أحمد محمد ياسين - الشيخ داوود
أحمد محمد ياسين مواليد 1934 من الشيخ داوود قضاء عكا في شمال فلسطين.
الشيخ داوود من قضاء عكا، تقع بعد 15 كيلومتر على تلة، إرتفاعها عن سطح البحر 75 متر، تفصل بين البحر والشيخ داوود نهاريا، وبين الشيخ داوود والناقورة 15 كيلومتر. من الشيخ داوود وللوراء أرض وعرية.. يوجد وادي إسمه "وادي حعتون" يأتي من فوق ناحية جدين ويصب بماء البحر.
تحد الشيخ داوود، تقع قرية الغابسية (بينها وبيننا تلة) والأراضي متداخلة مع بعضها، كذلك قرية النهر، أم الفرج، والكابري (بعيدة 4 كيلومتر)، حتى أن معركة الكابري أتذكر وسأحدثك عنها..
نهاريا تقع على البحر، أم الفرج، الكابري، ثم ترشيحا على مرتفع عالي، وتحت ترشيحا يوجد تلة عليها قلعة صليبية قلعة جدّين، وهذه الأرض إشتراها اليهود وبنوا فيها مستعمرة وهي محاطة بالقرى الفلسطينية، وفي 1948 عندما حدثت الحرب بيننا، هذه المستعمرة بدت مطوقة وانقطع عنها الامداد، فصار اليهود يرموا لهم المونة بالطيران، شيئاً يصل وأشياء لا تصل. وكان جيش الإنقاذ له 50 شخص تحت جدين بالكابري، فقالوا أن هناك قافلة لنقل التموين لليهود، فقرر أهل القرى أن يستعدوا لهذه القافلة، فجاءت الآليات وضربوا ببعض، كانت المعركة في 28 آذار 1948 (يوم سبت) بعد الظهر، وغابت الشمس وانتهت المعركة بحرق الآليات وقتل جميع ما فيها واستولوا على الأسلحة، ولكن إستشهد 3 أشخاص فلسطنيين. ثاني يوم جاء جيش الإنقاذ وأخذ هذه الأسلحة (الغنيمة) وقال أن السلاح ليس لكم بل لنا نحن وذهبوا وهربوا وتركوا المعركة.
بـ8 نيسان صارت مجزرة دير ياسين ووصلوا الى حيفا وحرقوها، وصرنا نرى أهل حيفا يخرجون ويتخطون نهاريا ويذهبوا الى لبنان، نحن عندما رأينا أهل حيفا يخرجون، قررنا الذهاب لعند أقربائنا في ميعار (أي في الداخل وليس خارج فلسطين)، فذهبنا مدة أسبوع وصرنا نذهب الى البلد لأخذ أغراض لنا ونرجع. وميعار تبعد عن البلد 15 كيلومتر (على تلة) وفي يوم إلتقينا برجل ونحنا ذاهبين على ميعار، فقال لنا لا تمروا من البروة فقد أخذها اليهود. فسلكنا طريقاً آخر وطالت الطريق علينا.. فقال كان جيش الإنقاذ يستلم القرى وتم تسليمها لليهود..
ثم خرجنا مع اهل ميعار وأقاربنا من ميعار بالليل واتجهنا نحو زيتون سخنين بقينا أسبوع تحت الزيتون، ثم غادرنا سخنين الى كفر سميع، ومعنا فرس نحمل عليها أغراضنا، وبقينا بكفر سميع برمضان في تموز ورحنا الى الدير ونمنا ليلة.. وثم الى الرميش بلبنان وذهبنا على حريص أيضاً وبقينا مدة خمس سنوات على اساس: بكرة بنرجع وبكرة بنرجع"..
مختار الشيخ داوود إسمه أسعد البيتم. وكان هناك مشاركة بالأفراح والأحزان.. كنا ننتقل على الدواب، والسيارات كانت قليلة وليس هناك طرق معبّدة سوى الطرق الرئيسية. أي وسيلة لنقل الدواب والعربايات والأحصنة.
كانت هناك سكة حديد توصل حلب بيافا، ما زال خط سكة الحديد موجود لحد الآن..
من عائلات الشيخ داوود، بيت ياسين، حمود، الشولي، البيتم، عكاوي، العينين، عائلة بنات (المدد والسيد والنور كلهم عائلة واحدة)، وردة، رستم، عبد العال.
كان في ديوان للبلد، وكان الديوان لدار عبد العال، ولدار النور دبوان والديوان كان لحل مشاكل البلد والفلاحين والزراعة.
مثلاً فلان انذبحت بقرته، كانت تذبح وتقطع وتوزع على كل أهل البلد ويجب على أهل البلد أن يدفعوا ثمن اللحمة (رغماً عنهم) حتى يلموا ثمن البقرة ويعطوه للفلاح ويشتري بقرة ثانية.. هذا هو التعاون الحقيقي..
القرية تسمى الشيخ دنون، يعني أهالي الشيخ دنون والشيخ داوود هم أهالي قرية واحدة وهم حوالي 600 شخص تقريباً (لا أعرف بالضبط). كان عنا خِرَب (آثار)، أي أراضي ملك لنا فيها أساسات قديمة.
وبالنسبة للشجر، كان عنا شجرة السدد، جذعها لحاله حوالي 3 أمتار. كان أهل الغابسية يصنعونه. كامل كمال حسّون، محمد مصطفى البيتم، محمود عكاوي.. هؤلاء أصدقائي ولكن توفوا جميعاً، وأنا معتزل.. لا يوجد تواصل مع أحد، أعيش مع مكتبتي وأقرأ..
مرة أنا سألت واحد عن الكمبيوتر، فأنا أريد معرفة تاريخ ميلادي، فأنا مواليد 1934 ثالث يوم عيد الفطر على قول أمي فدلني على الأستاذ محمود دكوار عنده مكتبة عامة، فأحضر لي ورقة عليها الأربعاء 17/1 رمضان يوم الجمعة، فأخذت الكتاب (كتاب تقويم هجري وميلادي) وبقيت خمس سنوات أشتغل فيه، وعملت كتاب تقويم لمدة طويلة.
لم يكن بالقرية مسجد.. لكن بالغابسية كان في جامع، كان الناس يذهبون الى الغابسية.. وهذا الجامع ما زال قائماً بالغابسية.. كان الناس يصلوا جماعة ولكن بالبيوت كان يأتي المقرىء ويصلي جماعة بالناس بالبيوت..
كان عندنا مقام الشيخ داوود عند الشيخ دنون، وما زال هذا المقام قائما حتى الآن. لم يكن عنا عيادة صحية.. ولو كان عنا عيادة صحية لما ذهبت عيني وأنا ابن ثلاث شهور. مرضت عيني وأمي كانت تعالجني على وصفات الناس، قطرة من هون وقطرة من هون الى أن ضُربت عيني.
ثم بآخر سنة 1942.. بنوا مدرسة وبالمدن بعكا صار في مدارس ثانوية. كان في مجبّر عربي (من يرعى المعزى) هو المجبر.
المياه كانت جمع (أي تجميع) وكانت بجانبنا قرية النهر فيها مياه وينابيع، كنا نذهب على الدواب ونملئ المياه منها.. الأولاد كانت تقوم بهذه المهمة نعبئ الجرة والنساء تحمل على رأسها.. مياه نبع نظيفة ومن قوتها كانت تدير مطاحن..
البيوت كانت تضاء بالسراج، الكهرباء كانت بالمدن حيفا وعكا.. جئنا الى لبنان ولم يكن فيها كهرباء..
بالشتاء.. كان موسم الحصيدة وحصاد الذرة ونخلص، ويأتي تشرين، فيه نخزن حطب للشتاء.. والبيت مكون للدابة وللضيف وللعائلة..
كان في دكانة للأغراض الضرورية مثل الكاز، بزورات وملبس وسكر وأرز وبهارات وشاي.. صاحب الدكان حسين عكاوي..
كان في لحّام وليس ملحمة.. كان يذبح ذبيحة ويعلقها بالحارة وكان ينفخ الذبيحة وعندما ينفخها يضرب عليها بالعصا وكان صوت العصا عالي جداً يصل لمسافة بعيدة، فكانت الناس تعرف أنه تم ذبح الذبيحة فيذهبون لشراء اللحمة. واللحام إسمه أحمد النور (أبو نبهان)، كان يبيع اللحم مقابل نقود.
لم يكن هناك فرن، كل عائلة تعمل طابون لخبز الخبز فيه.. وكان الخبز كل يوم بيومه أو على الصاج.. والطحين من قمح زراعتنا.. ونطحن القمح..
كان في خياطات نسائيات.. ولم يكن هناك مقهى ولكن المضافة هي المكان الذي يجتمع فيه الرجال..
لم ألحق جهاز الراديو بالبلد ولكني لحقت الجرامافون، الراديو شفتها بالمدينة بعكا.. عندما كنت أنزل الى عكا أبيع المنتوجات الزراعية التي حصدناها. الراديو كان نادراً حتى 1955 وأصبح يأتي الراديو ويعمل على البطارية ثم تطور..
كان في حلاق بالغابسية وهو للقريتين.. يبرم على البيوت على المواسم، إسمه حسين شحادة، يحلق ويأخذ قمح وغلة وليس نقود..
أنا والدي كان نجّاراً (نجار قدّوم) هو يصنع المحراث..
في وقت الفراغ الناس كانت تذهب للدواوين.. والجيران يجتمعوا مع بعضهم البعض.. وبالصيف كان الناس تعمل أكواخ على السطوح..
ونحن صغاراً كنا نلعب الغميضة، نختبىء بالبيوت.. ونلعب الكورة، نحضر تنكة ونطبقها ونعمل جورة ونضرب التنكة بالعصاة حتى تسقط بالجورة..
البلد مشهورة بالقمح والذرة والسمسم والعدس والفول والحمص (القيطاني) وليس تشمل البقول (العدس والفول والحمص والذرة)..
في حراثة الأرض، كانت تستعمل الحراثة القديمة (البقر والمحراث)، وليس عنا بساتين، والأرض موسم واحد.. يعني هذه السنة زرعنا الأرض قمح، لكن في السنة التالية لا تُزرع قمحاً، بل تُزرع سمسم أو أي شيء آخر.
ولكن هناك إتفاقيات بين القرى مع بعضها.. يعني يتم الإتفاق على زراعة القمح، فنرى كل الأراضي كأنها أرض واحدة كلها قمح.. وموسم الحصيد كانت تحصد كلها.. أي لا يوجد حدود بين الأراضي..
كان عنا معصرتين زيتون واحدة لأحمد رستم وأخرى لمحمود فهد الشولي.. وأخرى بالغابسية ليوسف سالم وأخرى بالنهر لأحمد العفيفي.. وأجرة العصر كانت زيت (1/10) أي العُشر..
بيتنا كان للضيف وللدواب.. كانت كل 6 – 7 بيوت لها سطح واحد.. وجهاء القرية هم كبار السن، كل عائلة عندها كبيرها.. وكانوا يحلون مشاكل القرية.. ولم يكن هناك مخفر للشرطة..
أنا زرت عكا فقط..
رمضان كان مثل هنا.. استعدادات عادية.. المائدة تعتمد على الإكتفاء الذاتي الموجود بالبيت. حتى اللحوم الكثيرة ليست واردة.. ووقت الإفطار كانت تجتمع العائلة كلها.. ولا أذكر المسحراتي..
عندما تطبخ المرأة طبخة كانت تبعث للجيران والجيران يبعثون لنا وهكذا نتبادل.
أما الأعراس، كان يتم الحديث مع أهل العروس وبعد أن تتم الموافقة.. يتم تحديد الفرح.. كانوا أهل العريس يقعدوا 7 أيام يجهزوا للأكل والطبيخ والأرز .. وتقام سهرات في الساحات..
أما العرس، فكان أهل العريس يبعثوا مكتوب لكبار القرى عزيمة للعرس، فيأتون ومعهم ذبيحة.. ويتم العرس، الرجال لوحدهم والنساء لوحدهم..والنساء الكبار كلهم يشاركون بصنع الطبيخ.. أهل العروس لا يتكلفوا بشيء..
يأتي أصحاب العريس ويحمموه ويزفّوه، وفي البلد تحت شجرة كبيرة ويأتي حدّاي ويغدوا ويبقوا حتى العصر، ويأتي العريس ويذهب للعروس وينقطوا العريس نقود.. ثم تتم الدخلة قبل المغرب، وقبل دخول العريس يتم الآذان ثم يدخل عند العروس، والنساء بالداخل.. ويشيل المنديل عن وجهها..
كان في مقبرة للقرية كلها.. والحجاج كانوا يذهبون، يتم توديعهم بالطبل والأناشيد والإستقبال كذلك.. عندما يرجعوا الحجاج كانوا يحضرون الهدايا مثل ماء زمزم، وألعاب مثل البلبل للاولاد..
52:30 ثورة 1936 كنت عمري سنتين ونصف، والدي كان من رجال الثورة، وكانوا يعتمدون على البندقية.. والدي إشترى بارودة ألمانية، باع ذهب أمي ليشتري البارودة.. قال والدي أنهم كانوا 150 رجل يريدون الأكل.. فذهبنا عند رجل عشّانا زيتون ولبنة.. فقط إحتاج خبز من البلد..
وصيتي للجيل الجديد. لا بديل عن الوطن ولا عن فلسطين ولا عن الهوية الفلسطينية..