محمود الحاج قاسم / صفد
أنا مواليد 1944، في صفد.
كنت صغير إبن 4 سنوات عندما طلعنا من فلسطين فلا أذكر شيء..
ولكن يقول أهلي أننا كنا "طراشة" يعني عنا طرش، نصنعه برا البلد.
صفد المدينة الوحيدة التي لم يبق فيها إنسان عند الإحتلال، عنا حارة يهود وعلقوا مع بعضهم، وجيش الإنقاذ كان خائن فساعد على تسليم البلد لليهود.. وطلعنا كلنا.
في ثورة 1936، كان هناك ثوار كثير من صفد مثل محمود حجازي، وإستشهد وقتها جدتي وعم والدتي، عندما ضرب الإنجليز عالبلد. من حارتنا وحدها إستشهد 13 شخص.
كان في مجموعات حراسة من أهل البلد..
مثل ما صار مع بقية القرى، جيش الإنقاذ قال لنا أخرجوا ونحنا منحميكم وبعد أيام قليلة ترجعون.. ولكن الجيش سلمها لليهود.. كان جيش الإنقاذ يعطي للثوار شلاح معطّل، الطلقة لا تخرج من البارودة. أي مؤامرة كانت على فلسطين.
صحيح أني لا أذكر شيء عن فلسطين، ولكني لا أقبل أي شيء حتى مال الدنيا كلها تعويض عن فلسطين ولا عن ذرة تراب منها.
لا يوجد أغلى من الوطن.. ومن لا وطن له لا دين له.
عندما خرجنا من فلسطين، ذهبنا الى لبنان (صور)، النس فيها كانوا كُرماء وإستقبلونا وإستحملونا. لم يكن عيادات ولا مدارس..
الحياة بالجنوب اللبناني عدم كانت.. ولكن ناس كُثر فتحوا بيوتهم لنا ثم ذهبنا الى مخيم الراشيدية فوجدنا خيم.. لكل عائلة خيمة.
كانت الأهالي موزعة، كل أهل قرية معينة بقرب بعض.
بالمخيم القديم كانت العلاقة بين النس والعائلات من أحسن ما يكون.. كان أي شخص كبير ومحترم و"آدمي" كان يمون على المخيم كله.
ولكن الآن تغيّر كل شيء.
فلسطين بلد الخيرات. هواء فلسطين مميز عن كل البلاد..
عندما ذهبنا على الحدود كنت عندما أشم هواء فلسطين، قلبك ينشرح.
في صفد، الناس كلها تحب بعضها.. هي مدينة وحولها قرى.. تعتمد على القرى التي حولها، وأهل القرى يعتمد على المدينة.
من عائلات صفد، الحاج قاسم، قدورة، الحاج شحادة، خرطبيل، الخضرة، لا يقل عن 50 عائلة بصفد.
كان عنا طرش، والكل مبسوط.
كان بصفد حوالي 5 – 6 جوامع، هناك شيوخ كثر..
صفد احدّ الآن مقيّد عليها أملاك غائب، أي لأهلها الذين خرجوا.
صفد مصيف جميل بل من أجمل المصايف، فهي تربط بين لبنان وفلسطين والأردن.
طبعاً تم تقييدي بالأنروا، ولكني أريد الذهاب والعودة الى فلسطين ولو تحت خيمة.. الوطن أغلى شيء بالدنيا.
من الأملاك بصفد هي البيوت والطرش.
كان عدد سكان صفد 25 ألف شخص، لكل حارة مختارها. أما اليوم الصفديين عددهم 450 ألف وأغلبهم بسوريا.
عندما خرجنا من صفد أخرجنا الطرش معنا وعندما وصلنا على لبنان بعد سنتين ماتوا. لم نُخرج وثائق معنا.
كلمة أخيرة للجيل الجديد أنه مهما أغروكم بالدنيا من مال، لا تعويض لنا عن فلسطين. لأن الشخص لا يشعر بعزّة وكرامة إلا بأرضه.