توفيق عابد-عمّان
نـُظم في العاصمة الأردنية عمان أمس حفل إصدار موسوعة "فلسطين عبر الوثائق" في جزئها الثاني لمؤلفها الباحث الفلسطيني الدكتور ربحي حلوم. وقد وصفت الموسوعة بأنها "أكبر وأحدث وأدق وثائقية فلسطينية" للتطورات والأحداث والاتفاقات والاتصالات العلنية والسرية مع إسرائيل، معززة بالنصوص والخرائط والصور والوثائق المتعلقة بالقضية الفلسطينية عبر 25 عاما.
وتضم الموسوعة -الصادرة عن دار الفنار بعمّان- 960 صفحة، تتضمن 157 وثيقة بالإنجليزية، وخريطة ملونة، ومعلومات إحصائية، بتوثيق أمين وعصارة جهد بحثي امتدّ 12 عاما، وتتناول قضايا العلاقات الفلسطينية الداخلية والمصالحة المتأرجحة، ومشاريع الاستيطان والتهويد الممنهج، وخطة دايتون.
فلسطين والذاكرة
وفي حفل إشهار نظمه مجلس النقابات المهنية بالأردن مساء الأربعاء، وصف رئيس مجلس الأعيان الأردني طاهر المصري الباحثين والسياسيين والمثقفين والمخلصين العاملين في سبيل قضيتهم القومية، بـ"الوفاء والانتماء لفلسطين وترابها الطهور".
وقال -مخاطبا نخبة من المثقفين- إن الموسوعة لها أهمية كبرى لأنها تجمع كل الوثائق المعروفة وغير المعروفة، حتى يعرف كل إنسان ما هي أوضاع القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني، معربا عن سعادته لكتابتها بالإنجليزية "ليتعرف عليها الغرب الجاهل المتآمر على القضية العربية".
ويرى المصري أن إسرائيل والصهيونية عملتا على مسح الذاكرة الفلسطينية، ولذلك "فكل جهد يبذل في توثيق أية قرية أو شارع أو مدينة فلسطينية هو جهد في مكانه الصحيح، وفي المستقبل ستتجمع كل النضالات الجهادية والبحثية التي تتفق على مبدأ تحرير فلسطين وأن فلسطين ستبقى بالذاكرة، ولن يكون هناك استيطان إحلالي".
وأضاف أن "الأمور السياسية كما يبدو مجمدة، وهناك احتمالات كثيرة تدور، لكن إيماننا بوحدة الأراضي والشعب الفلسطيني والشعوب المؤمنة بفلسطين ستتغلب على الصعاب"، مؤكدا أن "قضية فلسطين لن تذوب ولن تختفي، وستعود القدس وفلسطين حرة"، وواصفا مواقف الباحث ربحي حلوم بأنها "صلبة لدرجة العنف".
جهاد ومقاومة
أما رئيس مجلس النقباء المهندس محمود أبو غنيمة فوصف الموسوعة بأنها "جهاد ومقاومة" لخدمة القضية الفلسطينية، وقال إن فلسطين ستبقى "بوصلة الشرفاء"، وتحدث عن "وحدة المصير" بين الشعبين الأردني والفلسطيني.
وأضاف "نؤمن بفلسطين دون تيارات أو طائفية أو فئوية، ولا نعرف كأردنيين سوى فلسطين التاريخية، وأن حلم تحريرها سيتحقق قريبا".
ومن جهته، قال مؤلف الموسوعة الباحث الفلسطيني الدكتور ربحي حلوم إنه "لا استراحة لمحارب أو مبحر إلا مع تحرير آخر حفنة من تراب فلسطين، لأن فلسطين ليست ملكا لشعبها بل لأمتها". وأكد أنه "خاض شرف القتال بالبندقية والعمل السياسي والدبلوماسي"، وأنه "بغير البندقية لا تنتصر معركة في مواجهة احتلال همجي يجثم على رقاب شعبنا".
ويكشف الدكتور حلوم -بوصفه كان سفيرا لمنظمة التحرير الفلسطينية في تركيا عام 1990- محاولات "ترتيب لقاء سري" بين الرئيس الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق شامير في قبرص التركية "بترتيب تركي"، مبينا أن الصحفي التركي المعروف جنكيز جان دار نقل الرسالة من مستشار عرفات بسام أبو شريف، ولما نفى عرفات معرفته بالأمر تحمل أبو شريف المسؤولية باعتبارها "مبادرة شخصية".
اعتذار ورهان
ويتحدث حلوم عن طلبه آنذاك عقد اجتماع للجنة المركزية لـ"فتح" في تونس لمناقشة اللقاء الذي اكتشفه بالصدفة. كما يتحدث عن رهانه -بالاتفاق مع وفد صحفي أميركي وأوروبي يضم 23 إعلاميا كان يزور تركيا- على وجود قرار من الأمم المتحدة يعطي كافة الشعوب التي تقع تحت الاحتلال حق مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل، بما فيها السلاح.
ووفق الرهان، فقد تعهد الوفد الصحفي بـ"الاعتذار عن تقصيرهم في حق القضية الفلسطينية، وتصحيح مواقفهم"، في حين تعهد حلوم -في حالة عدم وجود قرار- بأنه سيقر بأن "قضيتنا غير عادلة"، لكنه "كسب الرهان" بإرساله نص القرار من الأمم المتحدة في نيويورك.
ومن أبرز ما تتحدث عنها الموسوعة "وثيقة عباس/بلين" الصادرة عام 1996، والتي حملها عضو في اللجنة المركزية لـ"فتح" -تحفظ المؤلف على ذكر اسمه- إلى المحامي الراحل إبراهيم بكر فأصيب بصدمة لدى قراءتها.
وتنص الوثيقة -المؤلفة من 13 صفحة- على قيام إسرائيل بتوسيع بلدية القدس إلى مشارف أبو ديس، لتصبح القدس الكبرى وتسمى بالإنجليزية والعبرية، وتصبح الضواحي (أبو ديس ومحيطها) عاصمة للدولة الفلسطينية التي ستعلن مستقبلا، دون أية إشارة إلى الأماكن المقدسة التي سيسمح بزيارتها للأديان كافة.
وثائق خاصة
كما تنص الوثيقة على تشكيل هيئة دولية بديلة عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لتتولى تأهيل اللاجئين حيث يقيمون، وتتولى إسرائيل مسؤولية توفير المخصصات المالية عبر علاقاتها مع الدول والمنظمات الدولية، على أن يسمح للاجئ المقيم في الشتات بزيارة أراضي الدولة الفلسطينية بموجب الوثيقة.
وجاء في الموسوعة أن الرئيس محمود عباس نفى أكثر من مرة وجود وثيقة من هذا النوع، رغم أن الكنيست الإسرائيلي ناقشها -بطلب من حزب الليكود مناكفة منه لغريمه حزب العمل- وأجرى عليها تعديلات.
وتحدث الكاتب عن وثيقة أميركية للرئيس الأميركي الأسبق بنيامين فرانكلين يحذر فيها من تغلغل الصهيونية في أوساط الشعب الأميركي، ويقترح وضع نص دستوري يحول دون تسلم اليهود مواقع حساسة في مراكز صنع القرار في المستقبل الأميركي، والوثيقة محفوظة بمكتبة الكونغرس.
كما أفرد الباحث مساحة واسعة لبروتوكول اتفاق الخليل الذي أبرم في يناير/كانون الثاني 1997، وأعطى وفق الموسوعة 20% من مساحة الخليل لإسرائيل.
وكشف حلوم للجزيرة نت اعتذار دولة عربية عن تمويل طباعة الكتاب بعد موافقتها، عقب ممارسة ضغوط عليها لم تذكر مصادرها، ممّا دفعه لبذل أقصى ما يستطيعه لطباعة الموسوعة على نفقته الخاصة، "لتكون أمانة تاريخية لأولادنا وأحفادنا".
المصدر : الجزيرة