ملف القدس
بيت حنينا والجدار العنصري
تقع قرية بيت حنينا شمالي مدينة القدس، وتبعد عنها 8 كليومترات، وتحيط بها قرى بيت إكسا والنبي صموئيل من الغرب، وحزما وشعفاط من الشرق، وبلدتا الرام وبير نبالا من الشمال، وقرية لفتا المهجرة من الجنوب، وتبلغ مساحة أراضيها 15،839 دونماً.
كانت القرية تتبع مدينة القدس إدارياً وتنظيمياً منذ القدم، وبقي الأمر كذلك حتى احتلال الضفة الغربية في سنة 1967 حين قامت إسرائيل بمصادرة معظم أراضيها من أجل الاستيطان، فبنت مستعمرة راموت في أواخر السبعينيات على أراضيها الجنوبية، بينما ضُم جزء كبير منها شرقاً إلى مستعمرة النبي يعقوب، وشمالاً إلى مستعمرة عطروت التي تعد واحدة من المناطق الصناعية الإسرائيلية.
وعمدت سلطات الاحتلال إلى تقسيم البلدة إلى قسمين فأتبعت الجزء الشرقي منها، والمعروف ببيت حنينا الفوقا أو الجديدة، لبلدية القدس، والجزء الغربي المسمى بيت حنينا التحتا أو البلد، لمناطق الضفة الغربية. وعند مجيء السلطة الفلسطينية أُلحق هذا القسم الأخير بوزارات السلطة ومؤسساتها الخدماتية.
وبعد اندلاع الانتفاضة بنت سلطات الاحتلال أجزاء من جدار الفصل العنصري من ثلاث جهات أحاطت بالقرية وأبقت الجهة الشمالية فقط مفتوحة في اتجاه بلدة بير نبالا، وقد أدى هذا الجدار إلى تقسيم بيت حنينا إلى قسمين منفصلين شرقاً وغرباً من دون تواصل بينهما، كما يؤكد الأستاذ خالد أبو زيتون من سكان بيت حنينا البلد.
ويتابع أبو زيتون أن قراراً عسكرياً إسرائيلياً بمصادرة 2400 دونم من أراضي البلدة صدر في سنة 2004 لمصلحة جدار الفصل العنصري، الأمر الذي أدى إلى قطع تواصل السكان مع حقول زيتونهم شرقاً وجنوباً، ولا سيما أن الزيتون يشكل أحد أبرز منتوجات القرية الزراعية، ويعود عمر بعض أشجاره إلى العهد الروماني، كما قام الاحتلال بشق شارع استيطاني من الجهة الشرقية عزل بيت حنينا عن شقها الشرقي. ويضيف أبو زيتون أن سياسة المصادرات لم تتوقف، إذ أُلحق هذا القرار بقرار آخر يقضي بمصادرة 5500 دونم لمصلحة الجدار والاستيطان، ولم تفلح محاولات اللجوء إلى القضاء الإسرائيلي في وقف هذا القرار، بل إن الجرافات الإسرائيلية شرعت في قلع شجر الزيتون ونقله إلى المستعمرات.
الجدار: فصل جغرافي وتفتيت للنسيج الاجتماعي
إن الجدار الذي قسم بيت حنينا إلى قسمين معزول أحدهما عن الآخر تماماً، كان أثره في أسرة نسيم، على سبيل المثال، تراجيدياً، ذلك بأنه عزل الأسرة خلفه، بحيث مُنع أفرادها من مواصلة طريقهم في اتجاه القدس كونهم من حملة هويات الضفة الغربية، ولم يسمح لهم بالتواصل إلاّ مع بيت حنينا التحتا أو البلد عبر بوابة يحملون مفاتيحها، ولا يتجاوز عرضها 80 سنتيمتراً، ويحرّم عليهم إدخال أي شخص عبرها كي لا يجد طريقه نحو القدس. وتتم المراقبة عبر كاميرا مثبتة بالقرب من المكان، وأي خرق لهذا يعني طرد سكان البيت، وعددهم 12 فرداً، من منزلهم.
وفي هذا الإطار يقول كمال نسيم الملقب بأبي رمزي إن بيت والده الذي بات خلف الجدار صار محرماً عليه، كونه من سكان بيت حنينا البلد ولا يستطيع اجتياز البوابة إلاّ بتصريح يخوله قطع مسافة ثلاثة أمتار، لكنه لم يحصل عليه بسبب الرفض الأمني من طرف جيش الاحتلال. ويضيف أن تواصله مع أمه وأبيه وإخوته خلف الجدار لا يتم إلاّ عبر قيامهم بزيارته في منزله، وإذا ما حدث أن أصيب أحدهم بالمرض فإن الاطمئنان عليه يكون في المستشفى لا في المنزل.
ومن ويلات الجدار الأخرى ومصائبه كما يقول أبو رمزي التعامل مع الوفيات من السكان في بيت حنينا الفوقا أو الجديدة، إذ إن مقبرة قسمَي بيت حنينا توجد في بيت حنينا البلد، وفي حال حدوث وفاة، فإن على ذوي الميت حمل النعش في اتجاه رام الله عبر معبر قلندية العسكرية والالتفاف به نحو قرية بير نبالا فبيت حنينا البلد وصولاً إلى جبانة البلدة، الأمر الذي يعني أيضاً أن على الميت ومشيّعيه قطع 30 كيلومتراً بدلاً من كيلومتر ونصف كيلومتر، كما كان مألوفاً قبل الجدار.
ولا تنتهي المعاناة عند مواراة الميت في الثرى، وإنما تمتد على مدى ثلاثة أيام، ذلك بأن أهل الميت لا يجدون بدّاً من البقاء في بيت حنينا البلد واستئجار إحدى قاعاتَي الأفراح الموجودتين هناك لتقبّل التعازي من أقاربهم حملة هوية الضفة في هذا الجزء من البلدة، فقاعات الأفراح باتت تستخدم للأتراح. وهذا السيناريو يتكرر مع كل زيارة من ذوي المتوفى لضريحه، وقد تكون هذه الحالة دلالة على تقطيع الأوصال الاجتماعية لسكان البلدة في شتى المناسبات من زيجات وأفراح وأحزان.
الصحة والتعليم
لا يوجد في بلدة بيت حنينا أي صيدلية أو عيادة خاصة أو أهلية، وإنما تقتصر الخدمات الصحية فيها على عيادة تتبع وزارة الصحة الفلسطينية، وتُقدَّم فيها خدمات الرعاية الصحية الأولية يوماً واحداً في الأسبوع، الأمر الذي يدفع السكان إلى البحث عن الخدمات الطبية في القرى المجاورة، أو في مدينة رام الله، ومعظمهم لا يقدر على دفع ثمنها بسبب البطالة المتفشية بين الرجال بعد فقدهم مصدر رزقهم في الأرض التي صودرت لمصلحة الجدار والاستيطان، أو بسبب عدم قدرتهم على اصتصدار التصاريح اللازمة للعمل في القدس.
ويوجد في قرية بيت حنينا البلد أو بيت حنينا الضفة كما يسميها السكان مدرستان: الأولى، تدعى الأدهمية وهي مدرسة مختلطة يدرس فيها الطلبة حتى الصف السادس الأساسي، الثانية، مدرسة بيت حنينا الثانوية التي تنتقل إليها الفتيات لإكمال دراستهن، بينما يتعين على الذكور الذهاب إلى القرى المجاورة، مثل بير نبالا والجيب، الأمر الذي رفع نسب التسرب من المدارس، كما يقول الأستاذ خالد أبو زيتون مدير مدرسة أكاديمية الأراضي المقدسة، الذي يُرجع السبب في ذلك إلى أن القرية تفتقد شبكة مواصلات أو خطوط سير توصل إليها، وأن عمليات التنقل تجري بواسطة سيارات غير قانونية حتى بلدة بير نبالا، ثم الانتظار هناك لركوب مواصلات أُخرى إلى رام الله. ومدرستا البلدة تتبعان وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ويبلغ عدد الطلبة فيهما 150 طالباً وطالبة من مجموع عدد السكان الذي لم يعد يتجاوز 1500 نسمة.
وبحسب أبو زيتون، فإن مدرسته التي كانت منذ افتتاحها في سنة 1999 تتخذ من بيت حنينا البلد مقراً لها، وتستقطب الطلبة من مختلف مناطق محافظة القدس امتداداً من قرية الجيب حتى التلة الفرنسية ووادي الجوز مروراً بالرام وحزما، قد اضطرت في سنة 2003 إلى الانتقال إلى بلدة الرام، وذلك بسبب الجدار وعدم قدرة مواصلات الأكاديمية على الوصول إلى الطلبة لجلبهم وإعادتهم، الأمر الذي تسبب بانخفاض نسبة الطلبة الملتحقين بها من المناطق خلف الجدار بنسبة 70٪.
ووفقاً للسكان، فإن البلدة تعاني تفشياً واضحاً في ظاهرة المخدرات، ولا سيما أن كثيرين من مروجي هذه الآفة هم من الإسرائيليين الذين يحضرونها إلى مناطق قريبة حيث يوزعونها على الشباب.
الآثار
اكتشفت سلطات الاحتلال في أثناء عمليات الجريف لإقامة الجدار اثاراً تعود إلى العهد البيزنطي، فأحاطتها بالسرية واستجلبت علماء آثار إسرائيليين إلى المكان الواقع غربي البلدة حيث قاموا بالتنقيب بعد تغطيتها بسواتر قماشية، وعقب انتهائهم من ذلك جعلوها خلف الجدار، للاستيلاء عليه وإظهاره كمعلم يهودي مقدس.
الهجرة
بعد هذه المضايقات التي تعرض لها سكان البلدة بفعل الجدار واعتداءات المستوطنين المستمرة عليهم، وخصوصاً الاعتداءات على المنازل الواقعة على أطراف البلدة من الجهتين الغربية والجنوبية، والتي تطال البشر جسدياً والشجر تجريفاً، فضلاً عن عميات الدهم والاعتقالات التي ينفذها جيش الاحتلال ليلاً، وكذلك ضيق الحال وقلة الأشغال والأعمال، فإن كثيرين من أهالي البلدة الضطروا إلى الرحيل عنها إمّا في اتجاه رام الله والقرى المجاورة، وإمّا نحو الشطر الآخر من القرية بالنسبة إلى حملة الهوية الزرقاء حفاظاً على مواطنيتهم في مدينة القدس، ومن أجل قطع الطريق على قيام الاحتلال بسحب هوياتهم المقدسة منهم. أمّا القسم الآخر من الأهالي، كما يؤكد أحمد البورش رئيس مجلس محلي بيت حنينا، فقد آثر اللحاق بأقاربه المقيمين بالولايات المتحدة الأميركية.
ومن مآسي الاحتلال الأخرى التي أصابت بيت حنينا، ضرب الحركة التجارية فيها، فبعد أن كانت قبلة المتسوقين من أحياء القدس القريبة مثل شعفاط وحزما والرام وبير نبالا وبيت حنينا الفوقا بحكم قربها من مدينة رام الله، وبالتالي رخص الأسعار فيها، أضحت اليوم منطقة بلا محال تجارية، إذ أقفل أصحاب المحال الكبرى محالهم التي انتشرت في البلدة قبل بناء الجدار العنصري، أو نقلوها إلى قرى أُخرى أكثر حيوية ونشاطاً. وعلى هذا الأساس عندما تسأل أحداً من البلدة عن أحوالها ووضعها يبادرك بسؤال قبل أن يجيب، هو: قبل بناء الجدار أم بعده؟ الأمر الذي يعني أن سكان بيت حنينا استحدثوا روزنامة للزمن مرجعها تاريخ بناء الجدار العنصري.
قرى شمالي القدس الاستيطان الزاحف
تعد قرى شمالي غربي القدس تاريخياً الامتداد الجغرافي وسلة الغذاء الرئيسية لمدينة القدس المحتلة، بحكم موقعها وإنتاجها الزراعي، ولا سيما أنها تشتهر بزيتونها الرومي وعنبها وخوخها وحضرواتها، وتبلغ مساحتها الكلية 76.234 دونماً بحسب الإحصاءات الرسمية، إلاّ إن نكبة 1948، وما جرى عقب حرب حزيران/يونيو 1967، أفقدا المنطقة جزءاً من مساحتها، إذ يشير بعض المصادر إلى أن نحو 2600 دونم من أراضي المنطقة تسربت إلى اليهود.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن عدد سكان تلك القرى، بموجب التعداد الذي أُجري في سنة 2007، بلغ 39.258 شخصاً، وهو رقم تغير بالتأكيد صعوداً أو هبوطاً، تبعاً للمناطق المتعددة ومدى قربها من جدار الفصل العنصري، إذ أدى بناء الجدار إلى هجرة في صفوف السكان، لكن لا توجد أرقام دقيقة بشأن ذلك، ولا سيما أنها تركزت في أوساط حملة الهوية المقدسية الزرقاء. وفضلاً عن الجدار، فإن رفض منح السكان تراخيص للبناء كما هي الحال على سبيل المثال، في قرية النبي صموئيل التي لا تتجاوز عدد سكانها 280 نسمة، يفرض على الشباب الرحيل عندما يتزوجون، كما يؤكد المحامي محمد بركات من القرية.
عندما نتحدث عن قرى شمالي غربي القدس فإننا نقصد بذلك القرى التالية: قطنة، القبيبة، خربة أم اللحم، بيت عنان، بِدّو، بيت سوريك، بيت إكسا، النبي صموئيل، بيت إجزا، بيت دَقُو، الجيب، ويضاف إليها بير نبالا وبيت حنينا التحتا. وكانت هذه القرى تتبع مدينة القدس إدارياً وتنظيمياً خلال الحكم الأردني، وكان سكانها يحملون جوازات سفر أردنية، وبعضهم لا يزال يحملها إلى الآن. وخلال الفترة الأردنية كانت معاملات المنطقة الشخصية للأفراد تنجز في أحد مباني شارع صلاح الدين في مدينة القدس المحتلة، كما يقول الحاج محمود الجمل من بيت سوريك. ويضيف: كنا لا نعرف رام الله ولا نزورها، فما تنتجه أرضنا من خوخ وعنب وزيتون وغيرها من الخضروات والثمار كان يجد طريقه إلى أسواق القدس حيث كنا نذهب إليها بالباص عبر الجيب والرام أو بيت حنينا التحتا ونصلها في غضون نصف ساعة أو أكثر.
بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967 سارع الاحتلال إلى تغيير الواقع الإداري والتنظيمي للمنطقة التي تعرضت قبل ذلك لاعتداءات متكرره من طرف العصابات الصهيونية التي أنشأت مستعمرة زراعية على قمة أحد الجبال جنوبي قرية قطنة سمّتها معاليه هاحميشاه، وعقب سنة 1967 عمل الحكم العسكري الإسرائيلي على سلخ المنطقة عن مدينة القدس، وباتت معاملات المواطنين ورخص البناء والتنظيم تنجز في مقر الحاكم العسكري والإدارة المدنية في مدينة رام الله.
حزام استيطاني يتوسع بلا حدود
على صعيد المستعمرات ومصادرة الأرض فإن المنطقة محاطة بسلسلة من المستعمرات من الشمال والجنوب والشرق، بينما يمتد الخط الأخضر على حدودها الغربية. ومن هذه المستعمرات غفعات زئيف التي تعد واحدة من أكبر أربع مستعمرات في الضفة، وكذلك مستعمرة راموت اللتان بُدئ العمل بهما في النصف الثاني من السبعينيات، كما بنى الاحتلال مستعمرات أُخرى مثل هار شموئيل وغفعات هاحدشاه، الأمر الذي أكمل الجهتين الشرقية والشمالية للمنطقة بحزام استيطاني. أمّا في الجهة الجنوبية فقد بنى المحتل مستعمرة غفعات هارآدار المخصصة للعسكريين من جنود وضباط، وقد توسعت هذه المستعمرات على حساب أراضي المواطنين، لكنها تضخمت بعد سنة 2000 نتيجة تغلغل الاستيطان في المناطق التي باتت خلف الجدار العنصري. وتلخص حكاية بيت الحاج صبري غريب واقع الاستيطان وأثره المدمر في الحياة الفلسطينية، فقد صودرت أرضه في قرية قرية بيت إجزا لمصلحة مستعمرة غفعات زئيف، ولم يبق له اليوم منها إلاّ مكان بيته وممر يوصله إلى العالم الخارجي من تحت الجدار، وعند سؤاله عمّا آلت إليه حاله قال: ماذا تتوقع عندما يكون خصمك هو القاضي؟
لقد باتت آلاف أشجار الزيتون ومئات الدونمات من كروم العنب والتين في قرى بيت دقو وبيت سوريك وقطنة وخربة أم اللحم وبيت إكسا محرّمة على أصحابها اليوم، ولا يمكن الوصول إليها خلف الجدار إلاّ بتصاريح خاصة. وعبر بوابات خاصة تمتد على طول الجدار كما حدثنا محمود الشيخ من بِدو، الذي قال إن الحصول على التصاريح ليس بالأمر السهل، وهي غالباً لا تُمنح إلاّ لكبار السن وفي مواعيد محددة من العام، ويضيف: حتى بعد أخذ التصاريح المطلوبة علينا الانتظار ساعات إلى أن يحضر جنود ما يسمى حرس الحدود كي يفتحوا البوابات ساعات محدودة بعد تفتيش وإهانات تقشعر لها الأبدان.
رام الله بديل من القدس
منذ انتفاضة الأقصى فقد المواطنون ارتباطهم بمدينة القدس وباتت رام الله قبلتهم الوحيدة، لكن خلال الفترة 2000 - 2006 صارت رام الله بعيدة، مع أنها لا تبعد عن أقصى قرية من قرى المنطقة إلاّ 17 كيلومتراً، وأصبح لزاماً على المواطنين الالتفاف عبر قرى غربي رام الله واجتياز ثلاثة حواجز عسكرية يرابط عليها جنود الاحتلال وضباط استبخاراته. وعن هذا الجانب حدثنا الصحافي بلال غيث من قرية بيت إكسا قائلاً: في البداية كنا نصل إلى رام الله من الطريق الذي يمر بمستعمرة غفعات زئيف فبيتوننا بمحاذاة معتقل عوفر غربي رام الله، ولما اندلعت الانتفاضة أُغلقت هذه الطريق فصرنا نذهب إلى حاجز قلندية بعد أن نقطع الساتر الترابي في النبي صموئيل مشياً كي نستقلّ سيارات الأجرة مروراً ببيت حنينا عبر طريق ترابية غير مؤهلة كانت مصيدة للاعتقالات، إلى الالتفاف عبر الكسارات المحاذية، فيطاردنا الجنود بقنابل غازهم السام. وكان لزاماً على أكثر من 15000 مواطن من موظفين وطلبة ونساء وأطفال وشيوخ قطع هذه الرحلة مرتين يومياً.
وبحسب غيث فإن هذا الواقع دفع بالعديد من المواظفين إلى الهجرة والسكن في مدينة رام الله وأطرافها. وبعد سنة 2006 فتح الاحتلال طريقاً جنوبي رام الله يوصلها ببير نبالا فالجيب فبِدّو عبر نفق أرضي يسير فوقه المستوطنون، وكانت هذه الطريق مزدحمة دائماً بسبب الحاجز العسكري الموجود عند مدخل قرية قلندية البلد، والذي أزيل كحاجز ثابت مؤخراً، لكنه كثيراً ما يوضع كحاجز مفاجئ يؤخر الموظفين والطلبة.
واقع المنطقة التعليمي والصحي
يوجد في المنطقة مجموعة من المدارس تشرف عليها جهات متعددة، فالأونروا تشرف على مدارس مخصصة للإناث في كل من بِدّو وقطنة وبيت سوريك وبيت عنان، حيث تتلقى الفتيات التعليم حتى الصف التاسع الأساسي، ثم يكملن الصفوف الثلاثة المتبقية في المدارس الحكومية أو الخاصة. وقد جاء دخول الوكالة على خط التعليم لأن سكان هذه القرى جرى التعامل معهم كلاجئين، ولا سيما أن جذورهم تعود إلى قرى مهجرة تقع في أراضي 1948، فمثلاً: سكان قطنة فقدوا أرضهم في لوبيرة، وسكان بِدّو احتُلت أراضيهم في سلبيت، وأهالي بيت سوريك يعودون إلى قرية بيت شنّا. أمّا الأمر الآخر الذي دفع بالأونروا إلى العمل في قرى شمالي غربي القدس فهو بسبب وقوعها على خط المواجهة.
بالإضافة إلى ذلك، تشرف وزارة التربية والتعليم على المدارس التي كانت تتبع ضابط التعليم في الإدارة المدنية التي تسلمها بدوره من الحكومة الأردنية بعد حرب حزيران/يونيو 1967.
ويوجد في المنطقة عدد من المدارس الخاصة التي تلتزم المقررات التعليمية الفلسطينية، علاوة على عدد من رياض الأطفال التي تتبع إحداها الدير الوحيد الموجود في المنطقة في قرية القبيبة، والذي يعود تاريخه إلى زمن السيد المسيح، ويُعتقد أنه تناول عشاءه الأخير فيه.
ومنذ أربعة أعوام افتتحت جامعة بيت لحم كلية للتمريض تقع في الدير الموجود في القبيبة.
والمعروف بدير عمواس، والذي يشرف أيضاً على دار للمسنين والعجزة.
وعلى صعيد القطاع الصحي يعمل في منطقة شمالي غربي القدس عدد من المؤسسات الحكومية والأهلية والقطاع الخاص، إلى جانب الأونروا التي افتتحت عيادة في قرية بيت سوريك بعد بناء الجدار الفاصل تقدم فيها خدمات الرعاية الصحية الأولية ومتابعة مرضى السكري وضغط الدم ورعاية الأطفال والحوامل كبديل من الزاوية الهندية في مدينة القدس التي لم يعد أهالي المنطقة يستطيعون الوصول إليها.
وتشرف الإغاثة الطبية علي عيادتين صحيتين في كل من بيت عنان وبيت دُقّو وبِدّو، بينما يقدم الهلال الأحمر الفلسطيني خدماته في قرى بِدّو وقطنة وبيت إكسا، وتنفذ مؤسسة لجان العمل الصحي أيام عمل طبي مجانية بين حين وآخر في المنطقة. ويوجد في قرى شمالي غربي القدس مستوصفان وعدة عيادات تتبع القطاع الخاص وتقتصر خدماتها على العمليات الجراحية البسيطة. وفي هذا الإطار عانى المرضى والحوامل في هذه القرى جرّاء سياسات الإغلاق ومنع الحركة في اتجاه القدس، إذ أكد سائق الإسعاف حسن الفقيه أن الجنود كانوا على حاجز بيت إكسا يتعمدون توقيف سيارة الإسعاف فترات طويلة قبل إجبارها، بمن فيها من المرضى، على العودة، الأمر الذي أدى إلى استشهاد عدد من جرحى مواجهات الاحتجاج على مصادرة الأراضي وبناء جدار الفصل العنصري، مذكراً بأن هذه القرى قدمت ستة شهداء في هذه المواجهات.
البطالة والعمل
منذ الانتفاضة الأخيرة، وجرّاء فرض سياسة التصاريح، فقد انخفض عدد العمال داخل الخط الأخضر وفي مدينة القدس، وارتفعت نسب البطالة في صفوف الطبقة العاملة، الأمر الذي أثر سلباً في حياة المواطنين الذين باتوا بلا عمل ولا أرض يعتاشون منها على الرغم من محاولات بعض مؤسسات العمل الأهلي، مثل اتحاد لجان العمل الزراعي ولجان الإغاثة الزراعية ووزارة الزراعة، تدعيم صمود المزارعين بمنحهم مساعدات لتدشين آبار لجمع المياه واستصلاح الأراضي وزراعة الأشتال والإرشاد الزراعي كما يؤكد المهندس الزراعي نبراس الريماوي من اتحاد لجان العمل الزراعي.
وتعاني هذه القرى جرّاء نقص حاد في إمدادات المياه التي تتحكم فيها شركة مكُوروت الإسرائيلية، الأمر الذي يضطر المواطنين إلى شرائها بالصهاريج وبأثمان مرتفعة. وقبل بناء الجدار كانت هذه القرى تمتاز بوجود عشرات الينابيع التي بات أكثر من ثلثيها خلف الجدار.
كما يمنع الاحتلال المجالس المحلية والبلدية من التخلص من النفايات التي تجمعها بحجة قربها من المستعمرات، الأمر الذي أدى إلى تكدسها في الشوارع والحارات، وهو ما ينذر بكارثة صحية، ولا سيما أن الاحتلال يرفض إقامة مكب مركزي للنفايات في المنطقة.
قرى شمالي غربي القدس عدا ما تشكّله من خاصرة لمدينة القدس، وما تبقى لها من أراضٍ تصلح للزراعة، مهددة اليوم بالضياع، وخصوصاً مع إعلان الاحتلال مؤخراً نيته تعديل مسار الجدار العنصري حولها لابتلاع مزيد من أراضيها، الأمر الذي أسفر عن تحويل هذا الغيتو الكبير إلى معازل أُخرى، فقرية بيت إكسا اليوم ممنوع حتى على سكان المنطقة دخولها ما لم يكونوا من سكانها، وذلك بسبب الحاجز العسكري المنتصب على مدخلها من جهة قرية بِدّو. وتفتقر المنطقة إلي الحدائق العامة وأماكن الترفيه عن الأطفال. علاوة على ذلك، فإن مقابر المنطقة، ولا سيما القرى المحاذي للجدار كقرية قطنة، بحاجة إلى تطوير، وخصوصاً أن مساحتها صغيرة ويه غير مسورة، لكن مأساوية الموت تتجلى في قرية بيت حنينا لأن بيت حنينا الفوقا معزولة عن بيت حنينا البلد، والأولى لا يوجد فيها مقبرة، وإذا مات أحد الأشخاص فذلك يستلزم حمله عبر حاجز قلندية فرام الله في رحلة تستغرق ساعات يقطع الجثمان خلالها أكثر من 30 كيلومتراً بدلاً من نصف كيلومتر كي يوارى في الثرى.
المصدر:
مؤسسة الدراسات الفلسطينية والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى