بدأت المواجهة الأولى بين عرب طبرية واليهود في الثامن من آذار 1948، واستمرت متقطة عدة أيام. في صبيحة ذلك اليوم سمع إطلاق نار من أحد الأحياء العربية، وما لبث أن تبعه إطلاق نار كثيف من مختلف أرجاء المدينة، من جوانبها العربية واليهودية، وساد المدينة اضطراب شديد سقط خلاله اثنا عشر جريحا من العرب وعشرة جرحى من اليهود. وفي محاولة لمنع التصعيد، التقى اثنان من الوجهاء العرب (صدقي الطبري ونايف الطبري) بتوسط من الكولونيل أندرسون، القائد العسكري البريطاني في المدينة، بآخرين من اليهود، ليتوصل الطرفان في اليوم التالي (9 آذار) إلى اتفاقية عرفت بـ "اتفاقية طبرية" كان أبرز بنودها ما يلي:
1- يواصل المواطنون حياتهم واتصالاتهم المشتركة كما هي عادتهم.
2- تبقى قوات الدفاع لكلا الطرفين في مواقعها وتمتنع من القيام بأية إثارة أو صدام.
3- يستطيع اليهود والعرب دخول جميع قطاعات المدينة بحرية طالما لم يحملوا السلاح.
4- سوف يبقى ممثلو الطرفين على اتصال لمعالجة أية حادثة.
وفي اليوم التالي لتوقيع الاتفاقية تجول وجهاء عرب وآخرون يهود في شوارع المدينة يبشرون بالهدنة وبوقف القتال.
من خلال ما جرى بعد توقيع الاتفاقية ومما كشف من معلومات من الجانب الصهيوني عنها وعن التطورات التي لحقتها، يمكن القول باطمئنان بأن اتفاقية طبرية في التاسع من آذار 1948 كانت خديعة مبيتة، وعملا تكتيكيا من جانب اليهود لالتقاط الأنفاس والإعداد لمواجهة أكثر حسما. فما يلاحظ أن من وقعوا الاتفاقية من الجانب اليهودي كانوا من السكان المحليين (المدنيين)، وقد تعرضوا في اجتماع عقد بينهم وبين قيادة الهاجناه في المنطقة إلى نقد من جانب هذه القيادة لدورهم في التوصل إلى هذه الاتفاقية. وقد دافع أحد موقعي الاتفاقية (موشيه ساهار) عن موقفه بالتأكيد على أن العرب هم الذين طالبوا باتفاقية لوقف إطلاق النار. ويؤكد ساهار نفسه في مناسبة أخرى على أن الاتفاقية كانت مؤقتة وخطوة تكتيكية حتى يحين الوقت للاستيلاء على القطاع العربي في طبرية. ففي شهادته التي تضمنها كتاب عن معركة طبرية يقول عن تلك الاتفاقية: "نحن لم ندخل في حالة من الهدوء والسكينة، بل على العكس من ذلك لقد ازددنا استعدادا للحظة الحاسمة".
لقد كانت طبرية هي المدينة الفلسطينية الأولى التي بادرت الهاجناه إلى تطبيق الخطة دالت فيها. وكانت الأوضاع الجغرافية / الاستراتيجية بالنسبة للمدينة عاملا مهما في احتمالات نجاح التطبيق. فقد كانت الأحياء العربية في المدينة القديمة شبه محاصرة من اتجاهين رئيسيين: في الشمال الغربي كان الحي اليهودي المعروف بقريات شمويل، ويعرف أيضاً بحزات (أحوزات) بايت، الذي يسيطر على الطريق الرئيسي الذي يربط المدينة بالناصرة وما بينهما من قرى عربية، بالإضافة إلى وقوعه على مرتفع يشرف على الأحياء العربية في أسفل المدينة مما يعطيه ميزة السيطرة والتفوق. أما في الجنوب فكان حي أحفا (والمعروف كذلك بحزات (أحوزات) كبير) قادرا على السيطرة على الطريق المتجهة جنوبا والتي تربط المدينة بسمخ. بالإضافة إلى وجود مستوطنتين يهوديتين تقعان على شاطئ بحيرة طبرية الجنوبي تتحكمان بحركة السير هناك، هما دجانيا أ Degania Ald (التي كانت قد أقيمت سنة 1910)، ودجانيا ب Degania Bet (التي كانت قد أنشئت سنة 1920). ولإحكام الطوق حول المدينة كانت قوات الهاجناه قد قامت في الأول من آذار 1948 باحتلال قرية المنارة التي تقع على بعد كيلومترات جنوب طبرية وشردت سكانها البالغ عددهم آنذاك نحوا من 570 نسمة.
على كل حال، لم تصمد "اتفاقية طبرية" على وقف إطلاق غير يومين. ففي 11 آذار 1948 تجددت الاشتباكات بين العرب واليهود، وامتدت لتشمل معظم أنحاء المدينة، وقد قتل فيها (وفق المراجع العربية) اثنان من اليهود وجرح أربعة من العرب. ولتهدئة الحال عقد اجتماع في دار الحكومة برئاسة حاكم لواء الجليل البريطاني والقائد العسكري البريطاني في المدينة وحضره من الجانب العربي خليل الطبري، عن اللجنة القومية، وعن الجانب اليهودي رئيس بلدية طبرية. وقد تم الاتفاق على الدعوة إلى وقف القتال. إلا أن الدعوة فشلت، فأعلن المسؤولون البريطانيون نظام منع التجول في المدينة إلى الساعة السابعة من صباح اليوم التالي، ورابطت قوات كبيرة من الشرطة الإنجليزية على مداخل المدينة.
تواصل القتال على امتداد اليومين التاليين (13 و 14 آذار)، وقد نشبت فيه اشتباكات مباشرة بين العرب واليهود في شوارع المدينة، وحاولت قافلة يهودية مسلحة اختراق الأحياء العربية فتصدى لها العرب ودمروها، كما اتهمت المراجع العربية القوات الإنجليزية بإطلاق الرصاص على العرب. وقد استشهد في هذه الاشتباكات ما لا يقل عن خمسة من العرب منهم امرأة. ووفقا للتقارير الصحفية اليهودية كانت خسائر العرب في هذه الاشتباكات خلال الأيام الثلاثة الأولى (من 11 إلى 13 آذار) ثمانية قتلى وأحد عشر جريحا. وتذكر هذه التقارير أيضاً أن العرب خسروا أربعة قتلى في اليوم التالي (14 آذار) وكان عدد جرحاهم سبعة، ولا تشير هذه التقارير إلى خسائر اليهود.
- انتهت هذه الجولة من القتال يوم 15 آذار بتدخل من السلطة البريطانية في طبريا.
- استمرت الهدنة قائمة، وقد التزم الطرفان بها، مدة 23 يوما، من 15 آذار إلى 8 نيسان عندما تجدد القتال الذي انتهى باحتلال وطبريا وترحيل سكانها العرب عنها.
المصدر: كتاب طبرية
د.عصام سخنيني/بتصرف