أنا سعاد صالح محمد إبراهيم الحسين من مواليد شعب 1934.
بلدنا تقع بين جبلين ومدخلها من جهة الغرب، فيها وادي الخلدون، بلدنا في زيتون كثير وأرضها واسعة جداً لذلك تقسم موسمية، تضعها موسم صيفي سمسم وذرة وبطيخ وحمص، وقسم قمح وشعير وعدس وكرسنة.
كنت أحصد وأعشب وأزرع وأحطب.. بلدنا غنية بإنتاجها الكثير. من القرى التي تحد شعب، ميعار، وفي الشرق سخنين، شمالها مجد الكروم والدير، وفي الغرب البردة والدامون وللداخل كابون وتمرة وكوكب ولكن هذه البلاد بعيدة قليلاً.
لم يكن هناك مستعمرات قريبة علينا، وأقرب مستعمرة هي نهاريا ولكنها بعيدة قليلاً.
الطرقات في البلد غير مزفتة، وهناك طرق فرعية تساعدنا على الذهاب إلى الطرق الرئيسية للذهاب خارج القرية. وهناك باص يأتي إلى بلدنا.. باليوم مرة كان نصف بلدنا موظف بالدولة وكانوا يعملوا خارج شعب.
كان هناك سيارات بالبلد، كان هناك سيارة شحن لشخص من بلدنا إسمه قاسم ليوم وسيارة أخرى لرشيد الحاج حسن، أما سيارات صغيرة لم تكن موجودة. أما التنقل من قرية إلى قرية كان يتم على الدواب مثل الجمال والخيل والحمير. وكان هناك في سوق شفا عمرو، وكانت الناس تذهب للتسوق على الدواب والخيل.
من عائلات شعب، أكبر العائلات دار فاعور ودار الخطيب، ودار حسين، وحمزة ثم دار شحيبر ودار زيتون ودار الخوالد وطه ودار ميعاري ودار الحرامي ودار حسين الشحادة، ودار محمد، وكان فيها مسيحية ورحلوا منها قبل سنة 1948.
كان هناك مضافات عند دار فاعور، فقد كان الشيخ فاعور مختار البلد، وعند دار الخطيب فقد كان منهم مختار للبلد، ودار حمزة عندهم مضافة.
وهذه المضافات كانت لإستقبال الضيوف، فقد كان ناس كثراً ما يأتون عند بيت أهلي من البرودة (من بيت عواس)، ومن ترشيحا يأتي من عائلة القاضي وبيت الآغا ومن الدير والقاسي كان هناك عائلة صحبة مع جدي من بيت رشراش.. ومن ميعار ومن الدامور.
بشعب هناك آثار، فقد كان لأهلي أرض إسمها البازوعية وكان فيها آثار من بيوت قديمة جداً.
أما المدارس فقد كان هناك مدرسة بالبلد ثم عمّروا مدرسة خارجها يُدرّس فيها للصف السابع.. ولكن للأسف لم أذهب إلى المدرسة، فقد كان الآباء في بلدنا عندهم قاعدة بان العلم للأولاد ونحن البنات لا نتعلم.
من معلمين المدرسة هناك أستاذ من بيت الديماسي، وأستاذ من بيت معروف توفي السنة الماضية من الدير إسمه محمد علي معروف. من سكن بعكا من البنات كانوا أكثر حظاً بتلقي التعليم ومنهن من دخل المدرسة، ولكن بشعب لم يتعلم البنات.
الفلاحين اعتمادهم على الحصيدة والزراعة..
كان هناك مسجد بالبلد ومازال وكان هناك مسجد قديم مدمر.
والشيخ كان صالح عبد الهادي.. دخلت للجامع..كان كبير وواسع بجانبه فقام ولي إسمه الشيخ أحمد العليمي..ولكن المصلين كانوا قلائل..
كان هناك كنيسة شرقية وغربية بالبلد ومازالت لحد الآن قائمة.. البيوت بشعب لم تدمر.. ما زال هناك بيوت قديمة وقائمة حتى الآن.
الدولة قالت لأهل بلدنا أن الأراضي التي عليها بيوت ملك لك لمدة 90 سنة ثم ترجع لنا، لذلك هناك من خرج وعمر منزل له خارج شعب للحفاظ على منزله..
أما الطبابة، فقد كان من يمرض ينزل على عكا، ولكن الكسور، فقد كان هناك أكثر من مجبر عربي، مثل محسن خليل، وأخته ومطلق فاعور وفاطمة.
كان بعض الأطباء والممرضين يأتون ليطعموا للأطفال ضد الجدري إلى شعب.
أذكر من أطباء حيفا الدكتور حمزة والدكتور عبد اللطيف بمستشفى حيفا وبعكا كان هناك أديب الخازن وإرتييان..
أما بالنسبة للتوليد، فقد كان هناك أكثر من داية مثل آمنة الحسنة من دار حسين وكان هناك أخرى مسيحية جاءت الى بلدنا ومعها بنتها وأسلمت عندنا وتزوجت بالبلد وإسمها أصبح فاطمة بعد الإسلام. ولكن البلد كلها تعرفها بالمسلمينية، وهناك الحاجة وردة الشاهين من دار حسين وشحادة.
كان هناك بعض المشاكل أثناء الولادة، كان هناك واحدة من بلدنا تقعدت ولادتها أثناء نزول مولودتها، وماتت بسبب ذلك.
لم يكن هناك مطًهر بالبلد، ولكن يأتي مطهر من قرية صفورية.
أما الماء فقد كانت الناس تعبئ الماء من خارج القرية، كان عنا بالصيف بئر بالبلد كانوا يطلعون الماء على الخيل، وأنشأوا على البير حنفيات من جهتين، وجهة للمواشي وبركة للأشخاص لنعبئ منها الماء.
أما بالشتاء كان عنا نبع خارج البلد نذهب لنحضر الماء منه، وإسمه العين الغربية، كانت المساء تذهب لتملي الماء وتحمله على رؤوسها.
أما الإنارة كنا نستخدم الضوء العادي وهناك القناديل لمن يريد التنقل من حارة الحارة، مثلاً عند نقل الزيتون ليُعقد ولنقل الزيت ليلاً كنا نستخدم القناديل.
فقد كان الشخص الذي يجمع الزيتون بالنهار ويأتي دوره لدرس الزيتون ليلاً كان مضطرا للذهاب ليلاً لدرسه. فقد كانت بلدنا ثالث بلد بجودة الزيتون بعد البصة والرامية ثم بلدنا وزيتها مشهود له بالجودة والمذاق.
كان هناك دكاكين، بالحارة الغربية كان الرجال يتجمعون بالحارة، وكان فيها دكانة لرشيد شحيبر ودكانة لفرج فاعور وأخرى لحمد سليمان المنصور ودكانة لعامر الذي أتى من خارج البلد وهو كبير بالعمر وليس عنده أولاد صبيان فقط عنده بنت واحدة وكانت الناس تتعاطف معه.
كان أهل البلد يتعاطون مع الغرباء كثيراً، يعني الغريب لا يشعر بأنه غريب ببلدنا. أما الحارة الشرقية، هناك دكانة لأحمد فاعور ومحمود عايشة. وهذه الدكاكين فيها أرز وسكر وملح والعصائر.. وخيطان وإبر أما القهوة والشاي فكانت تأتي من عكا.
كان هناك أكثر من ملحمة، فهناك ملحمة لعلي عزيز، وملحمة ليونس خالد، وكذلك لعلي عبد الرحيم. من يشتري لحمة كان يدفع نقود ومن ليس معه نقود كان يسجل إسمه وعلى حصاد الموسم كان يعطي من نتاج الموسم.
كان الذبح يتم بالحارة التي فيها يتجمع الرجال عادة.. ففي الحارة تتجمع الرجال بعد الإنتهاء من العمل فمن كان يحضر معه جريدة من المدينة يجلس ليقرأها للرجال.. ومن عنده حكاية يحكيها.
كان هناك فرن بالبلد لسليمان معطية ولكن أحضر له فران من عكا وكان هناك فرن بالحارة الشرقية لأحمد عبد الحليم شحادة.
أم الخياطة بالبلد كانت خياطة شاطرة إسمها زهرة الطيار تخيط ملابس للعرايس وتخيط لأهل البلد.. ولكن أغلب النساء كانت هي تخيط لحالها. وكما ذكرت هناك من يشتري الجريدة ويقرأها أمام الحضور مثل حسين أبوعلي كان جريء وصوته خطابي، وهناك أيضاً سعيد الصفدي.
وهناك عند المخاتير راديوهات وكان عند أهل زهرة خيار راديو.. فكانت الرجال تذهب لتسمع الأخبار بينما النساء لا يذهبن أبداً لسماع الراديو.
كان هناك حلاقين، هناك أخوين حسن ونايف من بيت الصفي كانوا يحلقوا لكل أهل البلد.. أما بالنسبة للنساء والتجميل، كانت النساء تغطي رأسها، أما العروس هناك إمرأة إسمها نجيبية العبد، كانت تزين وتحني العروس وهي متخصصة لذلك.
النجار في البلد إسمه سعيد الصفدي ونجار مسيحي إسمه ركاد عبود ولا أذكر إن كان هناك حداد بالبلد أم لا.
ومن كان يحدي الخيل هناك واحد قريب لنا إسمه سليمان معطي والمجلخ كان يأتي من خارج البلد.
أما الجلّى كان يأتي واحد من بيروت إسمه جميل البيروتي، كان يبيّض نحاس أهل البلد كلهم. كان ساكن بشعب وطلع معنا وهو أول واحد مات، فمن خرج من فلسطين معنا هو ببرج البراجنة.
أما إذا خربت بوابير الكاز كان هو أيضاً من يصلحها لنا. في أوقات التسلية كان الناس يلعبون المنقل، كانت تلعب باللبيت أو يأتي الجار ليلعب مع جاره. وكانوا يلعبون العواتيل، كانت العبة عبارة عن عيدان خش ورفيعة في طرفها ويرموها على الأرض ومن رماها وظلت واقفة كان يربح ومن تسقط يخسر.
بالنسبة للحيوانات والدواب، كان أكثر شي البقر.. معظم الناس عندها بقر، وكان الفقير جداً لا يملك البقر.
بكيت على بقرات أهلي كثيراً كثيراً.. وهناك عائلات قليلة عندها ماعز، وهناك بيت أو إثنين عندهم غنم.. يسرحون بالماعز والغنم.
أما الزراعات كان أشهرها السمسم، فقد كان السمسم كثيراً جداً وكنا نصدّر منه خارج البلد والزيتون والزيت. أما القمح فهو لأهل البلد والذرة البيضاء.
الزيت كنا نعصره بداخل البلد، فقد كان دار الحاج حسين عندهم معصرة ودار عبد الله محمد موسى عندهم معصرة ودار الخطيب كذلك.
المعصرة كانت بالأول على الخيل (حجر واحد)، ثم تطورت الى معصرة حديثة على حجرين (بابور). والزيت كان يصدّر الى عكا وحيفا... ولم تكن هناك زراعة دخان.
بالزراعة كان الناس يساعدون بعضهم بعضا.. مثلاً أنا عندي موسم معين دخان وقت الحصاد يأتي شخص ويساعددني بها وعندما يأتي موسم هذا الشخص كان الأول يأتي ويساعده.. هذه إسمها مجاملة، سواء بالزيتون أو بالحصيدة والفلاحة والزراعة.
كان اهلي أول ناس عندهم نحل.. وإنتقلت تربية النحل لكل أهل البلد.. كنا نعمل جران (جمع جرن) على أيدينا ونرتبهاوبموسم الربيع النحل (يطرد)، فكان الناس يوصوا على طرد نحل.. ويباع بثمن العسل.. وأهلي كانوا ينزلوا العسل على عكا.
بيتنا كان 3 أعمدة وستة قناطر، فبيت أهلي كان من إثنين بالبلد لا يوجد لها مثيل.. جدي عمّره بشكل جميل.
مؤلف من ستة غرف.. وعند خروجنا من القرية كنا بالبيت نخن 10 أخوة وأمي وأبي وجدي وجدتي...
والدواب كان لها مكان بداخل البيت، مثلاً 4 غرف للعائلة وغرفتين بأول الدار للدواب. وكان عنا أيضاً بيت (فردي) خلف الدار للدواب.
لما طلعنا لم نأخذ معنا أي شيء، نحن خرجنا بـ17 رمضان فقالوا أن اليهود يحشدون على بئر الصفد، أي قريب على بلدنا.
أهل البلد قرروا الخروج، فيما الرجال المسلحين بقوا بالبلد. ونحن خرجنا، نمنا بين الزيتون وبالليل دخل اليهود الى ميعار وبدأ إطلاق النار... وإحتلوا ميعار.. وهي قريبة جداً علينا. فلم يعد بإستطاعتنا الرجوع الى البلد.
بشعب كان من وجهائها ورجالها الحكماء جدي عمره 113 سنة، من كان عنده مشكلة بالبلد كان يأتي لعنده، وفي حالات الزواج والطلاق كان هو يتدخل.. جدي هو محمد إبراهيم الحسين.
وكان هناك الشيخ فاعور ووحش الخطيب والشيخ أمين والشيخ مطلق كلهم وجهاء، ومن كان مختار الشيخ فاعور والشيخ أمين ووحش الخطيب.
ومن ثوار البلد أبو إسعاف (إبراهيم الحاج علي) وكان مصطفى الطيار كانوا من رموز الثورة بالبلد.. والباقي فمن كان عنده خبرة كان يشارك.. وليس هناك نقطة وسجن بالبلد، كانوا موجودين بعكا.
أنا ذهبت الى عكا وأذكرها جيداً، وأذكر جامع الجزار.. عماتي كانوا هناك.. وفي مواسم المولد النبوي كنا نذهب هناك للمشاركة، كنا نذهب بالباص على عكا.
وفي شهر رمضان، كنا نفتل شعيرية ونحضّر برغل، وأكلات رمضان، وستي كانت باليل تطبخ لنتسحر.. ومن كان يريد تدليل نفسه كان يحضر قمر الدين. صلاة التراويح لم أعرفها إلاّ هنا بلبنان، ولكن الناس كانت تصلّي الصلوات الخمس.
وكان في مسحّر إسمه صالح عبد الهادي، كان يدور ويقول، وحّد الله والله أكبر.. قوموا على سحوركم.. جاي رمضمان يزوركم.
وبخصوص عيد الفطر، كنا نعمل كعك ونعمل خبيصة ونجيب لحمة ونشوي. ونفس الشيء بعيد الأضحى ولكن قليلة هي الناس التي تذبح وتضحي، من كان يذهب على الحج كان يذبح.
في الاعراس والمناسبات
أما الأعراس، عندما كانوا يذهبوا لخطبة بنت، كانت الأم تروح تشوف العروس وتحكي مع أمها، وإذا أمها وافقت، أمها تحكي لأبوها، وإذا أبوها وافق، يأتي الرجال وبيحكوا مع أبو العروس، ويتفقون على المهر (المقدم والمؤخر)، وكانت عنّا عادة مهر البنت نصفه حلال لأبو العروس. ثم يكتبوا الكتاب وينقطوها، ويتزاور الأهل، والعروس من وقتها لا تتكلم ولا ترى العريس حتى وقت الزواج والعرس.
ومنهم من لا يستطيع أن يعطي قيد (نقود) كانوا يكتبوا شقفة أرض زيتون بإسمها. ثم تجهز العروس جهازها.
وليلة العرس، يبدأ الناس بالتعليل (يعللوا) شي 20 يوم أوأقل.. ثم يعزموا العروس عند دار خالها والعريس عند أصحابه الشباب، ثم نهار العرس يأخذوا العريس الى البيدر يزفوه هناك، ومن يحتفل كثيرا بإبنه يحضر الخيل والحدى، كان الحداي يأتي من حطين ومن دير الأسد كانوا أخوة إثنين إسمهم محمد الحمَيد وقاسم الحمَيد، ثم طلع الحسَون..
ومن النساء كان هناك نساء جيدة بالغناء.. شرط تكون من أهل العريس أما العريس يزفوه على الفرس ومع العصر يأخذ العريس الى البيت ويتغدى مع الناس ويذهبوا لإحضار العروس.. والمغرب يأخذوا العروس عند العريس على البيت.
من أغاني العرس هناك: عند الذهاب لأخذ العروس، والعروس تودع أهلها.
كلنا إحنا واقفين والصبر على الله الكريم
يأبو.. وصلت حولها وربع المجيدة خدها
ويأبو العروس لا تأخذ على حالك
وهالحكم حكمك والصبيان صبيانك
ويغنوا للعروس عندما تخرج من بيت أهلها:
يخلف عليك وكثر الله خيركو
ولأعجبنا من النسايب غيركو
ومن ثم يوصلوها الى بيت العريس
أذكر عندما كان أحد من البلد يذهب الى الحاج، كان الناس يودعوا الحاج ويذهبوا معه الى عكا، كانوا يروحوا بالبحر الى الحج.. كانت الناس كثر عند وداعه وكانوا يهللوا للحاج 4-5 أيام قبل ذهابه، وكذلك عند العودة كانوا يستقبلوه ويذبحوا له عند العتبة ويقرأوا مولد..
أحداث 1963
أيام 1936-1937، صار على جسر الدامون مرَ سيارة ضباط، فوضعوا لهم لُغم وفجرت السيارة ومات الضباط، ومن عمل ذلك العمل هربوا الى بلدنا، فالإنجليز أحضروا كلاب لتحلق الأثر حتى وصلوا لأول البلد، ووصلوا عند بيت جدي أبو هاني، وعندما رأوا الكلاب وصلت، فقامت خالة أبو هاني برش الطريق بفلفل أسود (بهار) حتى يضيع الأثر، فضاعت الكلاب.. فعرفوا أن من عمل هذه العملية موجودين بالبلد، فنسف الإنجليز بلدنا، فطلع أهل البلد الى عكا، لم يبق أحد بالبلد، بدأ الإنجليز بتدمير البلد من الشرق والغرب ولكنهم لم يصلوا دار أهلي، نفذت الذخيرة منهم قبل الوصول لعند دار أهلي.. ثم خرجوا بعد ذلك عاد الناس ليعمروا البيوت مرة أخرى. كانت البيوت مبنية من صخر وليس من باطون.
وكان الانجليز يهجومون على البلد ويأخذوا رجال منها ويأخذوهم على سجن بالرامية مثل أبي .. وكانوا يأخذون لهم أكل. ومرة هرب الرجال من الجن وإختبأوا بسها من الذرة (كانت الذرة عالية جداً) فأضاع الإنجليز أثرهم. وقتل واحد من بلدنا.. والباقي رجع على البلد..
وكان الثوار يأتون ويناموا عند أهلي وعندما يطوق الإنجليز البلد، كان أهلي يعطوا الثوار ملابس من عنا ويأخذوا ملابسهم وأسلحتهم ويخبئوها بالطوابين والمزابل.
كان أكل الثوار موزع على الناس، كل يوم من ناس..
سنة 1948
عند هجوم اليهود .. كنا نشعر أن هناك خطر على البلاد ولكن لم نصدق ما يحصل وكانت الناس عندها إحساس أننا سنتفرَق. أهلي باعوا بعض ما عندهم لشراء بارودة، وكذلك معظم الناس كانت تبيع إما أرض أو دواب حتى تشتري السلاح، وكانت البواريد فرنسية قصيرة.
أبو سليمان أخي هو من كان يحمل السلاح، أبي لم يحمله. وكانت هناك دوريات وحراسة حول البلد وبالبلد بشكل منَظم ولكن الثوار لم يكونوا مدربين جيداً على أصول المعارك..
وقرية البردة بِيعت بيع (أهلها باعوها)، حتى التربة بيعت.. وجاء أهل الردة الى بلدنا، وصار موسم الحصاد.. إلا في يوم قالوا أن اليهود يريدون تحصد أرض البلد.. فجن جنون الناس.. وحملوا السلاح وهجموا على قرية البردة.. وما في ساعات قليلة إلاَ إحتل اليهود البردة.. ثم جاء جيش الإنقاذ وقال للثوار انكم ليسوا جيش نظامي أخرجوا ونحن نحرس ونحمي البلاد.. وإستشهد إثنان من عنا، مثل كايد محمد سليم أبو الهيجة، ومصطفى الحاج علي حمزة.
وقبل الخروج من البلد.. سمعنا ما حدث بمجزرة دير ياسين، هذا ما جعلنا نخاف وهجموا على تمرة على بيت فيه عجوز وبنت إبنها وقتلوهم.. هذا ما جعل الناس تهرب..
عندما أخذوا ميعاد.. نزلوا الى بلدنا، وجاء شباب بلدنا وإتفقوا أن يهاجموا البلد، فهرب اليهود من بلدنا. وظل أهل بلدنا الشباب مدة بالبلد ونحن صرنا نذهب الى البلد بالليل سراً.. وبوم صارت موقعة ميعاد، فقال لي أبي أريد أن أستحم، جهزي لي الحمام، ووقتها صارت النساء تغني فعرفت أن هناك هجوم فخرجت ورأيت الرجال ينطلقون نحو اليهود وتم إطلاق النار بينهم وأنا خارج البيت وجدت بنتين فقلت لهم هيا نذهب الى المعركة، فذهبنا ونحن بالطريق واحدة من البنات إلتقت بأخوها فلم يتركها تذهب معنا..
فطلعت الى المعركة وإذ بالشباب قتلوا يهودي وأخذوه الى بلدنا وخلعوا ثيابه وعطوه نقش والناس تتفرج عليه.
ثم جاء خالي ورآني وقال لي ماذا تفعلين هل معك ماء؟ إذا معك ماء ممكن أن تأخذيها للشباب المحاربين.. ولكن لم يكن معي ماء.. وحملني خالي صندوق من قنابل لأخذه على منطقة معينة وإذ بجيش الإنقاذ يلقاني.
وأمي تراني أيضاً وتسألني عن أخوتي.. وهي متوترة.. فهلَ الليل علينا وعدنا الى البيت، وبالليل قلبت الأية.. وسيطر اليهود.. ولكنهم لم يدخول بلدنا.
كنا أنا وإخوتي وعماتي خمسة وجدتي (كان جدي متوفي له 40 يوم)، جاء اليهود وجمعونا.. وجلسنا، من كانوا يريدون قتله قتلوه، والباقي قالوا لنا كلهم إذهبوا عند الملك عبد الله..لا يبقى أحد هنا.. ذهبنا وكنت أعجن وأخبز زإذ اليهود على سطح البيوت.. فخرجنا ومعنا 3 لحف ودابة وطحين على عين سجود.. والصبح قاموا عماتي يرديدون العودة.. وقلت لا أريد العودة.. فسألتني خالة أبو هاني هل منكم من حضر معارك؟ فقلت لها نعم أنا وأختي.. وقالت لي أن أهل البردة يقولون أنهم مصورين كل معركة حصلت ومصورين كل من شارك وتمنع من شارك بالعودة.. فرفضت الرجعة..
فطلعنا جبل .. ومشينا حتى بيت جن ثم أكملنا المشي ولغاية حُرفيش.. وهناك طلبنان الماء والأكل.. فقامت إمرأة وأعطتنا بعض الأكل، وفي الصباح مشينا حتى شارع سعسع وهناك لاقينا اليهود ولكن لم يكلمونا ولا كلمة وقطعنا شارع سعسع باتجاه رميش ولقينا إبن عمتي ومعه إبن عمته، وجئنا الى بنت جبيل وقعدنا هناك.. بقينا 20 يوم وثم نقلونا الى البرج الشمالي بقينا هناك 7 اشهر، ثم الى عنجر، من كان من قضاء عكا أخذوه على عنجر ومن قضاء صفد الى نهر البارد.
وبقينا بعنجر لسنة 1956، وبعدها انتقلنا الى بيروت والى تل الزعتر والى النهر.. عندما ذهبنا الى البرج الشمالي نصبوا لنا شوادر وكانوا يعطون أكل كثير..
وبعد 30 سنة بلبنان خارج فلسطين، إن خيروني الرجوع على شعب او البقاء بلبنان، لقلت، إن خروجي وبقائي هنا كل هذه السنوات دليل على اني لم اكن اعقل.. لأنه لو أنني كنت اعقل لبقيت ببلدي ونمت على الخيش.. ولا أريد نقود ولا بيوت.. أنا على طول بحلم بالتينة يلي ببلدي وعلى طول بسأل عليها.. وكذلك لا أنس زيتونة جلست تحتها.. بعد 63 سنة ما زالت أحفظ حجارة بيت اهلي حجر حجر.. يا ريت برجع.. يا ريت..
شوقي للبلد ولزيتونتي وتيناتي كبير كبير..
إن رجعت على البلاد ما بروّح حتى لو قطعوا رأسي.. يا ريت أرجع..
أنا حطّبت من أرض سخنين.. بذكر كل شبر ببلادنا.
يا ما احلى بيوتها الطين.. ويا ما أحلى زواريبها وناسها.