كانت العائلة ( في البصة)، حتى أواخر العشرينات، تضم الجد والأب وأبناءه الذكور وزوجاتهم وأبناءهم. وقد يصل حجم العائلة ما بين العشرين والثلاثين فرداص يعيشون في بيت كبير واحد، والجد هو رأس هذه العائلة التي عليها إطاعته، وإذا مات يخلفه إبنه البكر في تدبير شؤونها.
غير أن هذا النمط أخذ يتبدل في الثلاثينيات، بحيث أن الإبن عندما يتزوج يخرج من بيت أبيه ويؤسس بيتاً جديداص يستقل فيه مع زوجته.
أما بالنسبة لتنظيم النسل، فلم يكن ذلك وارداً، فالوالدان يريدان الأيدي العاملة المساعدة في الزراعة، ويريدان المكانة الإجتماعية، وهذه لا تأتي إلا بكثرة عدد الشبان في الأسرة، الأمر الذي يعبرون عنه بقولهم فلان له عزوة.
على أن التفكير بتنظيم العائلة أخذ يظهر في المدة الأخيرة بين اهالي البصة وفي المناطق والبلدان التي يقطنون فيها بعد النزوح القسري عام 1948، لكن الشيء الملاحظ أن الوالدين بقيا يهتمان بإنجاب البنين وينزعجان من إنجاب البنات ولكن بنسبة أقل من الأول، مع الحرص على الإستمرار في الإنجاب إلى أن ترزق العائلة أكثر من ذكر واحد. وإذا حدث أن رزقا أكثر من بنت بالتتابع فعلمية الإنجاب تستمر إلى أن يرزقا بالذكور، ويحاول الناس تخفيف "المصاب" بقولهم: "بكثروا الصهورة" و "الصهر سند الظهر". وإن تكن هناك سلبيات تنشأ عن محبة الحماة لصهرها: "اللي بتحب النسيب تسيب"، لكن ذلك محدود جداً.
النوادر الــشعبية
إعتماد أهالي البصة في أسمارهم رواية النكتة والنادرة، كما إعتادوا التحلق في المقاهي حول المدعو إسماعيل حمورة، وقد كان رجلاً سريع الخاطر ظريف النادرة والنكتة. ومن النوادر والطرائف:
عمل إسماعيل المذكور بوليساً لفترة من الزمن في أحد المعسكرات البريطانية، وإعتاد الضابط المسؤول عنه أن يأخذ منه، بين الحين والآخر، رشوة. وعندما إمتنع إسماعيل عن الإستمرار بتقديم الرشاوى حنق الضابط فأجابه إسماعيل: إحسبني دجاجة، فالدجاج يبيض أياماً وينقطع عن البيض أياماً.
من النوادر الغريبة، أنه إبان العهد التركي، وفي وقت تزايدت فيه الضرائب والفقر، حشد أهل البصة قوة ساروا بها إلى قرية الزيب المجاورة، لإرغامهم على الإعتراف جهراً بأن قسماً من الأراضي التابعة للبصة ليست لأهاليها، وذلك تخلصاً من الضرائب، وعاد أهل البصة بالأهازيج على إعتبار أنهم ربحوا معركة بتنازلهم عن الأرض بالمجان.
كانت هذه النوادر تثير الإرتياح في النفوس فيضحك السامعون من أشداقهم ويحفطونها ويقومون بروايتها أمام الآخرين، فكانت بذلك عامل إمتاع وإنشراح.
من كتاب:
المجتمع والتراث في فلسطين: قرية البصة
يوسف حداد