معركة السقوط 8-17 نيسان 1948
على كل حال، تجدد القتال في 8 نيسان 1948. وليس هناك معلومات مؤكدة عمن انتهك المهدنة المفروضة أولا، وإن كانت المراجع الصهيونية تحمل العرب مسؤولية ذلك. وفي هذا اليوم نشط القناصة العرب، وأوقعوا ثمانية قتلى من بين اليهود حسب التقارير الصحفية اليهودية، بينما أشارت تقارير صهيونية إلى وقوع أحد عشر قتيلا من بين العرب إلا أن التقرير الرسمي البريطاني عن حوادث هذا اليوم لم يسجل إلا ستة قتلى من العرب. وفي مقابل عمل القناصة العرب تعرضت الأحياء العربية في المدينة القديمة لقصف يهودي عنيف بقذائف الهاون من مراكزها المشرفة على تلك الأحياء.
استمر القتال شديدا خلال الأيام الأيام الأربعة التالية (9 – 12 نيسان) وكان القتال يتخذ شكل حرب شوارع، حاول اليهود خلالها أن يخترقوا بعض الدفاعات العربية والتسلل إلى الأحياء العربية حيث قذفوها بالقنابل ومدافع الهاون والرشاشات، إلا أنهم فشلوا في ذلك نتيجة المقاومة العربية الشديدة التي واجهتهم. وأكثر من ذلك فقد تمكن المناضلون العرب من السيطرة على بعض المراكز اليهودية المهمة في المدينة بما فيها فندق أدلر وبنك أنكلو بالستاي
هذه الجولة من القتال التي استمرت خمسة أيام (8 – 12 نيسان) والتي لم يتمكن اليهود من تحقيق هدفهم باقتحام المدينة شابها في يومها الأخير (12 نيسان) نكسة معنوية عندها هاجمت قوات الهاجناه قرية ناصر الدين التي تقع على المرتفعات الغربية المطلة على طبرية وارتكبوا فيها مجزرة قتلوا فيها اثني عشر عربيا (من رجال ونساء وأطفال) ودمروا منازلها وأحرقوا وشردوا باقي السكان الذين اتجهت غالبيتهم إلى طبرية. وكانت مهاجمة القرية جزءا من الخطة دال لإحكام الحصار حول طبرية. إلا أنها بالإضافة إلى ذلك كان لها مردود نفسي سيء في نفوس أهل طبرية الذين رأوا أهل القرية يشردون من منازلهم، ويروون أخبار الفظائع التي ارتكبتها القوات الصهيونية. وقد عززت أخبار مجزرة ناصر الدين أخبار مجزرة دير ياسين التي وقعت قبل يومين منها فقط، وصباح 10 نيسان 1948 والتي ذهب ضحيتها ما لا يقل عن 350 من سكانها، رجالاً ونساء واطفال.
مهما يكن الأمر فعلى الرغم من قسوة وقع مجزرة ناصر الدين (12 نيسان) على أهالي طبرية فقد تواصل القتال في المدينة على مدى اليومين التاليين (13 و 14 نيسان)، وقد تمكن المناضلون العرب في هذا القتال من تدمير عدد من البنايات اليهودية، كما نسف اليهود منازل عربية قريبة من مناطقهم حسب التقارير الصحفية العربية. بينما تشير التقارير الصحفية اليهودية إلى أن القوات اليهودية تمكنت من تصفية عدد من المواقع العربية وأن العرب نهبوا المخازن اليهودية في المدينة القديمة.
ويشير عارف العارف إلى أنه أثناء ذلك وصلت نجدات إلى المدينة من المناطق المجاورة، بعد أن استنجد أهل طبرية بالمناضلين المرابطين في الناصرة فأنجدهم هؤلاء بفئة يقودها محمد العورتاني، وهو من ضباط الجيش الأردني الذي كانت له مواقع على الأراضي الفلسطينية، وبفئة أخرى يقودها دياب الفاهوم، من الناصرة، كما انتدب رئيس المناضلين في الناصرة المعروف بأبي إبراهيم رجلا اسمه أبو الرب.
غير أن هذه النجدة وصلت متأخرة فقد كانت الأوضاع قد نضجت للجولة الأخيرة التي انتهت بعد ثلاثة أيام بالكارثة. وكانت صورة الوضع كما يلي: فرض الجيش الإنجليزي نظام منع التجول الكامل على طبرية لمدة ثلاثة أيام اعتبارا من 14 نيسان، غير أن اليهود لم يلتزموا بذلك إذ أدخلوا تعزيزات ومعدات إلى المدينة القديمة ونسفوا موقعين للعرب. وفي اليوم التالي لفرض منح التجول (5 نيسان) انسحبت القوات الإنجليزية من حي جب البان العربي الذي يقع في شمال المدينة وقرر الجانب اليهودي الاستفادة من ذلك بالسيطرة على الطريق المؤدي من هناك إلى الجليل الأعلى وعدم الحصار حول المدينة.
في 16 نيسان بلورت الهاجناه خطتها لاقتحام طبرية بتفصيل، ووضعت لنفسها الأهداف الرئيسية التالية:
1- تنظيف المنطقة المحيطة بطريق الخروج إلى الجليل الأعلى.
2-الاستيلاء على القلعة العربية الحصينة في فندق طبرية التي تسيطر على مخرج المدينة الشمالي، أي الطريق المؤدي إلى شرق الجليل الأعلى وصفد.
3- تصفية مواقع العدو في جب البان.
4- الهجوم على المدينة القديمة والاستيلاء عليها.
في ليلة 16/17 نيسان بدأت وحدات مشتركة من الهاجناه والبالماخ بمهاجمة المدينة القديمة
بالمدفعية والمتفجرات ونسفت منازل عدة مما نشر الرعب في المدينة. وقد طلب الوجهاء
العرب الاتفاق على هدنة إلا أن الهاجناه رفضت المفاوضات وأصرت على استسلام أهل
طبرية غير المشروط. عند ذلك طلب العرب من البريطانيين أن يرفعوا حصار الهاجناه عن
المدينة، وأن يوفروا الحماية للمناطق العربية، وكان جواب البريطانيين أنهم سوف يخلون
المدينة خلال أيام قليلة لذلك لا يستطيعون توفير مثل تلك الحماية.
اشتدت الحملة اليهودية يوم 17 نيسان على الأحياء العربية، واحتلت قوات الهاجناه والبالماخ المباني الكبيرة المشرفة على تلك الأحياء مثل فندق طبرية الكبير (فندق كروسمان) الذي كان حتى ذاك بيد العرب وبنك باركليز، مما مكنها من قصف الأحياء العربية بكثافة والتقدم من هناك باتجاه المدينة القديمة وهي تنسف المنازل العربية التي كانت في طريقها. وبات واضحا آنذاك أن سقوط طبرية بيد هذه القوات إنما هو مسألة ساعات قليلة. فقد كان المقاتلون العرب يخوضون معركة يائسة، على الرغم من الشجاعة التي أظهروها في محاولاتهم صد الهجمة الكاسحة، لكن بإمكانات متواضعة وبأسلحة كانت تنفذ ذخائرها.
إلى جانب هذا الوضع العسكري المتردي كانت الضائقة الاقتصادية في طبرية قد وصلت ذروتها نتيجة الحصار الصهيوني الذي فرض عليها، فقد كانت تعاني من شح في السلع والأغذية مترافق مع ارتفاع في الأسعار وعدم تمكن التجار أنفسهم من بيع بضائعهم.
وقد تصادف وقوع الهجوم الصهيوني الحاسم على طبرية العربية (يوم 17 نيسان) مع إصدار مجلس الأمن الدولي قراره رقم 46 الذي دعا فيه إلى "إيقاف جميع الأعمال ذات الصبغة العسكرية أو شبه العسكرية وكذلك أعمال العنف والإرهاب والتخريب" في فلسطين، كما طلب من "حكومة المملكة المتحدة، ما دامت هي الدولة المنتدبة، أن تبذل قصارى جهدها لحمل جميع المعنيين على قبول (تلك الإجراءات)، ومع احتفاظها بحرية عمل قواتها، أن تشرف على تنفيذ هذه الإجراءات من قبل جميع المعنيين".
غير أن هذا القرار لم يكن يعني شيئا بالنسبة لطبرية، فقد كانت مقاومة أهلها قد استنزفت، وحققت القوات الصهيونية سيطرة فعلية على المدينة، وأخذت القيادة العسكرية الإنجليزية فيها بالإعداد لتسليمها إلى اليهود بعد إخلائها من سكانها العرب. وفي هذا التقت السياسة الإنجليزية مع الخطة الصهيونية حول ترحيل (أو طرد) العرب من مدينتهم.
المصدر: كتاب طبريه
د.عصام سخنيني/بتصرف