هوية: المشروع الوطني للحفاظ على الجذور الفلسطينية

قصص وروايات العائلة استعراض

عبد الرحيم محمد محمود يوسف عامر، سحماتا مواليد 1936، هجرت من بلدي عام 1948 إلى لبنان.

سحماتا بلد (قرية) متوسطة، كان فيها بين 1200 – 1300 نسمة، مبانيها متواضعة ملصقة ببعضها البعض، كان الناس يعيشون فيها حياة فلاحين، والحياة طبيعية الناس عايشة بأعمالها وأشغالها.

والدي كان يعمل بالزراعة، من دخان وقطاف زيتون، تربية الماعز والغنم. كان عمري 10 سنين قبل النكبة، كنا بالمدرسة، درسنا 4 سنوات وأنهيناها، وفي العطل كنا نساعد أهلنا، كنا نساعدهم لنعيش.

كان يوجد دكانة للقُرم، ودكانة لعلي نجلاء، وأخرى بالحوش (لا أذكر لمن)، وكان هناك لحامين مثل حسين زتونة، وأبو قاسم قدورة كان عنده ملحمة، ولدار أولاد الدرزية كانوا يبيعون ويشترون بالبلد. كان الإحتلال الإنجليزي يرفض أن يكون عندنا بالقرية كل شيء، فكانت مثلاً المقدرات محدودة.

الوالد كنت أنا رفيقه، ذهبنا الى دير القاسي وحُرفيش والمزار، كفر ياسين، ترشيحا واشترينا بارودة من ترشيحا من عند أحمد الناصر، وذهبنا أيضا إلى عكا ونهاريا ومعليا، وحيفا، ووصلنا الى يافا، الى تل الربيع للتجارة، واشتريت قبعة يقولون عنها درازية، من حرير، اشترينا من حيفا وذهبت معه كذلك الى لبنان وذهبت في ساحة الدباس.

كان في باصات لشركة صاحبها من ترشيحا، الباص كان يأتي لعنا ويطلع بنا الى دير القاسي، ننزل صباحاً ونذهب إلى عكا، وبعد الظهر تطلع البوسطة، كان في سيارات صغيرة ولكنها قليلة، أول من أحضر سيارة لبلدنا هو جبر أحمد سعدة، سيارة صغيرة وتدهورت عند الكوربة.

كان عنا معصرة كبيرة شمال البلد لدرس الزيتون على الخيل والحجارة، ولها مكبس يدوي، وكانت بلدنا مشهورة بزيت الزيتون والدخان.

الزيت كان كثير يباع لخارج البلدة، وهذا الزيت النباتي لم نكن نعرفه، كانوا يغشون التنك بالزيت النباتي. ويباع الى لبنان ويحضرون بدله ملابس وأشياء أخرى.

كان هناك جيشا انجليزياً، كنا يحيك كمائن حتى لا يعرفون أي انتاج من أي بلدة، حتى لا تبقى الناس فقيرة، وأخيراً صار الاهالي يشترون السلاح، ويصنعون كمائن للجيش الإنجليزي والدواب التي كان يُحمّل عليها البضاعة، إذا تصادم الناس مع الإنجليزي وهي خارجة كانت الدواب تسير لوحدها الى الرميش وبالرجعة أيضاً كانت ترجع الى البلد.

حتى الدخان، كان الإنجليز يحدد للفلاح كمية الانتاج، مثلاً يحدد له 60 كيلو دخان، فينتج الفلاح مثلاً 100 كيلو فيأتي الإنجليزي يأخذ الـ 60 كيلو والـ 40 كيلو زيادة يحرقوه.

وكانوا يداهمون البلد، وذات مرة داهموا البلد من أجل فرم الدخان، كانوا يفرمون الدخان ببيت الشيخ يحيى، ووُشي عليهم، فجاء الجيش الإنجليزي، ولكن أهل البلد خبأوا الدخان وغسلوا الأرض قبل وصولهم. وعندما دخل الجيش ولم يجد شيء، فتركوا الجيش الإنجليزي وعدد 6 عسكريين وواحد منهم رقيب، فهجم أولاد البلد عليهم، وكانوا عاملين جبلة تراب، فجبلوا الجيش الإنجليزي، وأخرجوهم من البلد الى ترشيحا، ومع المغرب جاء الجيش الإنجليزي معه مصفحات وطوّق البلد، وفتّش البلد وكان أهل البلد قد جهزوا البيوت وأخفوا الهواوين، فلم يجدوا شيئاً، جاءوا الى الجامع عند العشاء، فوجدوا كامل فاعور، وقال للعسكري: إذا أردتم أخذي، خذوني ولكن أتركوني أصلي قبل ذلك. فأخذوا كامل فاعور وبعض الأشخاص الى ترشيحا، ضربوهم حتى الجروح ظهرت على جنبهم. وثم صارت الصلحة في بيت أبو حسن فضة.

في العام 1936 أيام الثورة، أذكر من أبي والرجال الكبار، كان يقولون أن الإنجليز جاؤوا الى بلدنا وكانت البلد تتقسم الى طرفي الفوفا والتحتا، وفي كل بيت يكون فيه من 10-15 خابية زيت، فلما هاجم الجيش الإنجليزي قريتنا، خلط العدس بالكرسنة والشعير والطحين بالزيت، كان يجري الزيت من الحارة الفوقا للحارة التحتا، خربوا ودمروا كثيراً بالبلد.

كان عندنا، حسب قول الكبار، أن البلد صامدة ولم نحي أحد الشبان ويخبئوا السلاح، ويأتي الثوار الى البلد وخرج منه ثوار، وفي حياة عمي محمد يوسف كان من الثوار وغاوي سلاح، وشاب من المناضلين، كان يبقون بالجبال، وفي إحدى الايام لمعت المرآة الموجودة بالبارودة التي كانت مع عمي فكشفت مكان وجودهم، فقام الطيران بضربهم ما أدى الى إستشهاد عمي محمد، فأحضروه من الجبل الى منطقة إسمها الرُغب في مغارة قبل الرُغب كان أبي ومعه شخص آخر، وأحضروه. زوجات عمي (صفاء وثريا) صاروا يقولون لقد تأخّر أبو قاسم وليس له بالعادة. فدفنوه ثاني يوم في منطقة إسمها المرشفة قريبة على الثرية، وبعد ذلك ذهبوا ليلا وحفروا القبر، وأحضروه لدفنه مرة أخرى في القرية، أبي يقول أنه بعد 3 أيام من وفاة عمي أبي قاسم، لا يوجد له رائحة كريهة، ومازال ناعم، ووجه أحمر.

بدأءت النساء تبكي، فجاء أبي منعهم من البكاء، وقال لهم لا تخبروا أحداً، حتى لا تُدمر البيوت من قبل الإنجليز إذا علموا بالخبر.

أذكر قبل أحداث 1948، كان أبناء البلد شجعان، وكلنا نشتري بنادق، حتى صار عددها 120 بندقية، كل الناس حضّرت نفسها للمعارك، كانت الناس تعمل حراسة للبلد من منطقة الدبش لرأس العزاز وأكثر شيء من جهة منطقة الدبش ومن ناحية الخّلة، لأنها سهلة لتسلل اليهود اليها من وادي القرية قريبة من الخلة، ويتم التناوب بالحراسة.

أحمد الشيخ وغانم، كانا بالزنار الحمر بالجيش الإنجليزي، فأخذوا سلاحهم وهربوا من الجيش الإنجليزي (كانوا بالأردن) وجاءوا الى الشريعة بسورية، ومن ثم هربوا الى فلسطين وجاءوا إلينا. فأخذوا رشاشات "برن"، وخرطوش محدود، فالرجال ليس معهم نقود، ويريدون أن يعيشوا، فأرادوا أن يبيعوا السلاح، فلم يقبل أبناء البلد أن يبيعوهم، وأعطتهم نقود حتى لا يبيعوا ليبقى السلاح بالبلد ويتم إستعماله وقت الحاجة، واشتروا ذخائر وخرطوش. أبي اشترى بارودة من عند أحمد عبد الناصر من ترشيحا بـ 100 ليرة فلسطيني، واشترى بارودة لي بـ 40 ليرة واشترى لأمي جفت بـ 40 ليرة.

كان عند أبي جنادات على الخصر والأكتاف، وعلب مليئة بارود، دخل الخرطوش الى البلد ولكنه كان فاسدا.

كان هناك رجل مسيحي يُدعى نجيب مخول، كان في 60 مسيحي بالبلد، والمختار قيصر جريس، وكان نجيب هو من يعيد صناعة الخرطوش مرة ثانية.

أبي كان عنده 650 مشط فشك ألماني، كنا نخرج لنعمل رمايات عند منطقة إسمها الكسارة عند تينات علي زغلولة، في شجر طويل وكنا نصعد هنالك ونتدرب عليها، أنا كنت أنجح في إصابة الاهداف.

من الخرطوش الفاسد، كان نجيب مخول يزيل الرصاصة من الفشكة الفاسدة وفي إحدى المرات انفجرت بيدي، وحينما خرجنا إلى لبنان كانت يدي فيها اثر من الخرطوشة، والذي داواني الشيخ عبدالله.

الله يشرد الذي شرّدنا.. 63 سنة لنا نتعذب ونحن خائفون على أولادنا... وأين مصيرنا؟!!!

فترة العدوان على سحماتا بـ 1948، كنا في أيام الزيتون، كنا نحمل الزيتون على الدواب، من منطقة برزة، ونحن قادمون وصلنا البلد، جاء الطيران عند المغرب وضرب بلدنا سحماتا بـ ثلاث أذانات. صارت الناس تخاف وهربت خارج البلد، ثاني يوم الصبح ضربوا البلد بالطيران أيضاً فاستشهد مسيحي إسمه خليل سلوم وبعدها دخلوا البلدة. نحنا كنا خارج البلد، وبعدها دخلنا البلد، فظهر اليهود في منطقة العقبة القريبة من ترشيحا، كنا نريد أخذ أغراضنا لنخرج فبدءوا بإطلاق الرصاص عند بئر السعران فاكملنا طريقنا، وبعد الظهر عدنا الى البلد، وكان يوجد أفراد يمنيون (3 أشخاص) من الجيش استسلموا في منطقة الدش مقابل اليهود، بقوا صامدين حتى بعد الظهر، حيث انتهت ذخائرهم فانسحبوا، فجاء اليهود على الكرم الشمالي على مغارة تلما والغيابر والدير، وعند المغرب دخل اليهود الى البلد  وحينها كانت الناس قد أصبحت خارج البلد.

الناس صارت خارج البلد، لأنها بدأت بالخروج مسبقاً عندما ضرب الطيران، فصار الجيش العربي يقول أن الطريق الشمالية أقفلت، أخرجوا بسرعة.

أبي رفض الخروج، أمي كانت تريد الخروج، لكن أبي ظل رفضاً، وأسلحتنا معنا، قدمنا السلاح في فلسطين وتشابكنا مع اليهود، دخلوا من سحماتا الى دير القاسي وثم الى فسوطة حتى يطوقوا الشارع وقتها كنا في البلد (بين الزيتون) حوالي 15 عائلة، منهم الحاج هاشم، أسعد حسنة، محمود التوبة، أبو غانم، حسن الشيخ محمود، حسني الشيخ محمود. ثم عادوا واشتبكوا مع اليمنيين.

نحن نمنا هذه الليلة، ولكن اليهود دخلوا الى الزيتون فزجدزنا، فأخذونا وأعادونا الى سحماتا، وناجي أسعد محمود، وأسعد محمود، عدنا على سحماتا ووضعونا بالمدرسة، الرجال لحال والنساء لحال، فأوقفوا الرجال وبدأوا بضربهم، وانا وضعت مع النساء كانوا يريدون البواريد، ولم يخبرهم أحد. فأخذوني أنا وضربوني لأني ولد من الممكن أن أخبرهم، ولكني قلت لهم لا اعرف شيئاً.

بقينا بعد الظهر حتى جاءت يهودية معاها مناديل نسائية من حرير، وتمشي بين النساء وتقول لهم "كله بيموت".

حتى مساءً مع وقت الغروب قالوا لنا ستنامون بغرفة وواحد منهم يحرسكم.

أخذونا من المدرسة الى الرحبة بجانب بيت فاطمة السعيد، كان في بئر ماء هناك ركبوا 3 رشاشات، ووضعوا الرجال بجانب والنساء على الجانب الآخر.

كان اليهود قبلها قتلوا 60 رجل من الصفصاف، فخشينا على أنفسنا من القتل وقلنا نحن سوف نقتل مثلهم، صرنا نودع بعضنا، وفجأة بدأوا إطلاق الرصاص بالهواء، وقالوا لنا اخرجوا الى لبنان وسورية. طردونا الى الكوربة وطردونا من عند بيت فهد فضة، الى العناير، كانت أمي ونجمة زوجة محمود الحج، وزوجة عبد الكريم حسون ذهب مدفون تحت الشجرة، ووصوا بعض أمانة، من يبقى عايش هذا الذهب للأولاد.

أبي وعبد الكريم حسون أخذوهم اليهود لينقلوا لليهود الماء، أبي كان شاباً، فأرخّى دكّة لباسه حتى يبين أنه كبير في السن فضربوه بالبارودة على ظهره حتى ما عاد يقدر على التنفس. نحن أخذنا حسن عبد الكريم حسون وحسني أخوه ومعهم عجوز باركة، أخذوها معهم، نزلنا بالوادي ومعنا القليل من الملابس بدون أبي.

والدي ذهب لضابط يهودي وقال له: أنت تقبل أن إمرأة عمياء معها 7 أولاد تطرد خارجاً بالليل، لا أقبل إذهب أنت، فقال أبي وعبد الكريم حسون معي، فقال له خذه معك وانصرف. فقال أبي له: الآن إذا رأنا أحد سيقتلنا، إبعث معنا أحد للخارج، فبعث إثنين من اليهود معنا.

وخلال مشينا وصلنا الى الوادي وإذا بحسن حسون ينادينا، أرجعوا والدك موجود، فعدنا وخرجنا من هنا كنا سبع عائلات وذهبنا باتجاه شينة إسمها المريجات وذهبنا الى المشنية، بقينا فيها سبعة ايام، وليلا كنا أنا وناجي أسعد محمود نذهب الى الزيتون وكان في دجاجات، فأخذناهم وذبحناهم واكلناهم بالمريجات، نصير ننقل ملابسنا بالليل نحن وأبو عمر توبة، ولكن أبي لا يستطيع لأنه كان مصاب،  ثم بعدها خرجنا الى بلد فسوطة، نمنا ليلة ولكنهم طردونا في الليلة التي بعدها، ونزلنا نمنا بدبشات الغيابر، وفي اليوم التالي أكملنا طريقنا الى الرميش (كل العائلة خرجت سويةً).

بالرميش نمنا ليلة، كان والدي يعطيني قرش في المناسبات لأعطيه لأي أحد بحاجة، وعند خروجنا قالت أمي لأبي "يا ويلك من الله".. لم نخرج أحداً من أهل بلدنا ولا نحنا بقينا بالبلد ولا نحمل معنا أية نقود لنعيش منها. فرد والدي والبارودة بيده اليمين وقال لأمي مؤشراً بيده الشمال، والله ما بيجوعوا والله ما بيجوعوا، أمي كان معها 350 ليرة فلسطيني فقط.

ثم في اليوم التالي، كانوا يجمعون الخبز بالساحة ليوزع على اللاجئين، وكانت النالس تتجمع وتتزاحم، وأنا وأبي بقينا واقفين على جنب وإذ بعسكري يضرب الناس ويبعدها، ويقول لأبي اقترب اقترب، فقدّمنا وأعطانا خبز على عددنا.

بعدها بيوم جئنا الى البص، بقينا بالبص يومان نمنا هناك ثم في اليوم ثالث جاءت باصات وشاحنات وأخذونا الى بعلبك.

الذي ذقناه في بعلبك لم يذقه أحد غير الفلسطينين.

كان خالد سعيد نايف، محمود نايف ومحمد نايف، كانوا هؤلاء خبراء بالطريق، كانوا ينوون العودةالى فلسطين وكانوا إذا كان في ناس تريد الرجعة يساعدوهم، كانوا يأخذوا الناس ويرجعوا الناس أخرين الى لبنان. (أبو نصر ومحمد إبراهيم) أيضاً خبراء في الطريق.

ابو عمر توبة محمود توبة، كنا نطلع من الجامع نمشي قليلاً الى الشمال في بيت سعيد نايف، صالح الأسعد، محمد نايف، محمود نايف، ثم نجيب الشيخ، أبو نعيم محمد حنيفة، (أم حسين)، عبد الرحمن الشيخ، عبد الوهاب، أبو عودة، بيتنا، ثم يونس زيدان، بجانبه أبو عمر توبة، ثم دار المسيحيين والكنيسة. أما أبو عمر فهو وحيد والله أعلم، وهو من الناس الذين بقوا بسحماتا لم يخرجوا منها وعنده ولد إسمه عمر.

أطلب من الله سبحانه وتعالى أن يرجعنا في يوم من الأيام الى بلادنا، ونصلي في الأقصى والله ينصر المسلمين من هم على حق.

تمت الاضافة من قبل Howiyya بتاريخ 29/11/2012
السجلات 
 من 6