة الدخل وتنويع مصادره بالنسبة للكثير من العائلات، وزيادة استهلاكالسكان من الحليب والاجبان والزبدة .
وبعد انتشار زراعة الحمضيات على نطاق واسع في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، والتوسع في حفر الآبار الارتوازية، اتجه الكثير من أهالي يازور إلى هجر بيوتهم القديمة، وإقامة بيوت جديدة عصرية بالقرب من أشجارهم وآبارهم، في قلب البساتين، ينافسون العصافير في التمتع بهاوالعيش على خيراتها. كانت الآبار الارتوازية التي بلغ عددها حوالي 140 بئرا في عام 1945، المصدر الرئيسي لمياه الشرب والري، وكانت ماكينات ضخ المياه تقوم عادة بضخ الماء في برك كبيرة من الأسمنت المسلح، استخدمها الأهالي للري والشرب والسباحة على السواء. أما البلدة القديمة فقد استمرت تقوم بدورها كمركز تجاري وترفيهي، حيث الدكاكين والمقاهي والجامع والحلاق.
كان في يازور مدرستان، واحدة للبنين، تأسست عام 1920، وبلغ عددطلابها 430 طالبا في عام 1947، والثانية للبنات تأسست عام 1933، وكان عدد الطالباتفيها 160 طالبة. أقيمت مدرسة البنين في الطرف الشرقي من القرية على مساحة من الأرضتجاوزت 20 ألف متر مربع، استخدم بعضها كملاعب للأولاد، واستخدم الباقي كمزرعة ترويها بئر ارتوازية تعمل بمضخة كهربائية، وكانت المدرسة تقوم بتدريب التلاميذ على فنون زراعة الأرض وتربية النحل، إضافة إلى الدراسة الأكاديمية المعتادة. وكان للمدرسة مكتبة تحوي حوالي 583 كتابا. أما نسبة التعليم في القرية فقد قدرت في عام 1945 بحوالي 50% بين الرجال، وحوالي 5% بين النساء.
تاريخ يازور:
تشير الخرائط القديمة والآثار المتبقية إلىأن قرية يازور قديمة قدم التاريخ، وأن ذكرها جاء في حوليات الملك الآشوري سنحريب فيأوائل القرن الثامن قبل الميلاد. وتوجد في القرية عدة أماكن أثرية ذات أهمية تاريخية، حيث اكتشف فيها قبران يعودان إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد. ولقد تمفتح يازور على يد القائد العربي عمرو بن العاص أثناء فترة الفتوحات الإسلامية. ويعتبر جامع القرية الذي تعلوه القباب من أهم الآثار التاريخية في يازور، وهناك اتفاق حول تاريخ هذا الجامع الذي يقال أنه أقيم في القرن السابع عشر على أنقاض كنيسة مسيحية قديمة. وبعد احتلال القرية في عام 1948 قام اليهود بتحويل المكان إلى معبد يهودي. كما أن في القرية أنقاض قلعة رومانية تسمى (البوبرية)، ويعود تاريخها للقرون الوسطى، أقيمت للملك ريتشار قلب الأسد الذي قضى وقتا طويلا في منطقةيازور/يافا، حيث كانت القرية مسرحا للأحداث السياسية والمعارك الدامية التي دارتبين المسلمين والصليبيين في القرنين الحادي والثاني عشر ولا يمكن في الواقع الحديث عن تاريخ يازور دون ذكر العالم الحسن بن علي أبو محمد اليازوري الذيولي القضاء في الرملة ثم عمارة المسجد الأقصى في القدس في النصف الأول من القرنالحادي عشر. سافر أبو محمد اليازوري إلى مصر في عام 1040م، وهناك تمكن بفضل علاقاته ودهائه من الوصول إلى بلاط أم الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، حيث عمل في ديوانها سنوات قبل أن يُعين في منصبي قاضي القضاة وداعي الدعاة. وفي أول حزيران من عام 1050م تولى أبو محمد اليازوري أمر الوزارة، إضافة إلى وظائفه السابقة، مما جعله يغدو رجل الدولة الأول بعد الخليفة. وبسبب ذكائه وأمانته وحنكته السياسية وحسن إدارته، تمكن من القضاء على الفوضى والفساد وإعادة الاستقرار والهيبة للدولة. ولقدعُرف عنه حبه للفن والرسم والعمارة، وقيامه بتشجيع تلك النشاطات وتقريب المبدعين إليه ومجالستهم. إلا أن سعة نفوذه كانت سببا في تنامي أعدائه من الطامعين، إذ وشىبه أحد أعدائه للخليفة، متهما إياه بالاتصال بالسلاجقة وتشجيعهم على غزو مصر،وكانوا في حينه قد استولوا على الحكم في بغداد أثناء الحكم العباسي. لذا أمرالخليفة المستنصر بالله باعتقال أبو محمد اليازوري، ومن ثم أمر بقطع رأسه في عام 1058. ولقد كتب المؤرخ المقريزي يقول أنه بعد موت أو محمد لم تر الدولة صلاحا ولااستقام لها حال.
احتلال يازور:
بعد صدورقرار التقسيم في أواخر عام 1947 بدأت العصابات اليهودية تشن الهجوم تلو الآخر على القرية وذلك بهدف إرهاب سكانها وتهجيرهم، وفي شهر ديسمبر شنت العصابات الصهيونيةهجوما إرهابيا على أحد مقاهي القرية تسبب في قتل سبعة من شبابها. ولكن لم تمضيأسابيع حتى كانت يازور قد انتقمت لأبنائها بقتل سبعة حراس من اليهود بعد أن قيامهم باستفزاز أهالي البلدة، حيث دأبوا على اختراق القرية في سيارة جيب مدججة بالسلاح، وإطلاق النار في كل اتجاه بهدف ترهيب السكان. ويوم 22 ديسمبر استطاع شباب يازور بمساعدة شاب ألماني من إعداد عبوة ناسفة ووضعها على جانب الطريق. وحين مرت سيارةالحراس بالقرب من العبوة قاموا بتفجيرها. وحال وقوع الانفجار سقط الحراس على الأرضوسارعوا إلى الهروب إلى بيارات البرتقال المجاورة، إلا أن شباب يازور كانوا لهم بالمرصاد، حيث لاحقوهم وقتلوهم جميعا.
في أعقاب تلك الحادثة، أصدر إيغاليادين قائد عمليات منظمة الهاجاناه أمراً إلى إيغال ألون قائد البالماح قال فيه: عليك القيام بأسرع وقت ممكن ودون أية أوامر أخرى، بعملية ضد قرية يازور، ويجب أنيكون الهدف إزعاج القرية فترة طويلة، عن طريق القيام بعمليات تسلل إلى داخلها وإحراق عدد من المنازل. وبعد ساعتين من تلقي الأمر، قامت مجموعة تابعة لـ البالماح بمهاجمة سيارة باص بالقرب من يازور، حيث تسبب الهجوم في جرح السائق وعدد آخر منركابها، كما قامت في اليوم نفسه مجموعة أخرى بمهاجمة حافلة باص ثانية على مدخل يازور نتج عنه قتل وجرح عدد من الرجال والنساء والأطفال. ولقد استمرت هجمات العصابات اليهودية على القرية وعلى السيارات العربية المتجهة منها وإليها عشرين يوماً على التوالي، كما قامت وحدات يهودية أخرى بتفجير العبوات الناسفة بالقرب منالمنازل وفي يوم 22/ 1/1948م قررت قيادة الهاجاناه مهاجمة قرية يازور ونسف مصنع الثلج وبنايتين مجاورتين له، وأسندت مهمة التخطيط لإسحاق رابين، ضابط عمليات التخطيط العسكري في قيادة البالماح في حينه، حيث شارك في تنفيذ العملية أكثر منمجموعة إرهابية إضافة إلى أمنون جنسكي خبير المتفجرات في قيادة البالماح. ولقد تقررالبدء في الهجوم مع بزوغ الفجر، بانطلاق القوات الغازية إلى قرية يازور عبر بياراتالبرتقال، حيث قامت بنسف مصنع الثلج الواقع في طرف القرية الغربي على الطريق إلىيافا، ومهاجمة عدة منازل ونسف بعضها. كانت العملية بمثابة مجزرة أسفر عنها سقوط 15شهيداً من سكان يازور، قتل الإسرائيليون معظمهم في فراش النوم.
في أول مايو 1948 سقطت يازور مع عدد آخر من مدن وقرى فلسطين فييد القوات الإسرائيلية، وتفرق أهالي يازور في أركان ما كان قد تبقى من وطنهم. إذ بينما حاول البعض النجاةعن طريق البحر وانتهى بهم الحال في غزة، فر البعض الآخر في اتجاه اللد والرملة والقرى الواقعة في المنطقة الجبلية، والتي لم تكن أفضل حالا من يازور، إذ استولتعليها القوات الغازية في الأسبوع الثاني من شهر يوليو من العام نفسه. ولقد انتهىالحال بهؤلاء في نابلس والمخيمات المحيطة بها، وفي المخيمات المحيطة بأريحا، خاصة مخيم عقبة جبر. ومن هناك قام البعض بالذهاب إلى المخيمات في عمان، خاصة مخيم الوحدات والزرقاء. ولقد كان فقدان الأراضي الزراعية سببا في دفع شباب يازور إلىالسفر إلى أقاصي المعمورة طلبا للعلم، وبحثا عن فرص أفضل للعمل والحرية.
يازور بعد الاحتلال:
بعد أن تم توقيع اتفاقيات الهدنة مع الدول العربية المجاورة واستتباب الأمور، قامت الدولة اليهودية بتجزئة يازور، حيث تم قطع معظم أشجار البرتقال وغيرها من حمضيات، وتدمير البيارات في البلدة الجديدة وضمها لمستعمرة حولون التي غدت أكبر مدينة صناعية في إسرائيل، وتركوا البلدة القديمة على حالها تقريبا حتى التسعينات. وفي أعقاب توقيع اتفاقيةأوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في 1993 شعر الاسرائيليون أن بإمكانهمالاطمئنان إلى أن يازور وغيرها من القرى والمدن العربية التي احتلت عام 1948 لم تعد خاضعة للمفاوضات. ولذا قام الاسرائيليون بهدم معظم معالم القرية وبيوتها وإقامة بيوت ومحال تجارية مكانها وتطوير القرية إلى بلدة صغيرة جميلة أطلقوا عليها اسمآزور.
الصور المرافقة هي للقوات البريطانية تدخل القرية في عام 1919، وأحد المستوطنين اليهود يبدي فرحته باحتلال بيت من بيوت القرية والاستيلاءعليه، والصورة الملونة لبقايا القلعة الرومانية، والباقي لأطلال من القرية تذكربالاحتلال.
ارسلها:عصام محمد سعيد حسن عليان مسلط البطانجه
issam_muslat@yahoo.com