2011-07-30
أجرت المقابلة: فردوس محمد من صحيفة صوت الحق والحرية
بحفل مهيب وبهجة عارمة، كرمت مؤسسة "حراء" لتحفيظ القرآن الكريم أول حافظة لكتاب الله تعالى في مدينة يافا منذ عام 1948، الحافظة أصالة أبو زيد.
نشأت أصالة في بيت إسلامي وعائلة دافئة عامرة بطاعة الله عز وجل وخدمة دينه الحنيف وكتابه المجيد، وهي طالبة في المدرسة الثانوية في مدينة يافا.
وقد قدمت المؤسسة إلى الحافظة شهادة تقدير ونفقات مناسك العمرة، بالإضافة إلى تكريم من مدرستها ومن آخرين. وقد كان لنا معها هذا اللقاء:
* بداية نهنئك أن أكرمك الله تبارك وتعالى بهذه الكرامة أن حملت كتاب الله عز وجل، فما هي كلمتك الأولى في هذا اللقاء؟
- الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تسبح له السماوات السبع والأرضون، تسبح له النجوم وأفلاكها والأرض وسكانها والبحار وحيتانها، (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لهذه الأمة وكشف الغمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. وبعد:
قال تعالى: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)، وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ)، وقال تعالى: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
أحمد الله تبارك وتعالى على هذه المنة، وهذا الفضل العظيم.
* تتفاوت القدرات عند بني البشر، بخاصة في الحفظ، ولكن الله جل وعلا يقول في كتابه العزيز: (ولقد يسَّرنا القرآن للذكر فهل من مُدّكر)، وهذا حافز عظيم، يرفع كل الحواجز التي يمكن أن تجتاح تفكير الإنسان، حين يُقبل على خطوة كهذه، وبخاصة الأفكار المتعلقة بالوقت، فكم من الوقت يسر الله لك لحفظ كتابه الكريم؟ ومن خلال تجربتك فما هي أنسب الأوقات للحفظ؟
- لم يكـُن عامل الوقت عائقا كما يعتقد البعض، فقد استغرق حفظي لكتاب الله عز وجل ما يقارب السنة ونصف السنة، اجتهدت فيها في الحفظ ووضعت الحفظ كهدف أساس علي أن أبلغه خلال أقل وقت ممكن، قبل ذلك كنت أتعلم أيضًا في مركز حراء، إلا أن همتي وعزيمتي وإصراري لم تكن كافية لأحقق الحفظ، ولم يكن لدي هذا القدر من الإرادة وهي الأهم، كما أنني لم أضع الحفظ كهدف علي تحقيقه، ولكن بعد ذلك بدأت الحفظ بشكل جدي. وأذكر أنه أقيم معهد لمدة أسبوعين، فشاركت فيه مدة 8 أيام وأتممت حفظ جزئين، حينها اتضح لي أنني أملك القدرة على إتمام حفظ كتاب الله في مدة قصيرة جدًا، فاجتهدت وكان هدفي الأسمى هو حفظ كتاب الله كاملاً وأن أكون أول حافظة لكتاب الله في المدينة، عسى أن أكون قدوة ومصدر تشجيع للأخوات اللاتي يتعلمن معي في المركز، وقد تحقق لي ذلك بفضل الله عز وجل.
أما عن الوقت الأنسب للحفظ فهو بين الفجر والشروق، وبعد صلاة المغرب، وإن قدر الله لأحد منا أن يقوم الليل، ففي هذا الوقت أيضًا يتيسر الحفظ، بإذن الله.
* ذكرتِ الإرادة، وهي عنصر قد يفتقر إليه البعض ويعتقد أن من الصعب بناءه أو إيجاده، فكيف تكونت لديك الإرادة لحفظ كتاب الله عز وجل؟
- قد يكون للتحدي دور في ذلك، فقد قامت يافا بتخريج حفظة لكتاب الله (الشيخ محمود شنير، الشيخ عصام سطل، الأخ معتز الكردي) ولم تخرّج أية حافظة، في هذا الوقت تساءلت بعُمق!! لماذا لا توجد عندنا حافظات في المدينة؟ وكنت أرى في كل سنة في المهرجانات فتيات من مدن عدة أكرمهن الله بحفظ كتابه، ما قوّى الإرادة والعزيمة والهمة في داخلي وقررت أن أتم الحفظ مهما تطلب مني من طاقة ووقت.
* دائما وفي مثل هذه اللحظات، يتذكر المرء أناسا هم قلائد عز له، وأصحاب فضل كبير، عملوا لأجله، ودعموا تقدمه وتابعوا خطواته بعناية واهتمام، ولا شك أن هناك من دفعك إلى هذه الرفعة، أو واصل معك المسير منذ بداية الطريق، فمن من هؤلاء يخطر في بالك في هذه اللحظة؟
- أول من شجعني للحفظ والداي حفظهما الله ورعاهما وألبسهما تاج الوقار وأدخلهما الجنة مع الأبرار ورزقني برهما، فهما كانا مصدر التشجيع والدعم، الذي كان انبعاث التشجيع والدعم منه يزداد كل يوم.
فقد تابعا حفظي وكانا يهيئان لي الجو في البيت، ولا يكتفيان بالتسميع مرة واحدة، وكانا يأتيان لي بكلمات أو مواضع في القرآن؛ أما الكلمات فكان علي أن آتيهما بآية من القرآن تحتوي عليها، وأما الآيات فكان علي أن أكملها وأن أعرف في أي سورة وردت، ما أعانني على تثبيت الكثير من السور والآيات التي رسخت في ذهني، أدامهما الله تاجا فوق رأسي، وسلمهما من كل سوء.
وهناك كثيرون واجب علي شكرهم الشكر الجزيل للمساندة التي قدموها لي، وأخص بالذكر المربية جملات عمر كبوب، والأخت آمنة أبو سراري، والأخت علا شنير، والأخت أحلام حماد؛ اللاتي رافقنني في هذه المسيرة الطيبة والمباركة، وكن يضحين بوقتهن من أجل أن يجلسن معي في المسجد للتسميع. فلهن مني جزيل الشكر وبارك الله فيهن.
كما وأخص بالذكر الأستاذ إسماعيل دلق والأستاذ فرح أبو نجم والأستاذ رمزي كتيلات والأستاذ محمد أبو نجم، معلمي مركز "حراء"، الذين كانوا دائما يتفقدون أحوال الحفظ وكانوا يدعمون التقدم، وإن كان هناك تراجع كان الواحد منهم يسقي ثمرة الهمة والعزم بنصائحه، فلهم مني جزيل الشكر، وبارك الله فيهم، وجعلهم ذخرًا لبلدنا الحبيب.
أفتخر بكل هؤلاء وأنا مدينة لهم بالفضل الكبير، أسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتهم.
* كيف كنت تديرين وقتك؟ وما هي أكثر الأوقات التي كنت تغتنمينها للحفظ؟
- حقيقة لم أتقيد في الوقت، ولم أضع لنفسي ساعة معينة للحفظ، إلا أنني وضعت لنفسي خطة وهي أن أحفظ على الأقل في كل يوم 3 صفحات أو أكثر. أما في بعض الأوقات فكنت أحفظ صفحتين فقط، كان الوقت بين صلاة الفجر وحتى الضحى الوقت الأنسب للحفظ، وكان الحفظ يتيسر بعد صلاة المغرب كذلك.
*هل كان حفظك لكتاب الله يؤثر على الدراسة والامتحانات؟ وكيف كنت توازنين بين الأمرين؟
- الحمد لله الذي يسر لي الحفظ ولم يجعله عائقا للتعليم، فسبحان الله؛ عندما أخلصت النية في الحفظ، أصبح معدل نجاحي يعلو، بحيث أنني وبتوفيق من الله عز وجل وَفَّقْتُ بين الحفظ والدراسة، ففي أيام الامتحانات التوجيهية كنت أحفظ في كل يوم صفحة، فلم أجعل الحفظ يضر بالتعليم ولا التعليم يؤثر على وقت الحفظ، كما أن الحفظ قد ساعدني في مجالات كثيرة في المدرسة، منها اللغة العربية والدين، فاستنتجت أن حفظ كتاب الله يساعد على ارتفاع التحصيل في المدرسة وليس العكس، فالحمد لله على هذا التوفيق.
* في بداية الطريق، هل كان لديك تصور كم من الوقت يستغرق حفظ كتاب الله؟
- بعد المعهد الذي أقيم قال والداي: في السنة القادمة؛ في شهر نيسان ستنهين الحفظ بإذن الله. في البداية قلت في نفسي: لن أستطيع. وبدأت أمي تجري عمليات حسابية وتحسب كم صفحة علي أن أحفظ في اليوم لأنهي في شهر نيسان، لكن قدر الله وما شاء فعل، أنهيت الحفظ بتأخير شهرين من توقعات أمي وأبي، وأنهيت الحفظ في شهر حزيران، والحمد لله.
* هل لديك اليوم برنامج واضح لتثبيت الحفظ؟
- حقيقة لم أضع لنفسي برنامجا للتثبيت، إلا أنني أثبت في كل يوم صفحات في أوقات مختلفة، أسأل الله أن يسهل لي التثبيت، وسأضع خطة إن شاء الله تعالى وبرنامجا لرمضان بإذن الله.
* حدثينا عن شعورك يوم التكريم؟
- أسأل الله أن يكون عملي خالصا لوجهه الكريم، فالتاج الذي أنتظره ليس هو تاج الدنيا، وإنما أرجو أجري من عند الله عز وجل.
أما عن شعوري وقت التكريم، فصراحة مهما قلت وعبرت عن تلك اللحظات لن أستطيع وصف الشعور بالسعادة والفرح.
في البداية شعرت بأن قلبي يرتجف ارتجاف الطفل في البرد القارس، حتى إنني خشيت أن أقف أمام الناس. أما وقت التكريم فشعرت وكأنني أول مرة أحضن والدي، شعرت بأن جسمي لا يكاد يحملني، اقشعر بدني لفرحة ودموع أبي وأمي ومعلمي ومعلمات المركز وأخواتي في الله، اللاتي يدرسن معي في المركز، ودموع الحاضرين زادت دموعي التي تُعبر عن فرحي بفرحهم.
أما بعد التكريم، فقد أبقيت التاج على رأسي، لم أستطع أن أنزله عن رأسي، وكم تمنيت لو أنه كان تاج الوقار فألبسه أبويّ.
* ماذا بعد أن أكرمك الله بحفظ كتابه؟ هل من رؤية مستقبلية لديك؟ وما هو مشروعك المقبل نحو خدمة كتاب الله عز وجل؟
- لقد وفقني الله لحفظ كتابه، فلا بد لي بأن أشكره على هذه النعمة وأن أعمل لخدمة كتابه عز وجل، حيث سأرافق فتيات صغيرات بين الـ8–11 سنة، أرافقهن في الحفظ، كما أنوي بإذن الله دراسة تفسير القرآن والعلوم الشرعية ولي مشاريع أخرى سننفذها أنا وأخوات لي في الله في القريب العاجل..
* ماذا تحب أصالة أن تضيف في ختام هذا اللقاء؟
- أحمده تعالى على منّه وفضله وكرمه بأن وفقني لحفظ كتابه العظيم، وأسأله أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يرزقني فهمه وتدبره والعمل به، وأن يجعله حجةً لي لا حجةً علي.
وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان.