نصّار، نجيب: (1865-1948)
(صحافي بارز من طبريا، ومؤسس جريدة «الكرمل» في حيفا سنة 1908، وهي الجريدة أصبحت الصوت الأقوى في محاربة الصهيونية وفضح مخططاتها، وتنبيه العرب إلى أخطارها قبيل الحرب العالمية الأولى. طارده الأتراك خلال الحرب، فاختفى عن الأنظار أكثر من عامين. وجدد نشاطه الصحافي بعد الإحتلال البريطاني، كما جدد مقارعته للصهيونية فكراً وممارسة، وبقي على ذلك حتى آخر أيامه.)
ولد نجيب نصّار في قرية عين عنوب، قرب الشويفات في لبنان، 1865، ودرس في بلدة سوق الغرب. وجاء طبريا ليعمل صيدلياً في المستشفى الأسكتلندي فأمضى فيه أعواماً عدة. وترجم له عمر الصالح البرغوثي في جريدة «مرآة الشرق» (22/9/1927) فقال:
«رُبي في حضن أبيه فلقنه الرجولية ودربه على الفتوة وبعث به إلى المدرسة في القدس فأخذ شهادتها وتعين معلماً في إحدى مدارسها. ثم شرهت نفسه إلى ما هو أبعد مدى من التعليم فصار ترجماناً للسياح فوجد في هذه الصنعة الجديدة لذة في العمل وسعة في المكان فاسترسل لها. ثم هجرها وعكف على معاطاة الزراعة واختلط بقبائل البدو الرحالة وأبناء القرى والبوادي فارتاح لتلك المعيشة. فكان يقرأ ويقرئ ويضيف ويضاف وكان عنده من الحراثين والمزارعين والقطارين عدد وافر ... فاقتبس لهجتهم الكلامية واقتنى بعض الجياد العربية وتأنق في سروجها وعاشر الطبقات المختلفة. وتغلغل في معرفة أخلاق الفلاح حتى وصل إلى ذريرات دماغه وتقاليده. وتعاطى المحاماة فراح ودافع ونصر الحق ونكس أعلام الباطل. فكان محاميا ثم انصرفمن المحاماة إلى الحرف الحرة أيضاً.»
وارتحل نجيب نصّار إلى حيفا ليلحق بأخويه الدكتور اسبير، طبيب الإرسالية الإنكليزية، وإبراهيم، صاحب فندق نصّار في حيفا. وهناك أسس جريدة «الكرمل»، التي تميزت بدورها الطليعي في محاربة الصهيونية ومشاريعها في فلسطين. وفي كل عدد من أعداد «الكرمل» كان نجيب نصّار ينبه إلى الخطر الصهيوني المحدق بفلسطين. فتعددت حملاته وتعالت صيحاته على صفحات جريدته. واشتكى رؤساء الطائفة اليهودية في حيفا والآستانة من جريدة «الكرمل»، فأقفلتها السلطات مرتين. لكن نجيباً لم يهادن ولم يتوقف، فاستمر في حملته على الصهيونية ومشاريعها، واهتم بصورة خاصة بقضايا شراء الأراضي، فكان لجريدته دور مهم في فضح مشاريع بيع الأراضي في منطقة العفولة والجفتلك في وادي الأردن وغيرها. وحرض العرب على التنبه إلى بيع الأراضي في مناطقهم فاعتبر المحرض الأول وأحد مسببي بعض الحوادث بين المستوطنات اليهودية والعرب، مثل حادثة الشجرة في ربيع سنة 1909.
وقبيل نشوب الحرب العالمية الأولى تأثر نصّار بالأحداث السياسية العالمية أيضاً، وخصوصاً بالسياسة الألمانية التي أدت دوراً مهماً في جذب الدولة العثمانية إلى جانبها. فجاهر نجيب برأيه في هذا الموضوع، ونصح ببقاء تركيا على الحياد، وإن تعذر الحياد فلتضع تركيا يدها بيد الإنكليز لأنهم أصحاب أسطول بحري قوي يحمي شواطئ المتوسط. فلما جهر بمواقفه تلك صار قنصل ألمانيا في حيفا من ألد أعدائه، وخصوصاً بعد أن عرض عليه التعاون والدعاية للسياسة الألمانية فرفض ذلك. وكانت آراء متعارضة مع رغبات المسؤولين العسكريين من الأتراك أيضاّ. فلما نشبت الحرب العالمية الأولى، وبدأ جمال باشا ملاحقة رجال الحركة القومية العربية والتنكيل بهم، كان هو على رأس قائمة المطلوبين، واتُهم بالخيانة العظمى، وأصبح عرضة لدسائس خصومه ووشاياتهم. فتوارى عن الأنظار واختبأ عند أصدقائه في الناصرة ريثما تهدأ الزوابع ليتسنى له الدفاع عن نفسه. وقد ساعده في الإختباء من وجه السلطات الكثيرون من معارفه وأصدقائه، وفي طليعتهم كامل قعوار، وتوفيق الفاهوم، والشيخ وجيه زيد الكيلاني، شيخ الإسلام في جزر الفليبين. ولاحقته السلطات في الناصرة، فتنقل بين بعض القرى والمدن الفلسطينية متخفياً حتى وصل إلى شرق الأردن. وأمضى عامين وثمانية شهور متنقلاً بين الناصرة ومرج ابن عامر وشرق الأردن في زي الفلاحين والبدو حتى أواخر سنة 1917. وأخيراً قرر تسليم نفسه للسلطات العثمانية عن طريق قائمقام الناصرة فوزي الملكي، الذي دهش لتلك الخطوة. وسيق إلى سجن دمشق في 1 كانون الثاني (يناير) 1918 بعد أن قابل جمال باشا الصغير، الذي وعده بالمساعدة. وقدم إلى المحاكمة العرفية في عاليه، ولاقى في تلك الأيام المذلة والهوان. ثم أصدرت المحكمة قرارها ببراءته مع مئة سجين عربي آخر. وقابل جمال باشا الصغير وشكره على مواقفه ومساعدته ثم رجع إلى الناصرة مكرماً معززاً بين أهله وأصحابه.
وبعد الإحتلال البريطاني، نشط نجيب نصّار في الحياة الإجتماعية والسياسة في حيفا وفلسطين. فنادى من على صفحات جريدة «الكرمل»، التي جددت صدورها، إلى تأسيس «جمعية النهضة الإقتصادية العربية». وجرى انتخاب الهيئة الكلية لتلك الجمعية، وعدد أعضائها سبعة، وهم نجيب نصّار، ووديع البستاني، والقس صالح سابا، ومحمد علي بك التميمي، وعبد الله مخلص، ورشدي الشوا، وتوافيل بوتاجي. وعين ميشال جريس الخوري سكرتيراً لها. كما أسس سنة 1918 «الحزب العربي» في حيفا. وكان المؤسسون لهذا الحزب هم: أمين عبد الهادي، ونجيب نصّار، وعبد الله مخلص، ورشيد نصّار. واجتمع هؤلاء واتفقوا على تأسيس حزب أطلقوا عليه في رسالتهم إلى الحاكم العسكري في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1918 اسم «الحزب العربي الموالي لبريطانيا». ووافق الحاكم العسكري، الميجور نوت، على تأليف الحزب ما دام مرفقاً بـ : «الموالي لبريطانيا». وتوجه نجيب نصّار إلى الناصرة وطبريا وصفد لنشر الدعوة إلى الحزب، وكانت أهدافه اجتماعية – اقتصادية، ولم تكن له أهداف سياسة معلنة. ولم يعش هذا الحزب إلا ثلاثة أشهر فقط، وقررت فروعه في 15 كانون الثاني (يناير) الإنضمام إلى الجمعيات الإسلامية – المسيحية التي أقيمت حينذاك في فلسطين. وورد في قرار حل الحزب والإنضمام كلياً إلى تلك الجمعيات أنه «من أجل تعميم الفائدة بتوحيد كلمة فلسطين.»
وشارك نجيب نصّار في المؤتمر الفلسطيني الثالث في حيفا (13-19 كانون الأول/ديسمبر 1920) ولحّ فيه على ضرورة إنشاء الهيئات العمالية والفلاحية. كما حضر المؤتمر العربي الفلسطيني الرابع في القدس في بداية حزيران (يونيو) 1921. واختير مع عبد اللطيف صلاح ومعين الماضي لتكوين لجنة لمساعدة مندوبي يافا بعد أحداث سنة 1921 فيها، والتي كانت لجنة هيكرافت تحقق في أسبابها. واستمر نجيب نصّار خلال الإنتداب في مكافحة الصهيونية على صفحات جريدة «الكرمل»، لكن دور الجريدة اختلف عما كان عليه قبل الحرب العالمية الأولى، فلم يعد فريداً ولا متميزاً. وعانى أيام الحرب العالمية الثانية من ملاحقة السلطات البريطانية، بعد أن أقفلت تلك السلطات جريدته نهائياً، فلجأ إلى بيسان، عند أنسبائه آل وهبه. وبقي في أواخر حياته يراوح في مسكنه بين بيته في بلد الشيخ، قرب حيفا، وبين بيسان حيث كانت له بيارة موز. وتوفي في مطلع سنة 1948، في أوائل حوادث النكبة في الناصرة التي نقل إليها في إثر اشتداد المرض عليه. وبالإضافة إلى دوره في جريدة «الكرمل» وجريدة «الكرمل الجديدة» التي أصدرها، ترك عدداً من المؤلفات الأدبية والتاريخية نذكر منها:
1- «في ذمة العرب»، رواية عن حرب ذي قار، صدرت سنة 1920.
2- «نجدة العرب»، أو «شمم العرب»، رواية عن حرب البسوس كتبها مثل سابقتها وهو في مخبئه في الناصرة.
3- «الزراعة الجافة»، صدرت سنة 1927.
4- «الرجل، في سيرة الملك عبد العزيز آل سعود»، صدرت في يافا سنة 1936.
5- «رواية مفلح الغساني»، ويصف فيها ما جرى له أيام الحرب العالمية الأولى.
6- «القضية الفلسطينية».
7- «الصهيونية، تاريخها، غرضها، وأهميتها» (حيفا، 1911)، والكتاب هذا في الأساس ترجمة عن «الموسوعة اليهودية».
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع