فايز أحمد مرعي – النهر
وأنا عندي 14 ولد، نريد أن نكثر من الشعب الفلسطيني
أنا فايز أحمد مرعي من مواليد 1943- النهر، سُميت النهر بذلك لأنه فيها نبع، إسمه نبع الفوارة، يحدها من الشرق، ونبع المفشوخ يحدها من الغرب، ولذلك سميت بالنهر. وفيها 12 بستان، وجنبه العفيفي وهي معروفة جداً.
من عائلات النهر، العفيفي، مرعي، آل عطية، الزحمد، دياب، الأسعد، وهناك أسماء كثيرة أخرى.
عدد سكانها 175 ألف شخص بالنهر وماحولها.
طلعنا بـ1948، مع الناس الذين طلعوا، بسبب الإنجليز وهم أعداءنا وبسببهم خرجنا وجلبوا الصهاينة اليهود. فلجأنا إلى لبنان، وعانينا كثيراً.
الحياة بالقرية كانت ممتازة، أبي إسمه أحمد سعيد مرعي، كان والدي يحدثنا عن القرية، فيها بساتين من حمضيات وزيتون وفواكه، من ملاكين القرية آل عفيفي، آل مرعي، آل الشاذلي، آل الزحمد، وبيت شريتح.
الناس تعيش من خيراتها بالفلاحة تعمل بأراضيها.
هناك متعلمين كثير، مثل إبن عمي كان يعلم بفلسطين وعمل بلبنان بالإنروا حتى التقاعد.
عمي محمود السعيد عنده حوالي 40 ولد وساكن الآن بالبرغلية، متزوج 4 زوجات.
وأنا عندي 14 ولد، نريد أن نكثر من الشعب الفلسطيني، وبالنسبة لقضيتنا، نحن نعلم أولادنا مثل ما أهلنا علمونا عن فلسطين.
كان عندنا جامع بالقرية أو الشيخ من بيت المصري، ولا يوجد آثار ولكن الناس كانت تأتي لتشاهد النبعين. وعندنا مقبرة، كان زمان مل شيء مؤمن.
والمدرسة موجودة وبعيدة. وكان من يريد أن يكمل تعليمه بعد الابتدائي يذهب إلى عكا. فإبن عمي تعلم ومعه "الماتريك" وهي تعادل الليسلنس هنا، كان الإنجليز يُعطون هذه الشهادة.
القرى التي تحدها، أم الفرج، الغابسية، الشيخ داوود، والتنقل بين القرى بسيارات الأجرة، وكان هناك شاحنات لنقل الخضار، والسيارات العادية كانت قليلة جداً.
بالنهر، كانت الخضار التي تُزرع، تورد إلى حيفا وعكا ويافا بالشاحنات. وبقيت هذه الشاحنات حتى خرجنا فيها إلى لبنان.
في 1948، صار هناك خداع، فكانوا يقولون أخرجوا وأن جيش الإنقاذ سيدافع عن البلاد وبعدها تودون، فالقصف يكون من جهة ويقولون للناس أطلعوا، فخرجوا من فلسطين، وبعد عشر أيام عاد أبي إلى فلسطين ليأخذ النقود الموجودة بالجارور، فوجد النقود ما زالت موجودة، فأخذ النقود وعاد، ومازلنا لحد الآن ننتظر. كانت مؤامرة كبيرة، لأن الإنجليز عرضوا على اليهود عدة بلدان كوطن لهم، فلم يقبلوا إلا بفلسطين.
أنا أذكر وما أخبرني به والدي، كنا نطلع من بلد لبلد وأوقات بالشاحنات حتى وصلنا إلى حدود لبنان، ودخلنا بنت جبيل وجئنا إلى صور بمدرسة الجعفرية، ثم إستأجرنا بيت بصور، وبالخمسينات ذهبنا إلى مخيم البص، والحياة صعبة لحد الآن.. لا نستطيع تعمير البيوت إلا بتهريب البضاعة على الدراجات النارية.
كان مختار القرية من بيت المصري إسمه أبو برهان المصري، كان متعلم وكان أستاذ والبلد إختارته لأنه متعلم.
من وجهاء القرية حسن العفيفي، وأبو قاسم الشاذلي، ومحمد الشاذلي ومن بيت الأسعد أبو أسعد ومن أبو معروف الزحمد.
الألفة وعجبة كانت تجمع الأهالي، لا يوجد مشاكل بين الناس.
لا وجود للغيرة بين الأهالي، الجميع يحترم الأهالي، لغاية ما جئنا إلى لبنان، فظل هذا الإحترام موجوداً، مثلاً إذا أرادد أحد الكبار أن يرسلني لأشتري شيء من الدكانة، ورفضت، فكنت أُضرب من الرجل الكبير ومن أمي ومن أبي.
كنا نزرع الزيتون، وفي هنا معصرة، أو كل قريتين كانت تشترك في معصرة، وحسب زراعة الزيتون كانت تتواجد المعصرة.
كان كل بيت عايش من خيراته ومن طرشه، كل المونة تتواجد في كل بيت.
والإنارة كانت على الكاز، بالأول كان على الزيت ثم تطورنا للكاز. وأنا في صغري كنت أدرس على الكاز. أما متابعة الأخبار، فكانت عبر الراديو، الكل يجتمع حول الراديو لسماع الأخبار.
ثورة 1936، في بدايتها كان فيها أبو إبراهيم الكبير وأبو إبراهيم الصغير، ومحمد سعد وعبد القادر الحسيني، هم قادة الثورة.
وأذكر أن عبد القادر الحسيني عندما إستشهد في معركة الأسطل كان معه دبابة ومجموعة ثوار، زوج خالتي ووالدي كانا من الثوارـ كان والدي يحضر السلاح من بعلبك ويعود الى فلسطين. كان يشتري بواريد إنجليزية وفرنسية وألمانية. وفي آخر الأيام صاروا يشتروا الخرطوش الذي تبين أنه فاسد. ونفس السلاح أستخدم في 1948، وصارت البارودة تنفجر بالثوار، وارتقى شهداء ولكن لا أذكر أسماءهم، توفوا بالقصف على القرية.
اليهود كانوا يهاجموا البلد من ثلاث جهات ويتركوا جهة لهروب الناس. أيام الإنجليز كانت معاملتهم ليست سيئة، فكان القانون يمشي على الكل. كان هناك إنتداب بريطاني.
عانيينا بلبنان كثيراً، فنجن عانينا وكذلك اللبنانيون عانوا.. في ناس رجعت على فلسطين في العام 1949، وفي ناس لم تستطع الرجوع.
لم يبق أحد في القرية، والدي أخرج معه أوراق الطابو، والآن هي عند أخي الكبير، وهذه الأوراق لا تُقرأ الآن فأصبحت مهترئة.
أوصي ولادي بأرضنا ووطنا، مثلاً أحفادي بالدانمارك، ولكن ما زالوا يقولون نحن فلسطنيين ثم دانماركيين، وهذا ما يريحني..
ولن ننس فلسطين، ومهما طال الزمان..
إذا صح لي الرجعة لأرجع، نحن لا نريد التوطين، بدنا نرجع على بلادنا.
نحن قيمتنا ببلادنا.
نحن نقول لكل الشعب الفلسطيني الصبر والجهاد والعودة لا بد منها.