قاسم محمد توفيق قدورة، مواليد سحماتا قضاء عكا، كان عمري 12 سنة وكنت طالباً بالصف الثالث، كان عنا إستاذ اسمه نهاد كمال من نابلس.
الثورة كانت عندنا مثل بقية الثوار سنة 1936، كان الثوار يشترون بواريد. من الثوار واحد اسمه الأصبح من الجاعونة وأبو درة بدوي، وحمدان بدوي، والإبراهيم الكبير والإبراهيم الصغير، وكان من بلدنا واحد متفرغ اسمه محمد يوسف عامر وأبو حسن فضة، والشيخ بدر توفيق قدورة، هؤلاء مُتَفَرِّغين أي تحتهم عناصر يتبعون لهم. كان هؤلاء المتفرغون يأمرون شبابهم مثلاً اذهبوا انسفوا العبّارة، فيذهبون ويطلقون النار وبعد قليل يأتي الإنجليز ويحوّطون القرية لمدة 3 – 4 ساعات، ويدخلون ويأسرون 6 – 7 شباب ويسجنوهم، منهم من يُسجَن 6 أشهر ومنهم سنة أو شهر.. وهكذا دواليك.
فقام الإنجليز ووضع مخفر لهم في المدرسة وذلك لمنع رجال الثوار عن البلد. الثوار كانت تعيش بالجرد، ليس لهم مكان محدد.
أمّا بالـ 1948... الإنجليز اتفقوا علينا، وأعطوا الملك عبد الله الضفّة الغربية والقدس (ملك عليهم)، والقادة هربوا لخارج البلاد وفتحوا الحدود للشعب الفلسطيني ليخرج ويهرب... وهكذا تمّت الهجرة.
كان في مختار ببلدنا بيسوى 4 بلاد، اسمه محمود صالح قدورة، وكان رجل بمعنى الكلمة، مختار آخر مسيحي قيصر وإبنه خرج معنا.
ونحن بالمدرسة، كان كل ولد له علم، وكنت أنا وكم ولد ننشد أناشيد كثيرة ونقول:
إسلمِ فلسطين إننا فدا
زي يدي إن مَدَّت الدنيا يدا
ابداً لم تستكيني أبدا
إنني أرجو مع اليوم غدا
ومعي قلبي وعزمي للجهاد
ولقلبي أنت بعد الدين
لك يا قدس أنت السلام والسلام من يا بلادي
واسلمي في كل حين.
كنا بالمدرسة ننشد كل يوم قبل الدخول للصفوف:
حماة الحماة يا حماة الحماة
هلموا هلموا لمجد الزمن
فقد صرخت في الورق الدما
نموت نموت ويحيا الوطن
أهذا الوطن حق له
أيُفتدى بالدما والمهج
عار علينا أننا
لا نضيع مجداً لا يُضم
هُبّوا ولو ذقنا الحمم
بالروح نفدي ذا الوطن
في الأعراس بفلسطين كانت فريدة من نوعها، تكثُر الأعراس بعد البيادر عندما تفرغ من القمح ودرسه.
يبدأ العرس بالتعليل قبل 10 – 15 يوم. كل البلد تأتي على هذه الساحة ويأتي الشباب ويدبكون ويرقصون.. والكبار يجلسون يشاهدون "سيف الدين الحاج أمين"... ويسحجوا: "صولوما صولوما". ثم يذهبون الى البيت على إيقاع الدبكة والزراغيت.
ويوم العرس يأخذون العروس الى العزيمة، أحد من أقارب العروس يعزمونه والعريس يُعزَم عند صديقه أو قريبه.
والحلاق يأتي للعريس ليحلق له ويقولون: "إحلقله يا حلاق بالموس الذهبية، تأنى يا حلاق لتجي الأهلية.. إحلقله يا حلاق وتأنى على شواربه...". وفي السهرة قبل يوم العرس تُحَنَّى العروس.
وفي الساعة 10 يأخذوه على البرية ويطوفوه. العريس يمشي أمام واثنين "اشابين" العريس, وهكذا حتى يصل الى البيادر ويبدأ الشباب بالدبكة ورقص الخيل.. حتى الظهر ثم تذهب الناس للغداء عند أهل العريس حيث يذبحون 20 ذبيحة لكل أهل البلد، كان أهل العريس يستلم الهدايا من الناس ذبايح وأطنان الأرز والقهوة.
ويوضع البطيخ على السطح، وعند العصر يأخذون العريس الى الساحة بالبلد، والحدي يأتي ويتحدون بعضهم.
ويذهبون بعد ذلك الى البلد ويدبكون الشباب وعند الغياب يذهبون ليأخذوا العروس لعند بيت عمها. وينقطوا العروسين، وتركب العروس على المُهرة المزينة وتصل بيت عمها، ويذهبوا ليحضروا العريس عند بيت أهله..
العروس مُغطّى وجهها بالمنديل ويأتي العريس على الباب ويأذن له الشيخ ويكشف للعروس المنديل ويدخلون... والباقي يغادرون الى بيوتهم. مثل أعراس بلدنا لم يحصل هنا بلبنان.
لم يكن عنا مستشفيات ولا أطباء.. وكانت الطبابة عربية. والدي كان لحام.. كان بعكا دكتور اسمه الدكتور ناجي.
كان عندنا مدرسة لغاية الصف الرابع، واستاذين، ندرس حساب وعربي، وزراعة وحدادة ومنشرة. وفي المدرسة جنينة 10 دونمات، كانت الأولاد تزرع فيها. ومن يريد إكمال تعليمه يذهب الى ترشيحا.
من الأساتذة، خالد القاضي من ترشيحا، ومن صفورية ولوبية ونابلس كانت الأساتذة تأتي.
كان عنا داية اسمها حمدة، وأخرى لا أذكر اسمها. وكان خالي يُقلِع أسنان الأولاد.. من دون بنج وعنده كماشة مصرية، يستعملها لخلع الأسنان.
نحن رعيان، نرعى الماعز، أكلنا زعتر وحليب، نحلب الماعز، ونشرب الحليب مباشرةً دون غليه...
لم يكن في أدوية وليس هناك زيت نباتي.. ولكن أكلنا كله طبيعي، لا كيماويات ولا شيء.
كان هناك مطهِّر اسمه عبد الرحمن الشيخ، وكان هناك درزي يأتي من بيت جن، ومن يُطهِّر إبنه يعمل تعليلة، وكانت الناس تتأخر في تطهير أبنائها.
لم يكن هناك كهرباء، وكنا نضيء بابور كاز نمرة "4"، وبعض الناس تستعمل الزيت لتضيئه. وعكا المدينة كانت تستعمل الكاز لتضيء المدينة.
سنة 1948.. جاء جيش الإنقاذ، ولكن لم يدعنا نُدافع عن قُرانا وكانوا يقولون لنا من يطلق النار على الطائرات اليهودية يموت..
وبدأ الطيران يضرب سحماتا وترشيحا... وهربنا تحت الزيتون.. والساعة 2 ليلاً جاء الجيش وخرج شمالاً، وقال لنا ماذا تفعلون هنا؟ ترشيحا هُزِمَت فاخرجوا الى لبنان حتى لا تموتوا..
الجيش لم يكن يقاوم، والأوامر العليا صرحت بعدم إطلاق النار والمقاومة. ثم جاءت الأوامر بوقف إطلاق النار والإنسحاب رغم الإنتصار على اليهود.. ثم فتحوا الحدود للشعب الفلسطيني ليخرُج.
أنا أول واحد أتمنى أن أموت تحت زيتونة أو بمغارة عندنا ولا يمَلكوني لبنان كلها.
أمي من ربّتني على أرضها... ومن وقت ما تركت وطني وأنا صرت خاين بلبنان.
بمجرد خرجنا من فلسطين، نُعَدّ خاينين لأننا تركنا بلدنا.
الوطن هو من يصنع الشخص ويرفع قيمته ويحفظها.